حاجة ملحة للسجل الوطني للسكان .. ونظام عناوين المساكن!
يعاني المسؤولون ورجال الأعمال والباحثون من عدم توافر بيانات حول معظم القضايا المهمة في المجتمع السعودي، مما يزيد من التكهنات والتخمينات هنا وهناك. ولكن الحقيقة أن الأجهزة الحكومية والخاصة تتوافر لدى معظمها بيانات كثيرة ومعلومات متنوعة، ولكنها مبعثرة ومتناقضة، ولا تستند إلى خرائط أساس أو وحدات مكانية موحدة، أي لا ترتبط بعناوين محددة، مما يُفقدها كثيرا من فائدتها وقيمتها، ويحد من تكاملها لإيجاد فهم أعمق بقضايا المجتمع. فوزارة الاقتصاد والتخطيط ممثلة في مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات تُجري عديدا من المسوaحات الديموغرافية وأخرى خاصة بالقوى العاملة وغيرها، إلى جانب التعداد السكاني، وتقوم – كذلك - وزارة الشؤون البلدية والقروية بإجراء دراسات من خلال المرصد الحضري وغيره، وتقوم وزارة العدل بجمع بيانات الزواج والطلاق وغيرها. إضافة إلى ذلك، تجمع وزارة الصحة معلومات قيمة ومتنوعة تشتمل على الحالة الصحية للسكان وخصائصهم الاجتماعية والسكنية إلى جانب حالات الولادة والوفاة وغيرها، كما يحتوي مركز المعلومات الوطني على بيانات أساسية عن جميع السكان. ولكن لا يوجد رابط مكاني بين كل هذه البيانات، لأنها لا ترتبط بوحدات مكانية أو خرائط أو عناوين موحدة، "فكل يُغني على ليلاه!".
نعم، إن هذه الجهود المشكورة لا تؤتي ثمارها بالشكل المأمول، لأنها غير متوافقة مع بعضها، وغير مرتبطة بعناوين محددة على الخريطة. فكثير من المعلومات المتوافرة لا ترتبط بإحداثيات أو عناوين مكانية واضحة، ولا يمكن دمجها مع بعضها لرسم صورة متكاملة عن أي قضية من القضايا المجتمعية، لأنها تستخدم خرائط أساس غير متطابقة وتقسيمات جغرافية مختلفة، مما يتطلب توحيد العناوين والوحدات الجغرافية المستخدمة في جمع البيانات، بل إن بعضها لا يلتزم بنظام المناطق (13)، فيمزج ما بين المدن والمحافظات والمناطق الإدارية.
وبالنسبة لعناوين المساكن، هناك جهود كثيرة ومتنوعة، ولكنها مختلفة عن بعضها، لا يوجد بينها عامل مشترك، ولا تستند إلى خريطة أساس موحدة، بل تستخدم طرقا مختلفة بعضها عن بعض. وتُعد شركة الكهرباء من أوائل ما عملوا على إيجاد نظام عناوين للمساكن، وذلك من أجل تسليم فاتورة الكهرباء في نهاية كل شهر، وتبع ذلك شركة الهاتف، وواكب ذلك جهود مصلحة الإحصاءات العامة في ترقيم المساكن للأغراض الإحصائية، كما قامت وزارة الصحة بترقيم المساكن لأغراض الرعاية الصحية الأولية، وفي الوقت نفسه، تحاول وزارة البلديات إيجاد نظام لعنونة قطع الأراضي في المخططات السكنية بالاعتماد على نظم المعلومات الجغرافية GIS. كما تقوم وزارة العدل بإعداد ما يُسمى بالسجل العقاري وتطبقه في محافظة حريملاء كنموذج تجريبي. وفي الآونة الأخيرة، قام البريد السعودي بمحاولة طموحة وجيدة، ولكنها لا تصلح إلا لأغراض البريد، ولا يمكن استخدامها من قبل الناس للوصول إلى منازل أقاربهم وأصدقائهم.
ربما يتساءل القارئ الكريم، إذن ما الحل؟! فأقول: لقد مللنا من عناوين الشوارع غير المفهومة وغير العملية، إن الحل هو إيجاد نظام وطني للعناوين! ومما يثلج الصدر أن هناك جهودا رائعة تبذل في هذا السبيل، فالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تقوم بإعداد مقترح لإنشاء سجل سكاني وطني National Population Register، وذلك بناء على دراسة تفصيلية معمقة وتواصل مكثف مع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بالموضوع. وتعتزم الهيئة – حسبما أعرف – إلى تطبيق هذا النظام في مدينة الرياض مبدئيا، وذلك كخطوة تجريبية، على أمل أن يتم تبني الفكرة وتعميمها على المستوى الوطني، لأن السجل السكاني لمنطقة أو مدينة معينة لا يمكن أن يكون مفيدا إلا إذا اكتمل وطُبق على مستوى الدولة.
في الختام آمل أن يُعطى موضوع عناوين المساكن أولوية كبيرة على المستوى الوطني، لأن كثيرا من الجهود تذهب سدى، إذا لم تربط البيانات السكانية بخريطة أساس موحدة، ونظام عناوين موحد على مستوى المملكة، فالموضوع لا يحتمل التأخير، لتضيع مزيد من الأموال، وفقدان كثير من البيانات لفائدتها، واستمرار تناقضها وعدم الإفادة منها على الرغم من حاجة المجتمع الملحة. إن وجود نظام عناوين موحد و"سجل سكاني وطني" شامل سيدعم التخطيط، ويسهم في الاتجاه نحو اقتصاد المعرفة، ويُساعد في تطبيق الحكومة الإلكترونية، ويخدم الأمن، ويُيسر إدارة كثير من الخدمات والمصالح، ويُسهل وصولها للمستفيدين، وسيُوفر بيانات حديثة وشاملة عن السكان لأي منطقة أو مدينة، وفي أي وقت.