تقرير: السعودية منافس صاعد في الملكية الخاصة للأسواق الناشئة

تقرير: السعودية منافس صاعد في الملكية الخاصة للأسواق الناشئة

وضع تقرير اقتصادي متخصص قطاع الملكية الخاصة في المملكة على قائمة أبرز الأسواق الإقليمية في قطاع الملكية الخاصة في ظل تميزها بتعداد سكاني كبير، خاصة شريحة الشباب، إضافة إلى نموها الاقتصادي اللافت، مشيرا إلى أن السعودية تشهد جهودا حكومية مكرسة لتحقيق تنويع اقتصادي أوسع؛ ما يسهم في تعزيز مكانة المملكة كسوق مهمة في قطاع الملكية الخاصة.
ووفقا للتقرير الصادر عن كلية إنسياد لإدارة الأعمال بالتعاون مع شركة بوز آند كومباني تحت عنوان "قطاع الملكية الخاصة في الشرق الأوسط: مُنافس صاعد في الأسواق الناشئة" والذي تضمن استبيانا خاصا لآراء مديري الصناديق والمستثمرين في قطاع الملكية الخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فإن شركات عالمية عدة متخصصة في قطاع الملكية الخاصة ستشرع في افتتاح مكاتب لها في السعودية خلال الفترة المقبلة، في ظل التوجه الذي باتت تعتمده صناديق الملكية الخاصة في المنطقة من خلال عدم حصر عملياتها في أسواقها المحلية، والتركيز على استهداف الأسواق الإقليمية في مختلف الدول. وأضاف التقرير "بالرغم من بعض التحديات التي يمكن أن تفرضها السوق السعودية، خاصة في ظل السمة المحافظة ثقافيا واقتصاديا، إلى جانب العقبات القانونية والحصول على تأشيرات الدخول، إلا أنها تتمتع باقتصاد ضخم مع موارد متعددة؛ ما يعزز مكانتها كهدف استثماري مغر، إضافة إلى أن الميزانية الحكومية الأخيرة هي الأضخم على الإطلاق، في ظل التخطيط لإنفاق ما يناهز 144 مليار دولار.

فرص نوعية
وقال معدو التقرير "تزخر منطقة الشرق الأوسط بعديد من الفرص النوعية المتاحة أمام شركات الملكية الخاصة التي تتمتع بالخبرة والمعرفة، ولديها شبكات واسعة من العلاقات في الأسواق الإقليمية، حيث ستشهد تلك الفرص نموا عدديا وتنوعا قطاعيا في ظل التطوير المستمر في البيئة التشريعية والاستثمارية وتوسع أسواق المال في مختلف الدول، ورجح التقرير أن تتجه الشركات التي استطاعت النجاة من تداعيات الأزمة المالية العالمية نحو التخصص الاستثماري والتركيز على قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة والاستثمار المبكر والاستعانة بفرق إدارة متخصصة عمليا وقطاعيا". وشهد قطاع الملكية الخاصة على الصعيد المحلي في الشرق الأوسط نموا تدريجيا منذ عام 2005، وقبل تلك الفترة، شكلت المنطقة هدفا مغريا لجمع رؤوس الأموال من قبل شركات الملكية الخاصة العالمية، فيما كان اتجاه المستثمرين المحليين متركزا نحو الأسواق العالمية. وبحلول عام 2005، بدأت تتوافر الشروط اللازمة لنشوء صناعة ملكية خاصة إقليمية ذات قدرات استدامة ذاتية، وفي ظل النمو الاقتصادي القوي الذي شهدته دول المنطقة، بدأ القطاع المصرفي والمالي بتطوير البنية التحتية لدعم قطاع الملكية الخاصة بوتيرة متسارعة، ومن جانبها، كانت الحكومات تدفع باتجاه وضع أطر تنظيمية متوافقة مع معايير ممارسات الأعمال المعتمدة عالميا، وتأتي هذه المرحلة بصيغة مشابهة من جوانب عدة لنمط النشوء الذي شهده قطاع الملكية الخاصة في آسيا خلال مرحلة التسعينيات من القرن الماضي.

تباطؤ ولكن؟
يؤكد التقرير، أن أسواق المنطقة لم تكن في معزل عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، ففي عام 2006 وصلت نشاطات قطاع الملكية الخاصة إلى الذروة، حيث جمع 23 صندوقا تم إغلاقها أوليا ما يقارب 40 مليار دولار، لكن عام 2008 شهد 12 إغلاقا أوليا لصناديق جمعت ثلاثة مليارات دولار. وبالرغم من المحافظة على استمرار النشاط في صناعة الملكية الخاصة، لكن الأزمة العالمية تركت تأثيرا مزمنا في صناعة قد بدأت للتو مسيرة نموها، وبالرغم من تباطؤ النمو، إلا أن الأزمة شكلت دافعا ضروريا باتجاه إجراء إصلاحات ضرورية على الأطر التشريعية والقانونية.
وبينما تختلف وجهات النظر فيما إذا بدأت مرحلة الانتعاش الاقتصادي العالمي أم لم تبدأ بشكل فعلي، تبدي منطقة الشرق الأوسط مؤشرات إيجابية تؤكد قوة أساسيات الاقتصاد الكلي، حيث سجلت دول مجلس التعاون معدل نمو حقيقي بنسبة 0.7 خلال ذروة تأزم وضع الاقتصاد العالمي في عام 2009، ومن جانب آخر تخفي المعدلات المجمعة تباين أداء الأسواق كل منها على حدا، ويتوقع أن تعاود نسب النمو زخمها في 2010 عبر دول المنطقة، إذ يتوقع أن تحقق دول مجلس التعاون نموا كليا فعليا بمعدل 5.1 في المائة في العام 2010. لكن ارتباط معظم عملات دول المنطقة بالدولار الأمريكي يحد من خيارات السياسية النقدية التي من شأنها معالجة القضايا الاقتصادية الرئيسة مثل التضخم الذي شكل تحديا أمام دول المنطقة خلال السنوات الأخيرة الماضية، وعلى المستوى الإقليمي، وصلت المستويات المجمعة للتضخم إلى 8.3 في المائة في الفترة من عام 2003 لغاية عام 2008، ووصلت إلى الذروة في بعض الدول عام 2008 مسجلة 13.7 في المائة.

معايير جديدة
أصبحت قضايا مثل الشفافية والمحاسبة المؤسسية والفساد في صلب اهتمام عمليات الإصلاح التشريعية في دول المنطقة، وبدأت البنوك بمراجعة سياسات الإقراض والتمويل التي تتبعها، حيث كانت دائما في الماضي تفضل الإقراض بالاعتماد على اسم وسمعة الجهات والأطراف المقترضة على حساب الجوانب الأكثر أهمية مثل التدفق المالي والضمانات مقابل القروض، وقد أدت حالات التخلف عن سداد قروض ضخمة من قبل شركات ومؤسسات معروفة في المنطقة إلى الحد من توافر القروض المصرفية واعتماد معايير تمويل أكثر صرامة. تشكل شبكات العلاقات الاجتماعية الموثوقة أهم دوافع نجاح الأعمال في الشرق الأوسط، لكن قد يتسبب ذلك في تشتت المعلومات التي يضطر المستثمرون للبحث عن المعلومات الاستثمارية من خلال العلاقات الشخصية، ويأتي هذا التوجه مدعوما بسيطرة الشركات العائلية على النشاطات الاقتصادية في دول المنطقة، حيث تقدر مساهمة هذه الشركات في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بما يعادل 40 في المائة، كما تمثل 50 في المائة، من فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص على الصعيد الإقليمي.
فقد أظهرت تقديرات بنك باركليز، أن الأعمال المملوكة عائليا تشكل 75 في المائة من القطاع الخاص وتوظف 70 من القوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأشار البنك إلى أن معظم هذه الأعمال ليست مهيكلة، إذ إنها لا تتمتع بهيكليات واضحة ورسمية كشركات قابضة، وفي ضوء هذه المعطيات، وبالرغم من أهمية الشركات العائلية في البنية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، إلا أن ضعف الهيكلية المؤسسية الواضحة لها في ضوء البيئة التشريعية التي لا تزال في مرحلة التطوير، يجعل من المنطقة سوقا استثمارية مليئة بالتحديات أمام شركات الملكية الخاصة. ومن جانب آخر، تستحوذ فئة الأفراد من ذوي الملاءة المالية العالية على أهمية خاصة لدى قطاع الملكية الخاصة، خاصة مع اختلاف الدور الذي تلعبه هذه الفئة من الأثرياء في المنطقة، حيث عادة ما ينظر إليهم كمستثمرين سلبيين في باقي دول العالم، أما في الشرق الأوسط، فيضطلع الأثرياء بدور أكثر فعالية، مستفيدين من شبكة علاقاتهم الواسعة في اقتناص الصفقات المناسبة، لكن ومن جانب آخر، يطرح هذا الاتجاه تساؤلات حول آليات تقييم أسعار الشركات، خاصة أن مثل هذه الصفقات الخاصة تتم خلف الكواليس، فمن المستبعد أن تخضع إلى عمليات دراسة وتدقيق مالية على غرار ما يحدث في الصفقات العامة.

أموال متراكمة
إثر الأزمة المالية الراهنة، يشهد العالم مرحلة جديدة تتطلب اعتماد آليات تسعيير داخلية أكثر مسؤولية وصرامة وتشديد الرقابة المالية والاستثمارية، وفي حين تتبلور مرحلة الانتعاش الاقتصادي العالمي، فإن لدى مديري الصناديق والمحافظ الاستثمارية مبالغ مالية ضخمة لم يتم استثمارها بعد، وتقدر المبالغ التي بحوزة شركات الملكية الخاصة في الشرق الأوسط بما يقارب 11 مليار دولار، وهي رؤوس أموال تم جمعها للاستثمار قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، وحتى في حال معاودة وتيرة الاستثمار كما كان عليه الحال بين عامي 2005 -2007، وهي فترة شهدت 70 صفقة سنوياً بمعدل حجم يقارب 30 مليون دولار، فسيتطلب استثمار رؤوس الأموال المجمعة تلك فترةً تزيد على السنوات الخمس.

تركيز على التخصص
لفت المشاركون في استبيان "إنسياد – بوز آند كومباني 2010" إلى كون قطاع الرعاية الصحية من أبرز القطاعات المستهدفة بالنسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط. وتعتمد التوقعات بنمو قطاع الرعاية الصحية على مجموعة من المعطيات الديموغرافية، إضافة إلى تزايد الحاجة إلى الخدمات الصحية في ظل تدني المستوى الصحي للأفراد، نتيجة النمط المعيشي المترف السائد في المنطقة مع عدم الاعتناء باللياقة البدينة والأكل الصحي، إلى جانب طول مدى العمر المتوقع للأفراد. حيث لم يحظ قطاع الرعية الصحية في منطقة الشرق الأوسط بالاستثمارات الكافية خلال العقود الماضية. وقد باتت دول منطقة الشرق الأوسط في حاجة ماسة إلى تطوير بنيتها التحتية، وفيما تتباين القدرات والموارد المالية لكل دولة لتنفيذ هذا النوع من المشاريع، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تمضي قدما في استثمارات ضخمة في مجال تطوير البنى التحتية بالتزامن مع تزايد مساهمة القطاع الخاص للاستثمار في هذا النوع من المشاريع، وهنا قد يمكن لشركات الملكية الخاصة أن تخلق فرصا قد لا تستطيع الحكومات توفيرها، وبأسواق على غرار مصر، يمكن أن يلعب قطاع الملكية الخاصة دورا تقليديا أكبر كمصدر مهمام لرأس المال المطلوب لتمويل مشاريع البنية التحتية مع مستويات مخاطر مختلفة عن الاستثمارات المدعومة حكوميا في دول مجلس التعاون الخليجي. وبدوره، يستقطب القطاع الزراعي أهمية متزايدة كهدف استثماري خلال السنوات الأخيرة، حيث قامت صناديق سيادية خليجية عدة بالاستثمار في مشاريع زراعية لأهداف تتعلق بأمنها الغذائي، وقد أسهم تعاظم دور الأمن الغذائي على قائمة أولويات السياسة الحكومية في تشجيع شركات الملكية الخاصة على السعي وراء الفرص الاستثمارية في القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به، خاصة أن منطقة الخليج تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد لتلبية احتياجاتها الغذائية.
من جانبه، لطالما كان قطاع الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء، أحد أكثر القطاعات استقطابا للاستثمارات خلال العقد الأخير، كما تستثمر الصناديق السيادية الخليجية بنشاط في قطاع الطاقة على الصعيد العالمي. تتطلع شركات الملكية الخاصة قدما إلى المستقبل وتحاول دراسة العوامل التي يمكن أن تسهم في نجاحها، وكما أشار المشاركون في استبيان "إنسياد – بوز آند كومباني"، فإن النجاح سيعتمد أكثر في المرحلة الراهنة على المصادر الأساسية للقيمة المثلى، وفي حين تعاود الشركات بناء عملياتها، ستحتاج بالضرورة إلى اتباع وتنفيذ الاستراتيجيات الأساسية بالطريقة الصحيحة من خلال الاتجاه نحو التخصص ورصد الأفكار الاستثمارية المستدامة والتركيز على خلق القيمة في محفظة الشركات التي يتم تملك حصص فيها والحد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها وتوفير الثقة المطلوبة للفوز بأفضل الصفقات مع الشركاء الاستثماريين.

الأكثر قراءة