المشاركون: الصكوك الإسلامية البديل الأمثل لــوسائل التمويل التقليدية

المشاركون: الصكوك الإسلامية البديل الأمثل لــوسائل التمويل التقليدية

على مدار يومين متتاليين عقدت نهاية الشهر الماضي في عمان ورشة عمل متخصصة حول الصكوك الإسلامية نظمتها مؤسسة BDO Jordan، وخصصت جلستان من اليوم الثاني لمناقشة التجربة السودانية من كثب، إيمانا من المنظمين بأن في التجربة السودانية ما يمكن أن يتم الالتفات إليه من قبل المسؤولين لتسريع عملية إصدار الصكوك في الأردن، التي تواجه عقبات تشريعية من أهمها قانون أملاك الدولة، الذي بموجبه لا يجوز رهن أملاك الدولة، والحاجة إلى تعديلات على قانون سندات المقارضة رقم 10 لسنة 1981، وعليه تم جمع خبراء متخصصين وفقهاء من داخل الأردن وخارجه لتسليط الضوء على الصكوك وفاعليتها.

فقد أكد الدكتور عبد السلام العبادي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن لدى افتتاحة الورشة، أن الصكوك الإسلامية هي بديل عن الخصخصة بشكلها الحالي، بل هي خصخصة لأملاك الدولة ولكن بشكل مؤقت، مما يمكن الدولة من المحافظة على مكتسباتها لمصلحة الأجيال القادمة، وتوفير السيولة في الوقت المطلوب وبتمويل داخلي.
وقد شهدت الورشة حضورا فاعلا؛ مؤكدا حاجة الجمهور من المتخصصين للتوعية فيما يتعلق بالتمويل الإسلامي، وخاصة الصكوك كأداة يتم التطرق إليها غالبا لدى الشركات العقارية، التي تعاني قصورا في التمويل، ونظرا لما لصناعة الصكوك من أهمية حول العالم الآن فإنه من باب أولى أن تستغلها الدول الإسلامية بما يدعم موازنتها ويحشد المدخرات لتوظيفها، خاصة في أوقات الركود.

وقد تم عرض ورقتي عمل متخصصتين عن الصكوك الإسلامية ومعناها ودورها في التنمية من خبراء متخصصين من داخل الأردن وخارجه في اليوم الأول، والمداخلات التي تمت بين الفقهاء والممارسين المهنيين كان لها دور مهم في تقريب وجهات النظر وتوضيح ما من شأنه أن يكون سببا حاسما للاختلافات بشأن الهيكلية في بعض الأحيان، خاصة فيما يتعلق بتصكيك الديون.

التجربة الخليجية والماليزية

على الرغم من أن أوراق العمل التي عرضت في الجلستين الأولى والثانية من اليوم الأول تناولت الجانب النظري بشكل تفصيلي والتعريفات، إلا أن التعقيبات التي تلت الجلسات أشعلت الأجواء من خلال مناقشة أسهمت في تسليط الضوء على ضرروة التركيز على المخرجات العملية الواقعية التي ترتبط بأمثلة من دول أخرى قد تحققت فعلا، وتمت الاستفادة من هذه الأداة في هذه الدول بنسبة قد لا تصل إلى الذروة التي يرغب فيها المواطن في دولنا الإسلامية الناشئة، أسباب نجاح هذه التجارب تم التركيز عليها في جلسة قصيرة خَتمت فيها أوراق العمل في اليوم الأول وذلك بعرض للتجربة الخليجية بالعموم والتجربة الماليزية أيضا، وتم التركيز على عوامل النجاح التي أسهمت في استمرارية التجربة الخليجية في تحقيق استحقاقات النجاح، على الرغم مما اعترضها من تحديات.

إصدار وإدارة الصكوك الحكومية في السودان

في اليوم الثاني كان التركيز من خلال جلستين على التجربة السودانية في صناعة المال الإسلامي بالتفصيل وبحضور شخصي لمدير سوق الخرطوم للأوراق المالية، إضافة إلى الدكتور بدر الدين القرشي ممثل عن بنك الخرطوم المركزي ووفد مشارك؛ حيث أكدوا أن صناعة المال في السودان ابتدأت ممثلة في البنوك والأوراق التجارية بالنهج التقليدي المعتمد على الفائدة في سياساته النقدية وتعاملاته المصرفية في عام 1977، ثم تلا ذلك إرهاصات سياسية تبعها أٌسلمة الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية، وإدارة السياسة النقدية عن طريق التحكم الإداري وذلك في عام 1984، وفي بداية التسعينيات تم إلغاء نظام سندات الخزانة لعدم توافقه مع الشريعة الإسلامية، وتبع ذلك معدلات تضخم عالية وتراجع في العلاقات مع المؤسسات الخارجية المانحة، وشح نظام المنح والقروض وعليه تم إصدار قانون الصكوك الحكومية عام 1995 وتميز بمراعاته الجانب التأصيلي للمعاملات المالية، تبع ذلك توالي إصدارات الصكوك الحكومية، ثم بعد اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب تحول النظام المالي من مؤسلم بالكامل إلى نظام مزدوج (إسلامي في الشمال وتقليدي في الجنوب)، مع إنشاء فرع خاص للمصرف المركزي في الجنوب بحيث يقوم مصرف السودان بإصدار عملة جديدة برسوم تكشف التعدد الثقافي للبلاد.

إن التجربة السودانية في هذا الاتجاه تتمايز عن التجارب الأخرى في البلاد الإسلامية، حيث إن النظام المالي في حالاته (الأسلمة بالكامل والنظام المزدوج) يتمتع بشمولية مشفوعة بأدوات للسياسة النقدية إما متوافقة مع أحكام الشريعة ومبادئها وإما تقليدية، وفي ذلك عبء إداري، ومالي، وسياسي، واقتصادي على محافظ البنك المركزي وصناع القرار في هذا الاتجاه.

لقد تطورت صناعة الصكوك الحكومية؛ وكان من مهمات صكوك شهاب الحكومية ذات الأجل الطويل (10 سنوات) عام 1998 إدارة السيولة في الجهاز المصرفي من خلال إدراجها في السوق وتداولها فيما بين البنوك على وجه التخصيص، أما صكوك شهامة والمهيكلة على أساس عقد المشاركة التي صدرت عام 1999 فكان هدفها توفير مبالغ نقدية (سيولة) لتغطية عجز الموازنة العامة وإدارة السيولة على المستوى القومي، من خلال إدراجها في السوق وقابليتها للتداول بين المستثمرين وبأجل قصير قابل للتجديد (سنة واحدة).

أما بالنسبة لصكوك الاستثمار الحكومية (صرح) المهيكلة على أساس عقد المضاربة المقيدة، فكان الغرض منها توفير مبالغ لتمويل التنمية، إضافة إلى إدارة السيولة على المستوى القومي لأجل يتراوح بين 2 و6 سنوات، أما لتعزيز إدراة السيولة في الجهاز المصرفي فقد تم إصدار صكوك شهاب المهيكلة على أسس عقد المضاربة المقيدة ولأجل طويل (10 سنوات). ما يميز التجربة السودانية أنها تعاطت مع الصكوك من خلال تسهيل التشريعات وإعفاء هذه الأداة من الضرائب، مما أسهم في تشجيع المستثمرين والبنوك معا على الإقبال على هذه الأدوات بحسب أنواعها؛ وما حققته هذه الأداة من عوائد عمق ثقة المستثمرين وزاد من الإقبال عليها. النظام المالي الإسلامي في السودان يعتمد على عدة جهات رقابية لضمان جودة الأداء وتوافقه مع أحكام الشريعة، ومن هذه الجهات اعتماد معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين، إضافة إلى هيئة رقابية شرعية تتبع المؤسسة، وهيئة عليا للرقابة الشرعية تابعة لبنك الخرطوم المركزي.
الصكوك الاجتماعية في السودان

وعرضت الورقة الأخيرة في اليوم الثاني لتجربة السودان في مجال الصكوك الخيرية التي تهدف لتمويل مشروعات التنمية الاجتماعية كما نص قانون صكوك التمويل لعام 1995، إلا أنها لم تفعل لغاية اللحظة وما زالت المحاولات لتفعيلها قائمة من خلال إصدار صكوك قرض حسن يكون فيها المقترض هو المؤسسة الاجتماعية ويتم الاقتراض من الجمهور. واستخدامات هذا القرض تكون في الاستثمار في أوراق مالية جيدة واستثمارات مدروسة لمصلحة المؤسسة الخيرية مع ضمانها لأصل القرض، ويتم استخدام العوائد في تمويل الأنشطة التابعة للمؤسسة الخيرية، ونعلم أن مثل هذا الطرح بحاجة لرأي فقهي مستقل يتابع تفاصيل مثل هذه الإصدرات إن صدرت فعليا، ولا شك أن هذا الطرح يفتح الباب أمام الباحثين سواء الفقهاء أو المهنيين للبناء عليه ومناقشته فقهيا بحسب أحكام القرض الحسن في الشريعة الإسلامية.

تجربة الصكوك الحكومية في السودان

وأكد المحاضرون أن التجربة السودانية قطعت شوطا طويلا في إصدارات الصكوك وفي تنوع هيكلياتها، إضافة إلى دعم هذه الإصدارت من ناحية السوقين الأولية والثانوية، وتمت الإشارة فيما سلف إلى إيجابيات هذه التجربة، إلا أنه ما زالت تنقصها معطيات تسهم في تداول هذه الصكوك واستقطاب مستثمرين خارجيين وبعملات مختلفة، ومن ذلك وجود تصنيف دولي معتمد لهذه الصكوك، إضافة إلى تجاوز السلبيات الإدارية، وتعزيز الشفافية، والحوكمة . لقد دعم الشعب السوداني هذه التجربة بما يمتلكه من حس إسلامي رفيع هو في استعداد دائم لاستنفار طاقاته المالية في سبيل الوقوف جنبا إلى جنب مع صناع القرار أمام التحديات التي تواجه الدولة، إضافة إلى اندفاع الدولة المدروس في بعض نواحيه من خلال الاعتناء بالتمويل الإسلامي لدعم الخطوة الفريدة التي تم اتخاذها حال أسلمة النظام المالي الإسلامي. إن الاعتناء بهذه التجربة من خلال مماثلتها والبناء عليها مع استثناء سلبياتها يدعم صناعة المال الإسلامي ككل ويعزز الخطوة الأولى في اتجاه التكامل وإيجاد بديل قوي للأنظمة المالية التقليدية . وقد خرجت الورشة بتوصيات تم رفعها إلى الإعلام، إضافة إلى المسؤولين والمهتمين بصناعة القرار المالي.

الأكثر قراءة