أوروبا.. حضور كبير للتمويل الإسلامي والدراسات المتخصصة فيه

أوروبا.. حضور كبير للتمويل الإسلامي والدراسات المتخصصة فيه
أوروبا.. حضور كبير للتمويل الإسلامي والدراسات المتخصصة فيه
أوروبا.. حضور كبير للتمويل الإسلامي والدراسات المتخصصة فيه
أوروبا.. حضور كبير للتمويل الإسلامي والدراسات المتخصصة فيه

تشهد المصرفية الإسلامية انتشارا قويا في أوروبا، حيث أثبتت استقرارها وثباتها في خضم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالأسواق العالمية؛ حيث توجد تحركات قوية من قبل الدول الأوروبية وأمريكا نحو الصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي للحد من تحركات الفائدة المسؤولة عن تضخم أسعار المواد الاستهلاكية في العالم.

يعد بنك بريطانيا الإسلامي أول مصرف يقدم خدمات مالية إسلامية في أوروبا عام 2004، ولديه 35 ألف عميل وثمانية فروع في بريطانيا، وقد اتخذت وزارة المال البريطانية عدة إجراءات لتسهيل عمل المصارف الإسلامية ضمن النظام المصرفي البريطاني، وقررت الحكومة إدراج إجراءات تؤسس لنظام قانوني للخدمات المالية الإسلامية في ميزانية 2007، كما أعلن بنك لويدز تي إس بي، عن بدء تقديم أكبر خدمة مصرفية في أوروبا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ موجهة للشركات في محاولة لجذب رؤوس الأموال الإسلامية، وقام بنك أوف اسكتلاند بفتح نوافذ إسلامية ليقدم من خلالها خدماته المصرفية الإسلامية من خلال افتتاحه أول فروعه في منطقة الشرق الأوسط في البحرين، وكذلك تم فتح أول بنك إسلامي في إيطاليا عام 2008م. وفي عام 1996 فتح سيتي بنك الأمريكي فرعا له في البحرين ليقدم الخدمات المالية الإسلامية، وسارت على الطريق نفسه أيضا كل من المصارف الفرنسية والإنجليزية وبعض مصارف الدول الأوروبية الأخرى، فالخدمات المالية الإسلامية بات يقدمها عديد من المصارف الغربية في الوقت الحاضر سواء من خلال الفروع الموجودة في الأسواق الاسلامية أو من خلال نوافذ خاصة موجودة في الدول الغربية تقدم خدمات إسلامية لطالبيها، حيث وصلت موجودات المؤسسات المالية الإسلامية إلى ما يزيد على 400 مليار دولار أمريكي، وهذا الرقم الكبير ليس إلا نتيجة منطقية للتوجه الواسع في أسواق الدول الإسلامية نحو تقديم الخدمات المالية الاسلامية من قبل المصارف المحلية وحتى قبل المصارف الغربية، فهذا الاندماج المالي الإسلامي في الأسواق المالية العالمية يدحض حجج من يقول إن النظام المالي الإسلامي لا يتوافق مع نظام العولمة المالية الجديد.

لقد قطعت الجامعات الأوروبية شوطا كبيرا في مجال دراسة المصرفية الإسلامية، وبدأت في الانتشار الواسع في أرجاء العالم، خاصة في بريطانيا التي تعد حاليا مركزا للتمويل الإسلامي، بسبب اهتمام الحكومة البريطانية بتغيير الأنظمة والتشريعات المصرفية لاستيعاب التمويل الإسلامي، حيث إن المصرفية الإسلامية تشهد انتشارا قويا في أوروبا، وقد أثبتت استقرارها وثباتها في خضم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالأسواق العالمية.

فقد أصبح تطبيق أنظمة الاقتصاد الإسلامي لا يقتصر على الدول الإسلامية فقط فهناك دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية اليابان والصين وغيرها من الدول الغربية أخذت تتجه بقوة نحو الاستثمار والتمويل في المنتجات الإسلامية، فكان من الضروري السعي إلى إنشاء سوق إسلامية حرة للعالم الإسلامي، وقيام المصارف الإسلامية بتشجيع عمليات الدمج فيما بينها، وعقد تحالفات استراتيجية لتحقيق التعاون مع العالم الآخر مثل المشاركة في تقديم الخدمات التكنولوجية المتقدمة وإعادة هيكلة رؤوس أموالها، وإذا كان الفاتيكان قد تنبه إلى مشكلة الأزمة المالية العالمية واعترف بأن الاقتصاد الإسلامي هو السبيل الوحيد إلى حلها، وكما جاء في مجلس الشيوخ الفرنسي؛ فإن النظام المصرفي الإسلامي هو الأنسب للجميع ويمكن تطبيقه، ففي الولايات المتحدة جهزت بعض البنوك منتجات مالية تتوافق مع الشريعة الإسلامية وحققت نجاحا جيداً، كما أن بنك اليابان للتعاون الدولي أصدر سندات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وفي ماليزيا دعت محافظة البنك المركزي الماليزي بريطانيا للعمل المشترك لدعم التعاون وفق الأدوات والمنتجات الإسلامية، لذا فإن على أبناء الإسلام من علماء وفقهاء ومفكرين واقتصاديين ورواد المصرفية الإسلامية أن يقفوا صفا وحدا ويثبتوا للعالم أن نظام المصرفية الإسلامية والاقتصاد الإسلامي هما الأفضل والأنسب لكافة الشعوب والمجتمعات العالمية والأقل تأثرا بالأزمة العالمية باعتراف الجميع على مستوى المحافل الدولية، وعلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومنظمة المؤتمر الإسلامي أن يدعوا إلى عقد عدة مؤتمرات دولية تبين فيها أنظمة ومبادئ الشريعة الإسلامية في تطبيق المصرفية الإسلامية والإقناع بأنها الوحيدة الصالحة لكل زمان ومكان.
#2#
لقد أصبحت الصيرفة الإسلامية خلال السنوات الأخيرة صناعة حديثة تستقطب اهتمام عديد من البنوك والمؤسسات المالية الدولية والأطراف الفاعلة في النظام المالي العالمي، ويعود ذلك إلى النمو الهائل الذي تشهده هذه الظاهرة إثر الطفرة النفطية التي اكتسحت المنطقة الإسلامية والخليجية خصوصا.

تزايد الطلب على المصرفية

وتزامنا مع تزايد الطلب على المعاملات المالية الإسلامية التي تراعي القيم والأخلاق وأحكام الشريعة الإسلامية، سارعت البنوك الغربية للاستفادة من هذه الموجة المتصاعدة شرقا وغربا في تكييف خدماتها وتطويع نشاطاتها لتلبية حاجيات العملاء من هذه الفئة من الجمهور وخطب ودها، بهدف استقطاب ما أمكن من رؤوس الأموال التي تبحث عن خدمات مطابقة لمعتقداتها وقيمها الدينية، وأنشأت لذلك الفروع والنوافذ المالية حيثما كانت هناك حاجة وطلب، مما أسهم في نمو المصارف الإسلامية وانتشارها في غير مراكزها التقليدية، حيث أضحى يوجد اليوم ما يزيد على 300 بنك ومؤسسة إسلامية تتعامل وفق أحكام الشريعة في أكثر من 80 بلدا في العالم، وتدير ما بين 500 و800 مليار دولار، وتستقطب اهتمام مزيد من البنوك التقليدية الكبرى التي بهرت أمام النتائج الباهرة التي حققتها المصارف الإسلامية، وتسعى إلى مواكبة التيار وامتطاء القطار والسعي إلى مسك مقوده والتحكم في مسيرته.

لقد أصبح عديد من المصرفيين الغربيين ينظرون إلى التمويل الإسلامي باعتباره أمراً مهما جديرا بالتأمل وكفرصة عمل نادرة من حيث الكفاءة والمردودية، معتبرين المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي من أكثر الجوانب الإيجابية في الإسلام، بل هو الجانب الذي يمكن للغربيين الدخول في حوار مع المسلمين بشأنه والتعرف على الوجه المضيء للإسلام من خلاله. على سبيل المثال دعا مجلس الشيوخ الفرنسي إلى ضم النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي في فرنسا، وقال المجلس في تقرير أعدته لجنة تعنى بالشؤون المالية في المجلس إن النظام المصرفي الذي يعتمد على قواعد مستمدة من الشريعة الإسلامية مريح للجميع مسلمين وغير مسلمين. وأكد التقرير الصادر عن لجنة المالية ومراقبة الميزانية والحسابات الاقتصادية للدولة بالمجلس، أن هذا النظام المصرفي الذي يعيش ازدهارا واضحا قابل للتطبيق في فرنسا، وسبق صدور التقرير أزمة مالية طاحنة عصفت بالنظام المصرفي الغربي القائم على قواعد مخالفة لقواعد النظام المصرفي الإسلامي، حيث ترتكز السياسية المالية الغربية إلى مبدأ التعامل بالربا الممنوع حسب الشريعة الإسلامية.

المصرفية الإسلامية والعولمة المالية

إن العولمة المصرفية الإسلامية هي قدرة المصارف الإسلامية على التعامل في السوق العالمية والثبات أمام الأزمات العاصفة، وهذا لا يعني التخلي عن السوق المحلية، بل الانتقال بالعمل المصرفي الإسلامي إلى الأسواق الإسلامية والعالمية مع الاحتفاظ بالعمل المحلي الوطني. لقد انطلقت المصرفية الإسلامية لتتبوأ مكانا مشرفاً ومشرقاً في النظام البنكي التجاري التقليدي والعالمي، وحققت نجاحات كبيرة وإنجازات عالية ونقلة نوعية ممتازة، واستطاعت أن تواجه العولمة بثبات، وذلك بتصميم منتجات وخدمات مالية ومصرفية إسلامية جديدة مناسبة للمجتمعين الإسلامي والعالمي، وكذلك أوجدت صيغ تمويل واستثمار وعمليات مصرفية إسلامية جذابة لجميع شرائح المجتمع الإسلامي والعالمي، وبالتالي فرضت المصرفية الإسلامية وجودها الإقليمي والعالمي على الساحة المالية العالمية كي تستطيع مواجهة التطورات والتحديات الكبيرة للعولمة.

إن الصناعة المصرفية الإسلامية حديثة العهد ولا يزيد عمرها على ثلاثين عاما أو أكثر بقليل، إلا أنها استطاعت أن تسهم في التنمية وتمويل المشروعات الاستثمارية والاقتصادية والصحية والتعليمية والزراعية والصناعية والإعلامية، واستطاعت أن تقوم بدور مميز في استثمار الأموال وفقاً للشريعة الإسلامية وإبعاد كثير من أفراد المجتمع الإسلامي عن التعامل مع البنوك التقليدية وتفادي الفوائد البنكية، كما كان للمصارف الإسلامية دور مهم في خدمة المجتمع في تمويل الأعمال الخيرية كالمساجد والمستشفيات والمشروعات السكنية ودور الأيتام والمشاريع الخيرية والخدمات الاجتماعية وغيرها .. وذلك عن طريق الزكاة أو التبرعات أو القروض الحسنة التي تمنح من دون فائدة بنكية، كما أن للعولمة المصرفية إيجابيات مثل جذب الاستثمارات وزيادة النشاط التجاري المحلي والعالمي، حيث تمت إزالة الحواجز وتخفيض التعريفة الجمركية وتقليل الأسعار للسلع والخدمات المستوردة لتخفيف التكاليف على المستهلك والحصول على التكنولوجيا الحديثة وزيادة التنافس في مجال تخفيض الأسعار.

إن المصارف الإسلامية تتمتع بخصوصية تميزها عن باقي البنوك التقليدية سواء من جهة الخدمات أو من جهة المنتجات الاستثمارية أو التمويل المالي إلا أن حصتها في أسواق الدول الإسلامية والعالمية لا تزال متواضعة، ولكن أمامها مساحة كبيرة للنمو يمكن أن تساعدها على التصدي لكثير من الأزمات التي تفرضها العولمة العالمية عليها، كما أن بعض الأعمال غير النزيهة التي نتجت عن العولمة المرتبطة بعمليات غسيل الأموال وتجارة الممنوعات والاقتصاديات غير النظامية قد تعيق تطورها، لذلك فإن نجاح المصارف الإسلامية في ظل العولمة مرهون بتفهمها لما يجري حولها من تعاملات مشبوهة والتعامل معها بحذر، وتطوير أنظمتها وإدارتها من خلال استراتيجية إسلامية موحدة تأخذ بعين الاعتبار جميع متطلبات المصرفية الإسلامية.
#3#
لذا فإن المصارف الإسلامية مدعوة لبذل مزيد من الجهد والعمل على تحديث طرق وأساليب تقديم الخدمات والمنتجات وصيغ التمويل الإسلامية وتنويعها وجذب مزيد من رؤوس الأموال لاستثمارها في الداخل والخارج، والاستفادة من استخدام التقنيات الحديثة وإعادة هندسة المصارف الإسلامية من إدارات وهيكل تنظيمي لتواكب التطورات المحلية والعالمية، كما يجب على المصارف الإسلامية البحث عن السبل والطرق التي تستطيع بها المصرفية الإسلامية الدخول والانسجام في العولمة من دون تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، حيث إنه من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية العناية بحاجات المجتمع الإسلامي واستثمار أمواله. وقد حثت تعاليم الإسلام العظيمة على استثمار الأموال وتنمية المدخرات وفقاً للشريعة الإسلامية وذلك لحاجة المسلمين للكسب الحلال.

ومع أن المصرفية الإسلامية بدأت منذ نحو ثلاثة عقود إلا أن التطور ما زال في البداية مقارنة بتجربة وتطور البنوك التجارية، وقد ساعد نظام (أسواق المال الإسلامية) في تشجيع المؤسسات المالية الإسلامية على المساهمة في السوق المالية العالمية، لذا فقد بدأ الاهتمام بـ (أسواق المال الإسلامية)، حيث نلاحظ طرح أدوات ومنتجات استثمارية حديثة في السنوات الماضية وتم تطويرها لتكون متناسبة مع الفكر الإسلامي في التمويل، خاصة (الصكوك الإسلامية) التي تم طرحها في الأسواق العالمية ولاقت قبولا كبيرا من المستثمرين المسلمين وغيرهم، ومن المتوقع أن يدخل انتشار هذه العمليات إلى الترابط والتكامل بين المراكز المالية المحلية والعالمية. كما يفترض أن يتم تشجيع رؤوس الأموال، مما يوسع نشاطات إدارة الصناديق الإسلامية لتنمية الأموال واستثمارها من الناحية الإسلامية، وحتى تستكمل الصناعة المصرفية الإسلامية لا بد من أن تتوافر لها (أسوق مالية إسلامية) على منوال السوق المالية للبنوك التجارية العالمية؛ لذا لا بد من تطوير النظام المحاسبي والمالي لها وكذلك الأدوات المستخدمة فيها، إضافة إلى إيجاد تشريعات وأنظمة واضحة لتنظيم أعمال السوق ومتابعة نشر الوعي الاستثماري وبذل كل ما يستطاع من تقويه ثقة المتعاملين بـ (أسواق المال الإسلامية)، وابتكار المنتجات الاستثمارية وتطوير آليات عمل السوق.

كما على المصارف الإسلامية أن تسعى إلى أن تكون لها معايير ومؤشرات معترف بها دوليا حتى يكون لها نشاطات وفعاليات متوافقة مع مؤشرات الأسواق المالية العالمية ويستطيع كل من يتعامل في الأسواق المالية التعامل معها وفق معايير دولية مثل معايير (بازل I وبازل II) للبنوك العالمية، وهذا يتطلب بذل جهود مشتركة من جميع فقهاء وعلماء المسلمين واقتصاديين وبيوت المال والاستثمار وأصحاب المصارف الإسلامية لمراجعة ما تقوم عليه (أسواق المال الإسلامية) من أنظمة وعقود، وما تعتمد عليه من آليات وأساليب مالية من خلال الدراسات والأبحاث الفقهية والاقتصادية وتوسيع نشاطاتها ومنتجاتها، وذلك بعد تحديد الأسواق التي يمكن الدخول فيها بسهولة ويسر وأن يتم إيجاد أنظمة تشريعيه تربطها مع الأسواق المالية العالمية، والأخذ بمبدأ الإفصاح والشفافية عن (السوق المالية الإسلامية) وجميع الشركات المالية العاملة والمتداولة فيها في ظل أحكام الشريعة الإسلامية السمحة.

اهتمام غير إسلامي بالمصرفية

يؤكد الخبراء أن الاهتمام بالتمويل الإسلامي في أوروبا ليس محصورا في المسلمين فقط، بل هناك وعي متنام من غير المسلمين بهذه الخيارات البديلة التي تقدمها الصناعة المالية الإسلامية، ولا سيما في قطاع الصكوك، حيث بلغت نسبة إقبال الأوروبيين من غير المسلمين 80 في المئة من العدد الإجمالي لهذه السوق الحديثة باعتبارها أداة استثمارية جديدة وجديرة بالاهتمام، مع دخول مزيد من المؤسسات المالية الإسلامية هذا المجال، وتتجه خدمات هذه البنوك الأوروبية الكبرى إلى جذب الأموال الإسلامية في دول المشرق ولم تسع لحد الآن إلى الاتجاه بمثل هذه الخدمات إلى الوجود الإسلامي في أراضيها، وهي مفارقة لافتة مقارنة بعدد المسلمين الموجودين في أوروبا وتطلعاتهم إلى المعاملات المصرفية التي تحترم معتقداتهم الدينية، حيث إن النظام المالي الإسلامي أصبح مرغوبا فيه ويحظى باهتمام واسع وترحيب كبير في كل الأقطار دون استثناء.

وشهدت الساحة الأوروبية في السنتين الأخيرتين خصوصا تسابقا حثيثا نحو الصيرفة الإسلامية زادت في وتيرته حدة الأزمة المالية الأخيرة التي أدت بعديد من عمالقة البنوك الرأسمالية إلى الانهيار والإفلاس، في حين لم تطل هذه الأزمة المصارف الإسلامية، ما عزز التنافس الغربي على هذه المصارف ومنتجاتها المالية التي أثبتت نجاحاتها وكفاءتها في جذب الأموال واستقطاب المستثمرين، حيث حفلت البلدان الأوروبية خلال السنوات الماضية بزخم إعلامي مفرط حول كل ما يرتبط بالمالية الإسلامية ومشتقاتها والملابسات الكثيرة التي تحيط بها، والحث على دعمها وتطويرها، وإن الأغلبية من وسائل الإعلام الأوروبي المكتوبة والمرئية، إضافة إلى ما ينشر على مواقع الإنترنت تصب جميعها في خانة الترحيب بفوائد هذه الظاهرة ودورها في المساعدة على التخفيف من آثار الأزمة المالية المتفاقمة في كل أرجاء القارة الأوروبية، التي تحولت من أزمة مالية بحتة تطاول الأسواق المالية والمتعاملين فيها إلى أزمة اقتصادية شاملة لم يسلم من تداعياتها أي قطاع إنتاجي من قطاعات الاقتصاد.

مستقبل المصرفية في أوروبا
#4#
يبدو مستقبل الصناعة المالية الإسلامية واعداً، وإن عديدا من المصرفيين الغربيين ينظرون إلى التمويل الإسلامي باعتباره أمراً مثار اهتمام، بل ربما كفرصة عمل، معتبرين المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي من أكثر جوانب الإسلام تسامحاً، بل الجانب الذي يمكن للغربيين الدخول في حوار مع المسلمين بشأنه والاهتمام به بعمل الدراسات والبحوث العلمية حول الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية؛ بعدما أثبتت هذه الأبحاث العلمية جدوى هذا الاهتمام وتزايد الطلب على الدورات الدراسية الخاصة بالمصرفية الإسلامية، وتعد الجامعات الأوروبية متخلفة زمنيا عن نظيراتها الأمريكية التي حققت أشواطا كبيرة في تدريس قضايا الاقتصاد الإسلامي وأنشطة التمويل المرتبطة بالمصرفية الإسلامية، وكانت كل من جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا قد أنشأت قسما خاصا بالاقتصاد الإسلامي، أما في أوروبا فتعد إنجلترا رائدة فعلا في هذا المجال، حيث توجد ثلاث جامعات متبنية فكرة الاقتصاد والاستثمار الإسلامي، وهناك جامعات كثيرة مثل جامعة كنت التي تعطي درجة الدكتوراه والماجستير في قسم المحاسبة والمراجعة الإسلامية، وهناك أيضاً جامعة برمنجهام التي أنتجت مؤلفات لغير مسلمين في المحاسبة والمراجعة في الإسلام.

إن أسباب تزايد اهتمام الجامعات الغربية بتدريس مواد الاقتصاد والتمويل الإسلامي ترجع إلى ارتفاع وتيرة الاهتمام بالعمل المالي الإسلامي بشكل متزايد خلال السنوات الثلاث الماضية، وهذا ما انسحب على القطاع التعليمي، فمن عادة المؤسسات التعليمية والبحثية أن تتفاعل إيجابياً مع المهن والعلوم المستجدة، والعمل المالي الإسلامي من أهم تلك الاختصاصات الجديدة في الحقل المالي والمصرفي التي شغلت وتشغل بال العالم، ومن هنا فإن من أهم أسباب الإقبال على تدريس التمويل الإسلامي في الغرب الأسباب السوقية التجارية، ومن ثم تأتي الأسباب العلمية والبحثية التي تهتم بالتمويل الإسلامي، كما أن الدراسات العليا والأطروحات الملحقة بها التي تقدم في هذه الجامعات الغربية ليست موجهة فقط للمسلمين، على الرغم من أن معظم الدارسين هم من المسلمين، ولكن الطلاب غير المسلمين يهتمون أيضا بدراسة التمويل الإسلامي أو إجراء بحوث فيه بسبب الالتزام الأخلاقي وباعتباره القطاع الأسرع نمواً في صناعة الصيرفة الإسلامية.

وعليه فإن ازدياد أعداد المؤسسات المالية الإسلامية في أوروبا والنمو في حجمها يعني الحاجة إلى مزيد من العناصر البشرية المدربة التي تحتاج إليها هذه المؤسسات، ونظراً للنقص في المؤسسات الأكاديمية التي تخرج العناصر المؤهلة فإن المؤسسات المالية الإسلامية تحتاج إلى الاستعانة بدرجة أكبر ببرامج التدريب المكثف التي تصقل قدرات العاملين، كما أنها بحاجة للمساهمة في إنشاء المعاهد المتخصصة التي توفر الكوادر المؤهلة علمياً، والحاجة إلى هذه الكوادر تشمل العناصر المتخصصة في المجالات المصرفية والاستثمارية والفنية، وأيضاً الكوادر الشرعية ذات الخبرة في مجال الأعمال المصرفية والمالية.

التمويل في أزهى مراحله

ويرى عديد من الخبراء الماليين والمصرفيين الغربيين أن التمويل الإسلامي يعيش اليوم أزهي فتراته وأنه يسير بشكل أفضل من أي وقت مضى، وأن النجاح المنتظر للمصارف الإسلامية يعتمد على قدرة المؤسسات الإسلامية من مصارف وهيئات شرعية ومجامع فقهية على مواجهة ما يتوقع من تحديات أخرى قد تظهر في المستقبل، ولا سيما في ظل هذا العالم المتغير المتجه نحو فتح الأسواق وتحرير الخدمات والاندماجات الكبيرة والمنافسات الحادة. ويتوقع المراقبون لتطورات الأزمة الراهنة أن تشكل فرصة ذهبية للمتخصصين في الاقتصاد والتمويل الإسلامي للإدلاء بدلائهم في مسألة إصلاح النظام المالي العالمي وبلورة عديد من الإيضاحات المفيدة حول تنظيم المؤسسات والأسواق المالية، وقد ذهب بعض الكتاب والمفكرين إلى أبعد من ذلك حيث تحول عديد منهم إلى مبشرين بالحل الإسلامي، وبقدرة التمويل الإسلامي على إنقاذ الاقتصاد الغربي من الأزمة التي يعانيها. وبالنسبة للمصرفية الإسلامية في أوروبا تقف هذه الصناعة على أعتاب توسع كبير استنادا إلى حجم الإمكانات الكامنة للصيرفة الإسلامية في عدد من الدول الأوروبية الرئيسية، وبالتالي من المنتظر أن يتزايد إقبال البنوك والمؤسسات الأوروبية على الصيرفة الإسلامية بشكل يفوق ما يحدث الآن، ولا أدل على ذلك من الإقبال المثير على السندات والصكوك الإسلامية.

لذا فإن على المصارف الإسلامية أن تسعى إلى خلق ابتكارات ومنتجات وخدمات جديدة حتى تحقق مستوى عاليا من الجودة في خدماتها المصرفية؛ وذلك من خلال تطبيق أحدث أساليب التقنية والاتصال، إضافة إلى أن العمل المصرفي في حاجة ملحة لإيجاد كفاءات مؤهلة ومدربة، وذلك بتكثيف الدورات وعقد الندوات والتعاون المتبادل بين الهيئات الإسلامية والدولية، وبذلك كله يمكن تسهيل عمل المصارف الإسلامية للدخول إلى الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم المتقدمة، وأن تواكب النهضة الحديثة بما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة، وبذلك كله تكون منافسة للبنوك التقليدية.

الأكثر قراءة