الاختلاف في «شرعنة» المنتجات المصرفية بين المدارس الفقهية يؤجج خلافات الفقهاء
تحوّلت إحدى جلسات المنتدى المصرفي الإسلامي في كوالالمبور KLIFF إلى نقاش قوي غير معهود، حيث تباينت وجهات النظر بين أقطاب صناعة التمويل الإسلامي، بعد أن ركزت على موضوع أثر المدارس الفقهية الأربع في ''شرعنة'' بعض المنتجات المصرفية المثيرة للجدل.
واحتد النقاش أكثر بين المتحدثين عقب وصف بعض العاملين في الصناعة منطقة الخليج بـ ''المتحفظة'' من حيث تشريع المنتجات، مقارنة بماليزيا ''المتحررة''.
وفي اللحظة التي كان يتوقع فيها الجميع أن تحتوي الدبلوماسية الماليزية المشهورة بحلمها، المجادلات المثيرة، تطرق عبد الواحد عمر المدير التنفيذي لبنك ماي بانك إلى الاجتهادات الفقهية الموجودة في المذاهب الأربعة وأثر ذلك في المنتجات نفسها، وقال: ''هناك أكثر من ملياري مسلم من السنة والشيعة يصلون تجاه مكة. وهناك مدارس سنية أخرى كالمذهب الشافعي والغزالي والحنبلي, لكننا لا نقول إن هؤلاء أكثر (تمسكا) بالدين الإسلامي مقارنة بالمسلمين الآخرين''.
وتابع ''لقد تطورت ونمت المالية الإسلامية, لكن أرجوكم لا تهاجموا بعضكم ولا تنقسموا عندما تكون لدينا خلافات (يقصد خلافات شرعية في المنتجات)، ولا تصفوا سوقا معينة بأنها ''أقل'' (تمسكا) بالإسلام من السوق الأخرى''.
وعلق على ذلك الفقيه المصرفي عصام محمد إسحاق من البحرين: ''هناك منتجات في الخليج تخالف المبادئ الشرعية المتفق عليها بالإجماع مقارنة بالنقطة التي دائما ما تثار ضد الماليزيين والمتعلقة ببيع العينة التي يوجد لها على الأقل مرجع في المذهب الشافعي, وهي مدرسة لها احترامها الواسع''. وأوضح عصام أن مسألة تعهد المضارب بشراء الصكوك عند استحقاقها، التي ابتكرها أولا أهل الخليج، لا يوجد لها أساس في مدارس الفقه الأربع!
ولا تزال مسألة ''شرعنة'' المنتجات الإسلامية بحسب المدارس الفقهية, التي تتبع لها ماليزيا والخليج, مشكلة تؤرق الصناعة، فقد فقدت سوق الصكوك العالمية في 2008 ما يصل إلى نحو 31 مليار دولار كمبيعات كان منتظرا تحققها لولا أزمة الائتمان العالمية، والجدل الشرعي الذي أحدثته تصريحات محمد تقي عثماني، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة، الذي صرح أن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة كانت غير ملتزمة بالأحكام الشرعية بسبب وجود اتفاقيات إعادة الشراء.
وفي حين يأخذ الخليجيون على الماليزيين إجازتهم بيع العينة، تزداد الخلافات اتساعاً بشأن جواز استخدامات بعض أشكال التورق، التي أثارت حالة من التشويش في السوق، لدرجة أن مؤيدي هذا المنتج حذروا من عواقب كارثية إذا تم إلغاء هذا الهيكل. والتورق أحد أسس صناعة التمويل الإسلامي البالغ حجمها تريليون دولار ويستخدم على نطاق واسع كأداة للتمويل وإدارة السيولة, كما أن التورق في شكله البسيط هو شراء سلعة بثمن آجل ثم بيعها وتحصيل ثمنها نقدا. والتورق المنظم مشابه لذلك، غير أن المعاملات تتم من خلال البنوك. ولا يختلف التورق العكسي عن التورق المنظم إلا في أن المشتري يكون مؤسسة مالية تسعى إلى تدبير سيولة.
وكان مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي قد اعتبر التورق المنظم والتورق العكسي ''تحايلا'' بهدف وضع قناع على استخدام الربا.
كلمة واحدة
تفجر جدلا!
وأسهمت كلمة واحدة جاءت على لسان مصرفي يتبع لبنك أمريكي في تفجير نقاش غير متوقع مع المتحدثين.
وكان أبطال ذلك النقاش محمد نضال الشعار الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية, الذي علق غاضبا على كلمة ''الخليج المتحفظ'' التي أطلقها من غير قصد يافار مويني، مدير إدارة التمويل الإسلامي في ''مورجان ستانلي''، حيث حاول الشعار الدفاع عن أهل الخليج الذين يوصمون دوما من أهل الصناعة بأنهم ''متحفظون'' من الناحية الشرعية في منتجاتهم المصرفية.
وقال الشعار في تعليقه على مداخلة يافار: ''أريد أن أعلق على مصطلح ''متحفظ'', فنحن نستعمل هذا المصطلح منذ 25 سنة, وهذا شيء خطأ. فلا يوجد مثل هذا الشيء'', وأشار الشعار إلى أن مصطلح ''متحفظ'' يمكن أن يستخدم في المصرفية التقليدية بقولنا ''استثمار متحفظ''. بمعنى صندوق مالي يستثمر في الأسهم بدل المشتقات.
بعدها ضرب الشعار مثالا على اتفاقية إعادة شراء الصكوك في الخليج التي حرمها عثماني، موضحا أن تلك الاستراتيجية غير متحفظة وهي حرام. وقال: ''ليس من المناسب استخدام مصطلح ''متحفظة'' لوصف السوق الخليجية أو مصطلح ''متحررة'' لوصف السوق الماليزية. إنها مسألة آراء''. واعترف الشعار بأنه كان في السابق يستخدم كلمة ''متحفظ'' قبل أن يتراجع عنها.
إلا أن يافار أحرج الشعار عندما ذكر أن ما قصده بكلمة ''متحفظ'' هو ''التحفظ الائتماني للبنوك الخليجية'' (أي أن نسبة نمو القروض كانت متحفظة) ولم يقصد بكلمة ''تحفظ'' الجانب الشرعي منها.
وفي جلسة الأمور المحاسبية، ناقش نيك شاهرايزل سليمان، من شركة برايس ووترهاوس كوبرز، الاختلافات في معايير المحاسبة ''التقليدية'' مع نظيراتها الإسلامية من هيئة المحاسبة، حيث قال: ''من المهم أن نكون مدركين للاختلافات المحاسبية، على اعتبار أنها يمكن أن تؤثر في كيفية الإبلاغ عن الموجودات والأرباح في البيانات المالية. فربما تكون هناك كذلك اختلافات وجهات النظر المحاسبية والقانونية بخصوص التعاملات المالية الإسلامية''. وتابع: ''ينشأ التضارب في حالات معينة حين يتوقع الفقهاء الشرعيون أن تكون المعالجة المحاسبية متفقة مع وجهات نظرهم''.
وتوجد في العادة ثلاثة معايير محاسبية مطبقة على مستوى العالم وهي بين ''المعايير الدولية للإبلاغ المالي'' IFRS والمعايير المحاسبية الخاصة في الولايات المتحدة GAAP وتلك الخاصة بهيئة المحاسبة.
انتقاد «أسلمة»المنتجات
وعلى خلاف الدبلوماسية المعتادة من المسؤولين التنفيذيين، انتقد الشعار علانية وبشكل غير مباشر ما تقوم به بعض المصارف التقليدية تجاه ''أسلمة'' المنتجات المصرفية، وذلك بإزالة الغلاف التقليدي لهذه المنتجات وإعادة تغليفه بغلاف ذي صبغة شرعية، حيث قال: ''علينا التفريق بين إعادة ''التغليف'' المتطابقة مع الشريعة وبين تَصنّع (شرعية المنتج)''.
وواصل: ''فعندما تأخذ منتجا تقليديا وتبدأ بتعذيبه وتكسير أذرعته وأرجله حتى يتشهد فإن هذه بمشكلة''، مشيرا إلى أن هذه المنتجات المتصنعة شرعيتها موجودة في الأسواق حاليا.
وفي جلسة الموارد البشرية، قال محمد إيزانيغني كبير الإداريين الماليين في خزانة ناشنال، إن هناك حاجة ماسة إلى موارد رأس المال البشري ذات النوعية الجيدة للوفاء بالطلب في الصناعة. فالاتجاه العام الحالي هو مجرد تدوير للوظائف بين المؤسسات والبنوك. ويقصد إيزانيغني أن المصرفيين الإسلاميين لا يستمرون في وظيفتهم نفسها، بل يتنقلون لأكثر من جهة بسبب زيادة الطلب عليهم. وعن المنتجات يقول إيزانيغني: ''هياكل المنتجات في حاجة إلى درجة معينة من التوحيد المعياري (المقصود بذلك هو فهم السمات المميزة) للحصول على قبول عام وشامل, وبالتالي الحصول على عمق في السوق''.
وفي الجلسة الخاصة بالتكافل، قال نور أزمان زينل، رئيس قسم تطوير المنتجات في شركة برودنشال: إن منتج ''صناديق الاستثمار المهيكلة'' الذي تقدمه شركات التكافل ــ تكون في العادة محمية من حيث رأس المال ــ حيث يدار في العادة من قبل البنوك الاستثمارية بهدف إدارة صندوق التبرع فقط.
وفي جلسة السندات الإسلامية وأثر حالات التعثر فيها، اقترح يافار خيار ما يعرف بالسندات المغطاة Covered Bonds, وهي أن يكون الإصدار ''مغطى'' بموجودات محددة يكون للمستثمرين حق الأفضلية فيها في حالة التعثر, حيث تعتبر مساوية للدائنين الآخرين بالنسبة للموجودات غير المغطاة.
وناقش المتحدثون أهمية الحاجة إلى تطوير صكوك قصيرة الأجل على نحو يجعل من الممكن ظهور سوق التعامل بين البنوك inter-bank market وكذلك تمكين إدارة أفضل للسيولة. وناقشت تلك البنوك المركزية الحاجة إلى إصدار صكوك قصيرة الأجل ذات سيولة أعلى، ولها عوائد أفضل، وأكثر التزاما بالأحكام الشرعية من البدائل القائمة على المرابحة في السلع أو التورق.
يذكر أن البنك المركزي البحريني أصدر صكوكا قصيرة الأجل، لكن شركات القطاع الخاص لم تنجح في تعميق مثل هذه الإصدارات قصيرة الأجل.
ويمكن للبنوك الإسلامية التي تحتاج إلى تعزيز كفاءتها الرأسمالية الإجمالية إصدار صكوك من الطبقة الثانية من رأس المال، التي تلحَق في العادة بالصكوك الممتازة وتكون ذات تاريخ استحقاق أطول ويتم إصدارها في العادة بآجال مقدارها عشر سنوات.
وعن صكوك التجزئة، اتفق المتحدثون على أن هناك ندرة في المنتجات القابلة للاستثمار الخاصة بزيادة مستويات السيولة، إضافة إلى أن الأجهزة التنظيمية تواقة إلى الترويج للصكوك التي تستهدف مستثمري التجزئة بصورة مباشرة. ويقصد بصكوك التجزئة الخاصة بالأفراد، بمعنى أن يتم تسويقها بأسعار تكون مناسبة لهم.
وجاءت تلك المناقشات على خلفية ارتفاع العوائد على الصكوك ستة أضعاف مقارنة بما كانت عليه الحال في الأشهر الثلاثة السابقة، في الوقت الذي تجري فيه شركات دبي إعادة هيكلة الديون ويتسارع فيه النمو الاقتصادي في المنطقة.ويرى مراقبون أن العوائد الخاصة بالصكوك الخليجية (قياسا بالصكوك الآسيوية) تجعلها أكثر جاذبية. وقال نعيم إسحق، وهو مدير أول للقسم الدولي لدى بنك دبي الإسلامي: ''من المرجح أن يكون العائد أعلى في منطقة الخليج العربي، ليس بسبب الأداء، وإنما لأن تلك هي السبيل الوحيدة لاجتذاب المستثمرين إلى هذه السوق''، مضيفا أنه لا بد لجهات الإصدار الجديدة من أن تعرض عوائد أعلى.