الفقاعات تولد الصدمات المالية .. والمستهلكون يحبونها
شهد جوسيب أوليو ثلاث أزمات اقتصادية خلال حياته المهنية كمصرفي في إسبانيا- اثنتان منها منذ أن أصبح رئيسا تنفيذيا لمجموعة Banco Sabadell. وقد تحدث المصرفي المخضرم أخيرا في مقابلة مع «إنسياد المعرفة» في مقر المجموعة في برشلونة عن الأزمة وما يمكننا أن نتعلمه منها.
ويستذكر أوليو قائلا: «حدثت أزمة طويلة وعميقة من عام 1976 حتى عام 1982 وكان لها الكثير من العواقب على النظام المالي.» وأضاف مشيرا إلى أن انتقال الدولة من الحكم الاستبدادي للجنرال فرانسيسكو فرانكو: «وتزامن هذا مع الانتقال إلى النظام الديمقراطي في إسبانيا وإنشاء الكثير من آليات السوق التي لم تكن موجودة من قبل- سبب هذا الكثير من المشاكل».
وهو يقول: «كانت هناك أزمة تنافسية من عام 1992 حتى عام 1995: انضمت إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي ذلك الوقت، كان الزخم إيجابيا جدا، ولكن بعد ذلك، حين بدأ الزخم السلبي في أوروبا، بدأ الإسبان بالتساؤل عن الشركات التي لن تكون موجودة في المستقبل».
ويتابع حديثه: «إن الأزمة التي نمر بها الآن هي أزمة مالية نشأت بسبب صدمة مالية. فنحن نشهد الآن صدمة ائتمان، وهو ما أدى إلى آلية سلبية سواء في العقارات- لأنه كان هناك اكتظاظ بالفعل- وأيضا في الأعمال التجارية: في صناعة السيارات؛ وفي قطاع السياحة بسبب انخفاض النمو وأسعار الصرف في إنجلترا (مع انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني). ويمكنني القول من خبرتي إن هذه أزمة جديدة بسبب النطاق الدولي والعالمي للأزمة.»
ويشعر أوليو بالقلق من البيئة التنظيمية الجديدة في العالم المالي. فهو يقول: «لا يمكن الآن معرفة القوانين التي سيتم وضعها وفيما إذا كان سيتم فرض الكثير من التنظيم الذي قد يسبب مشاكل أكثر من تلك التي يحاول المنظمون حلها».
وإحدى تلك المشاكل هي الميل للاعتقاد بوجود الفقاعات. فهو يقول: «الناس يحبون الفقاعات. المستهلكون يحبون الفقاعات. رجال الأعمال يحبون الفقاعات. الحكومة تحب الفقاعات، المنظمون يحبون الفقاعات. وحين تتشكل الفقاعة، لا يفعل أحد أي شيء لأنهم يحبون أن يكونوا داخل الفقاعة، ويحبون دائما أن تنفجر الفقاعة حين تكون المعارضة في السلطة، ولهذا يسمحون للفقاعة بالنمو. لذا لم يفرض أحد، أو يفكر بفرض، قيود ائتمانية حين كان كل شيء محموما بالفعل. لم يكن المستهلكون يريدون أن ترتفع أسعار الفائدة حين كان من الواضح أنها يجب أن تكون أعلى».
#2#
وساهم تأثير الفقاعة في صرف اهتمام المصرفيين عن مسك الدفاتر، مما أدى إلى تعميق فترة الحضيض للأزمة. ويؤكد: «أحد الأمور التي تعلمناها هو أن علينا أن ننظر إلى السيولة بطريقة أكثر جدية وصرامة. ولم نفعل ذلك لأننا كنا نعتقد أن الأسواق تعمل بشكل مثالي. إلا أن الأسواق لا تعمل على نحو مثالي. وأحيانا لا تعمل على الإطلاق. ولعل الأسواق كانت تدفع المؤسسات لكي تكون أكثر مديونية مما كان ينبغي».
إلا أن البنوك الإسبانية كانت أكثر تحفظا في إطار توجيهات بنك إسبانيا، حيث وضعت جانبا مخصصات احتياطية حتى مقابل القروض العاملة. ويوضح أوليو: «لقد اتبعنا هذا النهج «الوقائي الديناميكي»، ووضعنا جانبا المال تحسبا لنمو الائتمان. كان التفكير السائد هو أن بعض الشركات ستفشل وستكون هناك خسائر خفية، وهذا يتطلب احتياطات خلال الفترات التي يكون فيها كل شيء على ما يرام في الاقتصاد. وقد تم تبني هذه الممارسة من قبل بنك Banco Sabadell في السبعينيات أو الثمانينيات- قبل أن تصبح قاعدة مصرفية وطنية. إلا أن هذه الاحتياطات الديناميكية هي أحد أسباب تعافي البنوك الإسبانية من الأزمة في وقت أبكر من معظم البنوك».
وستخرج بعض البنوك من الأزمة باعتبارها قوى دولية- مثل Banco Santander و BBVA. ويتساءل: «السؤال هنا هو كيف ينبغي التعامل مع تلك البنوك متعددة الجنسيات وكيف ينبغي أن يتم التعامل مع احتمالية الفشل؟ فهناك اليوم بنوك تتاجر في إنجلترا وإسبانيا وأمريكا الجنوبية والصين والهند... ولكن ماذا لو فشل أحد هذه البنوك؟ إن آليات العدوى كبيرة جدا، وليس هناك أي مؤسسة قادرة على التعامل مع هذا. لذا فإن المشكلة هي كيفية تنظيم والإشراف على البنوك التي تعمل في أكثر من دولة وتحت أكثر من سلطة واحدة».
«إلا أن هناك شيئا آخر قد يؤدي إلى عدوى أكبر في حال حدوث مشكلة، وهو نوع الأنشطة التي يمارسها هذا البنك. فالبنوك الاستثمارية ليست كبيرة جدا ولكنها أكثر عدوى من حيث نوع أنشطتها- التحوّط مثلا- وقد يؤدي فشل هذا النوع من النشاط في السوق إلى موجة صدمة، وهذا ما حدث في حالة Lehman Brothers. ولو فشل بنك تجاري آخر بنفس حجم «ليمان أخوان» بدلا من فشل ليمان، لما كانت الصدمة بهذا الحجم الكبير».
ويتحدث أوليو بصراحة مماثلة عن أزمة اليونان—التي يؤكد أنها أزمة سياسية. فهو يقول: «تفشل الدول على الدوام. فقد فشلت الدول قبل إنشاء الاتحاد الأوروبي. وخلال الـ 25 عاما الماضية، شهدنا فشل المكسيك والأرجنتين وروسيا؛ وفي كل حالة كانت المشكلة هي الائتمان. وبالتالي تفاوضت الدول من جديد على ديونها. وفي حالة الاتحاد الأوروبي، ترتبط جميع الدول بسياسات مالية معينة، وإذا تم اتباع هذه السياسات من المفترض ألا تحدث مشكلة. وإذا لم تتبع دولة ما قواعد الاتحاد الأوروبي، تنشأ مشكلة سياسية».