غازي القصيبي الرجل النخلة

رحل غازي القصيبي إلى رحمة الله، فعزاء للوطن قيادة وشعبا في فقد (مواطن نزيه مخلص). رحل عبقري منّ الله عليه بالكثير من المواهب والخصال, فكان الإداري الناجح الذي أصبح وزيرا ولم يتجاوز الـ 30 من العمر، وكان الشاعر, وكان الروائي, وكان الأخ الكبير. عمود صحافي لا يكفي لرثاء وسرد سيرة مملوءة بالمحطات ذات العبر والدروس لهذا الجيل والأجيال القادمة. غازي القصيبي متعدد الوزارات أغلق ستار عهد انقطاع الكهرباء واختفت الشموع التي كانت تملأ الدكاكين في التسعينيات الهجرية، في الصناعة أصبحت المملكة رائدة عالميا في الصناعات الأساسية للنفط, وكانت ''سابك'' وشركاتها المتعددة. في الصحة أعاد للمواطن حقه في العلاج والمعاملة الكريمة، وكان يعس الليل ويدخل ردهات المستشفيات خلسة، رغم تباعد المدن والهجر في هذا الوطن الكبير. فأصبحت وزارة الصحة ذات فاعلية ومعايير عالمية. وفي وزارة العمل أدرك أنه لا حل لاستيراد العمالة والاتجار بها على حساب توطين الأعمال والوظائف إلا بسياسة الفأس، أبى من أبى، وكان كلمته الشهيرة حين تسنم وزارة العمل ''سأوقع على كل تأشيرة بنفسي'' ملاذا للساخرين الذين لا يعرفون قدرات ومواهب رجل يومه بعشرات الأيام ممن سواه. حينما كنا طلابا في بريطانيا في بداية التسعينيات، اتصل علي زميل في البعثة يطلب مني أن أحضر معي بطاقة التهنئة بالعيد التي أرسلها السفير الجديد غازي القصيبي للمئات من المبتعثين. دقق الزميل في بطاقتي ثم في بطاقته والتفت مبتسما، كسبت الرهان! رهان ماذا أيها الزميل؟ قال انظر إلى توقيع غازي في بطاقتي التهنئة إنه مختلف وليس صورة لتوقيع أزرق اللون. لقد وقع بنفسه كل بطاقة أرسلت كتعبير للمحبة والوفاء لأبنائه الطلاب. وبعد عشر سنوات أو يزيد تذكرت طرفة المشككين في قدرته على مراجعة التأشيرات وتوقيع ما يستحق منها. رأيت غازي القصيبي يجول مبتسما ومنتصرا في شوارع العرب في لندن بعد أن أثمرت سياسته في لجم المرتزقة من عرب الشمال ومجلاتهم المبتزة. في لندن ظهرت مواهب الدبلوماسي والاستراتيجي، والروائي المبدع، ألقى محاضرة في كلية القيادة والأركان البريطانية في سانت هرست، أصبحت مرجعا لهم في الاستراتيجيا وسياسات الشرق الأوسط. وكان مجلس السفارة الأسبوعي المفتوح صالونا متعدد العلوم والثقافات. طلب مني صديق كويتي توصيله إلى مجلس السفير كي يشكره على مقالات ''في عين العاصفة'' التي أبقت لنا ـــ كما يقول صديقي ـــ الأمل بعد الله في عودة الكويت وهزيمة البعث. في عودتنا سألت صديقي، مزهوا بغازي .. ما رأيك؟ قال عندما سلمت عليه وقبلت وجنته أحسست بأن زلزالا يجتاح لندن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي