التحذير من ظاهرة «النهم» الشرائي ودوره في ارتفاع الأسعار
اعتبر اقتصاديون أن ظاهرة الإقبال المتزايد على الأرز والنهم الشرائي لهذه السلعة غير منطقية وتؤدي إلى رفع أسعارها، خصوصا على المستهلكين من ذوي الدخل المحدود، وطالبوا بضرورة عدم الانصياع إلى الشائعات.
ورصدت ''الاقتصادية'' عددا من المستهلكين الذين عمدوا خلال الفترة الأخيرة ـ -وبالأخص مع دخول رمضان-ـ إلى شراء كميات كبيرة من الأرز بهدف تخزينها، على خلفية سريان شائعات بأن تؤدي الفيضانات التي غمرت أجزاء من باكستان إلى ارتفاعات مقبلة قد تشهدها أسعار السلعة نظرا إلى احتمالية تضرر الإنتاج، واستمرار الفيضانات في أجزاء أخرى من القارة، الأمر الذي سيهدد محصول العام الجاري بحسب مروجي هذه الشائعات.
ويأتي هذا التدافع على تخزين الأرز من قبل المستهلكين في ظل اقتراب موعد زكاة الفطر، التي يكثر فيها الطلب على السلعة، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشرا نحو زيادة الاستهلاك واحتمالية تغير الأسعار.
ولاحظ تجار أرز زيادة الطلب على الأرز خلال الفترة الأخيرة من قبل المستهلكين، مرجعين السبب في ذلك إلى التخوف من أن تؤدي فيضانات باكستان إلى رفع الأسعار في الأشهر المقبلة. واعتبروا أن جميع العوامل تشير إلى إمكانية ارتفاع الأسعار من الدول المصدرة خلال الأشهر المقبلة، لكن لن تكون بالارتفاعات نفسها التي شهدتها السلعة في الأعوام الماضية ـ على حد قولهم.
وهنا، أوضح الدكتور عبد الرحمن الطريري أستاذ التربية وعلم النفس في جامعة الملك سعود، أن زيادة الطلب على السلع يعد من الدوافع الفطرية لدى الإنسان وهي تأتي لسد حاجته، وتحسبا لطلباته المستقبلية، لكنه أكد أن ما تشهده الأسواق المحلية في الوقت الحالي من زيادة في الطلب على الأرز ''غير منطقي'' ومبالغ فيه.
وأضاف أن مثل تلك المبالغات تتسبب في حدوث حالة من الهلع وإرباك السوق، وتعظيم السلوك الشرائي، وبالتالي ارتفاع قيمة السلعة، وتضرر المستهلكين من ذوي الدخل المحدود.
من جهته، قال فادي العجاجي المستشار الاقتصادي: ''إن تخوف المستهلكين مبالغ فيه، خصوصا أن باكستان تأتي في الدرجة الثانية من حيث نسبة تصدير الأرز إلى المملكة بواقع 9.8 في المائة، أي بخلاف الهند التي تستحوذ على ما نسبته 69 في المائة من التصدير إلى المملكة. واعتبر أن هذه الأرقام تشير إلى أن التخوف غير منطقي بحكم النسبة الضئيلة لنسبة الصادرات الباكستانية من الأرز إلى المملكة.
وأضاف: ''التمادي في الاستهلاك خطر، ولا أعرف سلعة يساء استهلاكها أكثر من الأرز، وتدافع الناس سيرفع الأسعار، والفيضانات لن تؤثر إلا إذا استغلت من قِبل التجار''.
من جانبه قال لـ ''الاقتصادية'' صالح العسكر مستورد أرز: ''إن باكستان تعتبر من كبار مصدري الأرز للمملكة، خصوصا من أرز السيلا، وإنه مع حدوث الفيضانات الأخيرة فسيتقلص إنتاجها العالمي، وبالتالي ستكون هناك بوادر لارتفاع الأسعار بشكل طفيف''.
وأضاف، أن كثيرا من المستهلكين بدأوا خلال الفترة الأخيرة في شراء كميات كبيرة من الأرز؛ تحسبا لارتفاعات مقبلة في السلعة، بسبب تدمير معظم مزارع الأرز في باكستان وتزايد مخاوف الدول المستوردة.
لكن العسكر اعتبر أن هذه الظاهرة التي تشهدها السوق المحلية خلال الفترة الأخيرة تنم عن عدم وعي المستهلكين واندفاعهم بشراهة نحو الشراء بكميات كبيرة بسبب شائعات غلاء الأسعار، مطالبا بضرورة شراء ما تحتاج إليه الأسرة فقط والبعد عن المبالغات؛ كونها تؤثر في الأسعار''.
ولفت العسكر إلى أن بعضا من تجار المواد الغذائية عمد هو الآخر إلى شراء كميات كبيرة من الأرز بهدف الاستفادة منها في وقت ارتفاع الأسعار، مؤكدا أن هذه العوامل تضغط على الأسعار باتجاه الارتفاع.
من جانبه، أوضح توفيق الحميدان تاجر مواد غذائية، أن الفترة الأخيرة شهدت طلبا متزايدا على سلعة الأرز بهدف الاستفادة من الانخفاضات التي لحقت بالسلعة أخيرا، وتحسبا لأي ارتفاع مقبل، مشيرا إلى أن الطلب سيتزايد أيضا، خصوصا مع زكاة الفطر، إلى جانب المناسبات وحفلات الأعراس التي ستقام في أيام العيد وبعد هذه الأيام.
وكانت مصادر قد أوضحت، أن الأسواق العالمية تترقب خلال الفترة الحالية قرارا هنديا بشأن رفع الحظر عن تصدير الأرز غير البسمتي من عدمه للأسواق الخارجية بعد فرض حظر على تصديره منذ نيسان (أبريل) 2008، في محاولة لتهدئة التضخم الغذائي في الهند في تلك الفترة.
وفي ظل احتدام المنافسة بين الجارتين الهند وباكستان على تصدير الأرز للأسواق الخارجية، واستفادة الأخيرة من الحظر الهندي على تصدير الأرز غير البسمتي، تدرس الحكومة الهندية حاليا إعادة النظر في قرارها، وقد تسمح بتصدير الأرز غير البسمتي قريبا.
وبحسب تجار أرز سعوديين، فقد انخفضت أسعار الأرز البسمتي في الأسواق المحلية بنسبة تصل إلى 20 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مؤكدين أنها ستبقى ثابتة ولن ترتفع خلال الفترة الحالية، وذلك وفقا لتقارير عن توافر محصول جيد من الأرز في الهند هذا العام.
وفي حال اتخذت الحكومة الهندية قرارا برفع الحظر عن تصدير الأرز غير البسمتي، توقع موردا أرز أن يؤدي ذلك إلى انخفاض في أسعار الأرز في السوق المحلية يتراوح ما بين 10 و15 في المائة تقريبا.
وفي بيان لرابطة مصدري الأرز في باكستان، كشفت أن استمرار الحظر الهندي على صادرات الأرز ساعد على نمو الصادرات الباكتسانية، إلى جانب انخفاض الأسعار في الأسواق الاستراتيجية الرئيسة، وتابع البيان ''استطاعت باكستان تصدير 3.65 مليون طن من الأرز خلال الأشهر العشرة الماضية حتى نيسان (أبريل)، بزيادة قدرها 66 في المائة على الفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفعت صادرات الأرز غير البسمتي بنسبة 100 في المائة إلى 2.86 مليون طن خلال هذه الفترة، وكانت تايلاند وفيتنام المنافسان الرئيسان لباكستان في صادرات الأرز غير البسمتي''.
وأوضح أحد مستوردي الأرز، أن أسعار الأرز البسمتي انخفضت في الأسواق المحلية بنسبة 20 خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مبينا أن كل التوقعات تشير إلى ثبات الأسعار واستقرارها خلال الفترة المقبلة بعد معلومات عن توافر محصول جيد في الهند موسم هذا العام.
وقال: ''معظم أنواع الأرز درجة أولى انخفضت فما كان يباع بـ 250 أو 260 ريالا، أصبح يباع بـ 210 ريالات تقريبا، ونتوقع أن تستقر الأسعار قبيل رمضان؛ لأن الموسم الجديد في الدول المصدرة مبشّر وأفضل من الموسم السابق''.
وأكد لـ ''الاقتصادية'' في وقت سابق محمد أعظم خان القنصل التجاري الهندي في جدة وفرة محصول هذا العام من الأرز، وأضاف: ''هطلت أمطار غزيرة على الأراضي الزراعية هذا العام، وهي عامل رئيس وحاسم في مسألة وفرة محصول الأرز، نتوقع أن يكون الموسم هذه السنة أفضل من العام السابق، وهو الأمر الذي سينعكس على استقرار الأسعار''.
وكانت أسعار القمح قد سجلت أخيرا ارتفاعا عالميا، كما ارتفعت أسعار السكر في بورصتي نيويورك ولندن بسبب توقع إقدام باكستان ـ وهي خامس أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم ـ على الاستيراد من أجل تعويض خسائرها من هذه السلع.
وذكرت تقارير إخبارية، أن الفيضانات المدمرة التي ضربت باكستان كبدت قطاع الزراعة خسائر تصل إلى 250 مليار روبية (2.9 مليار دولار).
ونقلت وكالة بلومبرج الأمريكية للأنباء الاقتصادية عن محمد إبراهيم موجول رئيس المنتدى الزراعي الباكستاني قوله في تصريحات هاتفية: ''إن الفيضانات دمرت 700 ألف فدان من القطن و200 ألف فدان من الأرز وقصب السكر، إلى جانب تدمير نحو 500 ألف طن من القمح و300 ألف فدان من أعلاف الماشية وقتلت 100 ألف رأس ماشية''.
وكان المسؤولون الباكستانيون قد دعوا دول العالم إلى المسارعة بتقديم المساعدات الطبية والغذائية لملايين المشردين من ضحايا الفيضانات الأعنف في تاريخ باكستان، التي أسفرت عن مقتل نحو 1600 شخص على الأقل.
وقالت ماريا كوسيستو المحللة في مؤسسة ''إوراسيا جروب'' الاستشارية ومقرها لندن: ''إن عشرات المقاطعات الباكستانية غرقت تماما في الفيضانات، وهو ما يعني تدمير المحاصيل الزراعية بها، إلى جانب إلحاق أضرار بالغة بالتربة الزراعية نفسها''.