التمويل الإسلامي في الهند .. خطوات واثقة رغم التخوفات

التمويل الإسلامي في الهند .. خطوات واثقة رغم التخوفات
التمويل الإسلامي في الهند .. خطوات واثقة رغم التخوفات

تتعالى أصوات الخبراء في الهند داعيةً لتبني نظام المصرفية الإسلامية بديلا ماليا للنظام التقليدي. إلا أن تلك المطالبات على وجاهتها تقابل بحالة من الرفض أو التسويف في أحسن الأحوال من جانب السلطات التي تخشى تقويض النظام العلماني إذا ما انتشرت تلك الصناعة ذات الصبغة الإسلامية.

بعد مرور عام ونصف من توصية لجنة إصلاح القطاع المالي في الهند بضرورة العمل بالمصرفية الإسلامية نجحت تلك التوصية في احتلال مكان مهم من بؤرة اهتمام الخبراء وجدلهم. ويرجع هذا في المقام الأول إلى أن حجم الاستثمارات العربية يزيد على 3.5 تريليون دولار ترغب الغالبية من أصحابها في استثمارها أو إيداعها في البنوك وفقاً للشريعة الإسلامية.

وفي الوقت ذاته اقترح حزب المؤتمر الحاكم إجراء إصلاحات عدة تشمل عددا من المؤسسات المالية الكبرى مثل وزارة المالية والبنك الاحتياطي الهندي (البنك المركزي)، وهيئة البورصة والأوراق المالية لفتح الباب أمام تقديم خدمات التمويل الإسلامي.ويبقى الواقع أن النظام المصرفي الهندي لا يتضمن أي بدائل أمام الراغبين في مثل هذا النوع من الاستثمار أو التعامل المصرفي، حيث إنه نظام تقليدي يعتمد بشكل كامل على سعر الفائدة. ويرى المراقبون أن غياب تنظيمات تسمح بوجود نظام مصرفي لا يتعامل بنظام الفائدة يعتبر العقبة الكؤود التي تستنزف كثيرا من الأرباح التي يمكن أن تجنيها الهند؛ إلا أن الحكومة الهندية قررت عدم تنفيذ توصيات لجنة الإصلاحات في القطاع المالي، بدعوى أنه ليس من المجدي إدخال نظام التمويل الإسلامي للبلاد في الوقت الحالي.

كما أجمع الحضور في منتدى التعاون العربي ــ الهندي الذي عقد أخيراً، على أن الهند تعد مكاناًَ مثالياً لاستقبال الاستثمارات العربية نظراً لأنها تتمتع بديمقراطية فاعلة، وسياسات اجتماعية اقتصادية سليمة إلى حد كبير، فضلاً عن الإمكانات المتاحة فيها، التي تزداد يوماً بعد يوم.

وتشير نتائج أبحاث أجراها معهد الدراسات الموضوعية في دلهي إلى أن المستثمرين العرب فقدوا الثقة بالغرب إلى حد كبير خاصة بعد أحداث سبتمبر. وإذا ما أقدمت الهند على إدخال النظام المصرفي الإسلامي فإنها ستجني أرباحاً طائلة، ليس أكثرها توفير مبلغ 500 مليار دولار التي تحتاج إليها مشاريع البنية التحتية في السنوات الخمس المقبلة ــ بحسب ما أكده عبد الرقيب الأمين العام لمركز التمويل الإسلامي الهندي. كما أن دخول هذه الصناعة سيوفر أكثر من 2.7 مليون فرصة عمل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ويشير تقرير نشرته صحيفة "باكستان أوبزرفر" إلى أن الفائض النقدي لدول الخليج يقبع في خزائن بنوك لندن ونيويروك وزيوريخ وفرانكفورت. وبطبيعة الحال فإن هذه المراكز المالية لا يسرها سطوع نجم الهند كمركز للمصرفية الإسلامية، خاصة في ظل العلاقات التاريخية والحضارية بين شبه القارة الهندية والمنطقة العربية. وتخشي تلك المراكز أن تهرب الأموال العربية منها وتتجه شرقاً. وتأتي تلك المخاوف في ظل الخسارة التي منيت بها إيداعات العرب والتي قدرت بنحو 1.3 تريليون دولار جراء الممارسات الضارة التي كانت تقوم بها البنوك الغربية في الولايات المتحدة وأوروبا.

من جانبه، يرى محمد منظور علام رئيس معهد الدراسات الموضوعية، أن مثل تلك الدعوات توضح بجلاء أن البنوك التقليدية لم تنجح في تحقيق طموحات المستثمرين، إضافة إلى السعي لاجتذاب رأس المال العربي والإسلامي بشكل عام. كما يلفت إلى أن الجانب الأخلاقي للنظام المصرفي المطابق للشريعة يعزز موقف الداعين لتبنيه، ولا سيما أن الاستثمارات التي تتم من خلاله ذات أغراض نبيلة تفيد المجتمع وتصب في مصالحه بعكس الاستثمارات التقليدية التي لا تهتم بالمعايير الأخلاقية. وأعرب عن ثقته بأن وزير المالية الحالي سيولي اهتماماً للتوصيات المتتالية من جهات عديدة بإيجاد نظام مصرفي لا يتعامل بالفائدة.

بديل اقتصادي وليس دينيا

وأضاف أن من أهم التحديات التي تواجه انتشار المصرفية الإسلامية هناك، هو إقناع المجتمع الهندي العلماني متعدد الثقافات بأن تلك الصناعة ليست خاصة بالمسلمين فقط وأنها ليست أمرا دينيا بقدر ما هي بديل اقتصادي. وللتغلب على حساسية هذا الأمر يقترح شيدامبرام P. Chidambaramأن يطلق عليها اسم "المصرفية التشاركية" بدلاً من "الإسلامية" لتجاوز المخاوف التي تنتاب البعض. جاء ذلك عندما قدم وعداً بتكوين لجنة لدراسة النظام المصرفي الذي لا يتعامل بسعر الفائدة.

تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض المجتمعات الصغيرة في الهند التي لا تتعامل بأسعار الفائدة؛ فمنذ عامين أطلقت شركة خاصة مؤشر "هنيد إسلامي" يضم أسهم الشركات التي تتعامل وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية. ومن أهم المدافعين عن فكرة إيجاد نظام مصرفي إسلامي: رحمن خان نائب مدير شركة راجيا سبها، وسلمان خورشيد وزير شؤون الأقليات. ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية عن خان ــ الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس مجلس الشيوخ ــ قوله إن الاقتصاد الإسلامي يشهد حاليا نموًّا مطردًا، ويسير بِخُطى ثابتة، كما أنه أكثر جذبا من النظام المصرفي البديل في القطاع المالي، ويسمح للهند بأن تحجز لنفسها مقعدًا في قافلة النجاح. ويعود علام لمطالبة السلطات المختصة بفتح الباب أمام تلك الصناعة الواعدة نظراً لأن الهند في طريقها كي تصبح عملاقاً عالمياً في عالم التكنولوجيا؛ ومن ثم فهي ستصبح لاعباً رئيساً. ولهذا فإنها تسعي إلى أن تكون في طليعة الدول النامية، وهو ما لن يتحقق دون أن تتضمن خريطة الطريق للتنمية إدراج التمويل الإسلامي في المنظومة المالية. وقد ظهرت باكورة تلك الدعوات المتزايدة بأن تم إقرار الصناديق الاستثمارية التي أطلقتها كل من: توروس، ويليانس، تاتا، وباجاج أليانز. وقد صرح مصدر مسؤول بأن ثمة محادثات تتم على مستوى السلطات المصرفية إلا أنها تبقى في انتظار الحكومة لاتخاذ القرار المنتظر. ولكن الحكومة خرجت منذ أسابيع لتؤجل الحلم إلى أجل لم تحدده. وجاء هذا التأجيل على لسان نامو نارين مينا وزير الدولة الهندي للشؤون المالية الذي استبعد أن يدخل نظام المصرفية الإسلامية بلاده في القريب. كما أشار إلى أنه لا ينتظر أيضاً أن تدرج البنوك العاملة في الهند نظام التمويل الإسلامي ضمن تعاملاتها. وأرجع ذلك إلى النظام القانوني والإجراءات التنظيمية غير المناسبة للتمويل المطابق للشريعة ــ على حد قوله ــ التي تعوق دخول تلك الصناعة ضمن النظام المصرفي في بلاده. جاء ذلك في معرض تصريحاته لصحيفة SMI Times الهندية.
#2#
وفي دراسة مهمة بعنوان "فرص الاستثمار الإسلامي في الهند" يؤكد شارق نصار Shariq Nisar أن الهند تعتبر أرضاً خصبة لهذا النوع من الاستثمارات، حيث إن الفرص المتوافرة هناك يجب عدم تفويتها بحال من الأحوال. ويلفت إلى أن الهند والصين ستصبحان أكبر اقتصادين في العالم خلال الخمسين عاماً المقبلة. وإذا كانت الصين قد شهدت نمواً واضحاً في الاستثمارات أخيراً إلا أنها تبقى متوجسة من الاستثمارات الخارجية. ولكن الحال يختلف بالنسبة للهند التي تعد من كبريات الديمقراطيات في العالم، حيث تقدم مزيدا من المميزات الواضحة، ولا سيما أنها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.

فرص الاستثمار الإسلامي في الهند

يقدر عدد المسلمين في الهند بنحو 150 مليون نسمة، وعلى الرغم من ذلك لا يوجد منتج مالي إسلامي واحد فيها. وقد نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 5 في المئة ليكسر حاجز 8 في المئة حالياً منذ إصلاحات تحرير الاقتصاد في 1991. ويعكس تدفق رأس المال مدى ثقة المستثمر الأجنبي بقدرة الاقتصاد الهندي على النمو ليصبح أحد أكبر اقتصادين في العالم بحلول 2050.

وتناسب الهيكلة المؤسساتية الهندية الاقتصاد العالمي حيث يمتاز أداء الشركات بالكفاءة العالية. يضاف إلى هذا عوامل مثل الأسس القوية للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، ونمو القطاعين الصناعي والخدمي. وتسهم هذه العوامل مجتمعة في توفير إمكانات أكبر للاستثمار في الاقتصاد الهندي.

ــ أسواق الأسهم المالية: وضع العلماء معايير محددة لأدوات السوق وشروط الاستثمار في سوق الأسهم المالية.

ومن أهم تلك الشروط ألا تتضمن أنشطة الشركة أي أنشطة مشبوهة مثل القمار والخمور والفنادق والموسيقى وغيرها. يضاف إليها الاستثمار في مؤسسات تعمل بسعر الفائدة، وشركات التأمين التقليدية وغيرها.

ولمعرفة حجم الفرص المتاحة أمام الاستثمار الإسلامي يكفي معرفة أن 4200 شركة من مجموع 6000 شركة مدرجة في بورصة مومباي BSE تعمل وفقاً لأحكام الشريعة. ويمثل رأس مال هذه الشركات 61 في المئة من مجموع رأس مال السوق بشكل عام. وتعد هذه الأرقام كبيرة حتى إذا ما قورنت بعدد من الدول الإسلامية مثل البحرين وماليزيا وباكستان. الجدير بالذكر أن معدلات نمو رأس المال في تلك الشركات يفوق أسهم الشركات غير المطابقة للشريعة.

وتهتم الأسهم الإسلامية بقطاعات التكنولوجيا والأدوية والسيارات. وتمثل تلك القطاعات 36 في المئة من مجموع الأسهم المطابقة للشريعة في بورصة الهند الوطنية NSE. وبدراسة مؤشر BSE 500 يتضح أن رأس مال 321 شركة تعمل وفقاً للشريعة يمثل 48 ــ 50 في المئة من إجمالي رأس مال الشركات مجتمعة.

ــ صناديق الاستثمار: تعد صناديق الاستثمار من الفرص المهمة في الهند. ويتم استثمارها في عديد من المجالات مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخلوية والأسمنت، وأخيراً في بعض المؤسسات المالية التي تعتمد على سعر الفائدة. كما أن هناك صناديق للاستثمار في قطاعات بعينها مثل السيارات، والنفط والغاز وغيرها.

ويشير نصار إلى أن تقييم فرص الاستثمار الإسلامي في سوق الأسهم يستوجب النظر إلى مدى توافر الأسهم التي تتفق مع طبيعة نظام المعاملات الإسلامية. ويجب وضع ثلاث نقاط في الاعتبار: طبيعة أعمال الشركة، وطبيعة العقد الذي تتم من خلاله التعاملات، وموافقة الممارسات التجارية للأسهم المعنية للشريعة. ولاختبار تلك المعايير أجرى الباحث مسحاً شمل 1500 شركة مدرجة في بورصة مومباي وبورصة الهند الوطنية.

وفي الوقت الراهن يوجد عدد من المؤسسات النشطة في تتبع الأسهم المطابقة للشريعة حول العالم. ومن بينها مؤشر داو جونز الإسلامي بالولايات المتحدة، ومجلس الاستشارات الشرعية بلجنة البورصة والسندات المالية SEC بماليزيا، ومعيار "ميزان" الإسلامي بباكستان. وإذا ما كانت الأنشطة الأولية للشركة متفقة مع المعايير السابقة فإن كل المؤسسات تتفق على أن النشاط الرئيس للشركة ــ على الأقل ــ لا يتضمن أي خروقات لأحكام الشريعة. وبالنسبة للأسهم المطبقة للشريعة في الهند فقد وجد أنه بتطبيق هذه المعايير أن 335 شركة تعد مؤهلة بالمقاييس الشرعية. ويمثل رأس مال سوق الأسهم المؤهلة شرعياً 61 في المئة من مجموع رأس مال السوق للشركات المدرجة في بورصة الهند الوطنية. وكانت المفارقة أن النمو في رأس مال الأسهم المتفقة مع الشريعة أكبر من النمو في رأس مال الأسهم غير المطابقة للشريعة.

تجارب رائدة لنمو مستمر

تعد مؤسسة بارسولي التي تأسست في عام 1990 كشركة للاستثمارات والتداول، والتي تقدم خدمات مالية وتعمل كسمسار للأسهم، أولى المؤسسات التي قدمت خدمات الصيرفة الإسلامية في الهند. ويتوقع أن تصل صناديق الاستثمار المتوافقة مع الشريعة إلى مليار دولار من أموال ملايين المستثمرين المسلمين الهنود المحتملة. وقد تضاعفت عائدات الشركة إلى أكثر من 15 ضعفا منذ 2003 وحتى 2007. وخلال الفترة نفسها ارتفعت أرباح الشركة إلى نحو 146 ضعفاً.

وأنشأت "بارسولي" أخيراً أول بوابة مالية إسلامية للمستثمرين المسلمين، وعملت على تشجيع المستثمرين على الاستثمار في الأسهم العادية وفقا للمعايير الإسلامية. كما قدمت المؤشر الهندي الأول والوحيد الذي يتألف من الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

ومع التوسعات التي شهدتها الشركة أصبح لها عملاء في الهند وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا والشرق الأوسط. وقد أنشأ فرع الشركة الأمريكي بالتعاون مع "سيتي فاينانشيال" و"جيرارد" صندوق الأسهم الإسلامية العالمية، وهو أول صندوق إسلامي اتخذ مركزه في المملكة المتحدة ويرتبط بحساب ادخاري فردي. ومن الشركاء المهمين في الشركة بنك تداول الأوراق المالية الألماني "بادر". كما أن لمؤسسة الخليج للخدمات الاستثمارية ــ مقرها في عمان ــ أسهما فيها، وأيضا للشركة خطط لإنشاء صندوق استثماري إسلامي هندي؛ يعد من أوائل الصناديق التي تتألف من الأسهم الهندية.

وتقف شركة إدافا قريباً من موقع "بارسولي"، حيث تعد من شركات السمسرة المهمة التي تتعامل بالأسهم المطابقة للشريعة في بورصة الهند، وربما تكون هي أولى شركات السمسرة في الهند التي تقدم خدمات سمسرة الأسهم العادية منذ عام 1994 في البورصات الهندية، حيث تقوم بفحص كافة الشركات المدرجة وفقا للتعاليم الإسلامية. وتقول الشركة إنها تتبع إرشادات علماء الشريعة حيث تفحص كافة الشركات المدرجة وفقا للتعاليم الإسلامية، مشيرة إلى أنها تتبع التعاليم التي يوضحها الفقهاء، وتفحص الشركات وفقا للنسب المالية. وفي حال تم اكتشاف أن الشركات توغل في استخدام عناصر مالية غير مطابقة للشريعة فإن الشركة لا تسمح لعملائها بالتعامل معها.وتتسع القائمة لتضم شركة بيريس أمانة الخاصة المحدودة وهي شركة للخدمات المالية الإسلامية. وتقدم الشركة إلى عملائها استثمارات إسلامية، وحلول العقارات الإسلامية، وتمويل المنازل الإسلامية. وخاضت الشركة محادثات مع "يو بي إس"، وبنك دبي الإسلامي وبيت الاستثمار الخليجي للمشاركة في مشروعاتها العقارية.

أما شركة تقوى للخدمات الاستشارية والحلول الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة فقد اختارت عقد شراكات مع عديد من المؤسسات المالية الإسلامية في الخليج، منها شركة دار الشريعة التي يقع مقرها في دبي والتي يديرها عالم الشريعة الدكتور حسين حامد حسن رئيس الهيئة الشرعية لبنك دبي، وأسواق دبي المالية، وبنك الإمارات الإسلامي وبنك الشارقة الإسلامي.

الأكثر قراءة