تحفظ إزاء بعض الهيئات الشرعية..واختلاف المدارس أربك السوق
تباينت آراء علماء الدين وفقهاء الاقتصاد الإسلامي لعدم وجود نصوص صريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية فيما يتعلق بزكاة ديون التجارة وكيفية أدائها؛ التي سيطرت على معظم نقاشات المجتمعين في ندوة البركة المصرفية في دورتها الحادية والثلاثين التي عقدت في جدة يومي الأربعاء والخميس 7 ـــ 8 رمضان 1431هـ الموافق 18ــ 19 أغسطس، قدموا خلالها عددا من البحوث والآراء وفقا للمدارس الفقهية التي يتنمون إليها.
أجمع علماء الدين وفقهاء الاقتصاد الإسلامي خلال نقاشاتهم التي سادها الحماس على المطالبة بتطبيق معايير الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية، بما في ذلك المطالبة بإجراء مزيد من البحوث للزكاة باعتبارها من إيجابيات الاقتصاد الإسلامي.
وقال العلماء إن سوق المصرفية الإسلامية تعيش عدم انسجام فيما يصدر من توصيات أو آراء حيال القضايا التي تتعلق بالصناعة ذاتها، مرجعين ذلك إلى ظهور ما يسمى تعدد المدارس والاتجاهات، وهو الأمر الذي خلف آثارا سلبية ـــ على حد تعبيرهم ـــ تحتاج من الجميع إلى وقفة جادة تعزز مكانة المرجعيات الشرعية.
وعلى هامش الندوة تم توقيع اتفاقية بين مجموعة البركة المصرفية ممثلة بالرئيس التنفيذي عدنان أحمد يوسف والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص ممثلة بالرئيس التنفيذي للمؤسسة خالد محمد العبودي بهدف دعم القطاع الخاص لإيضاح مجالات التعاون المقترحة بين الجهتين للسعي في زيادة الوحدات المصرفية في دول الأعضاء.
وتناولت الندوة أربعة محاور؛ أولها قضايا معاصرة في الزكاة قدم فيها بحثان للدكتور يوسف الشبيلي والدكتور عصام أبو النصر. وجاء دور الجهات الرقابية في الضبط الشرعي للصكوك والأدوات المالية الأخرى في محورها الثاني الذي قدم فيه بحثان للدكتور صابر حسن والدكتور أحمد الجشي. أما المحور الثالث فعن تعهدات مديري العمليات الاستثمارية وقدم فيها بحثان للدكتور عبد الستار أبو غدة والدكتور موسى آدم. وفي ختام الجلسة الثانية قدم بحثان للدكتور محمد القري والدكتور العياشي فداد؛ تحدث عن مخاطر الثقة في تطبيقات المضاربة وعلاجها.
كما أكد رئيس مجلس إدارة مجموعة البركة المصرفية الشيخ صالح كامل أن للاقتصاد الإسلامي من القواعد الكثيرة في القرآن والسنة ما لو تم العمل بها لكانت حلا لكثير من المشكلات الاقتصادية الواقعة، مشيرا إلى أن الأزمة المالية الأخيرة كانت نتيجةً لانعدام الأخلاقيات في التعامل الاقتصادي، وشدد صالح كامل على ضرورة الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي وتطبيقاته التي توجد اقتصادا حقيقيا منتجا، والبعد عن جميع أدوات الاقتصاد الجانبي ذي المخاطر العالية، كما انتقد المصارف الإسلامية لاهتمامها المفرط بتقليد الغرب، قائلا إنها أصبحت تهتم بكل ما هو غربي من مشتقات شيطانية وتقليدها وتسميتها بـ «مشتقات إسلامية وصناديق تحوط إسلامية»، وهو ما لا يتلاءم مع روح الاقتصاد الإسلامي.
كما قال كامل إن من أزمات الاقتصاد العالمي الذي ترفضه الشريعة ما يُسمى بالبيع على المكشوف، وقال إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زارت مقر الغرفة التجارية الصناعية في جدة أخيرا وقدم لها عدد من النقاط عن منع البيع على المكشوف في مفهوم الاقتصاد الإسلامي، وأبدت المستشارة الألمانية قناعتها بذلك حيث منعت ألمانيا البيع على المشكوف نهائيا عقب 20 يوما من زيارتها.
#2#
وفيما يخص مسألة الزكاة على الديون التجارية، طلب صالح كامل بحث هذا الموضوع بناء على شكاوى تلقاها من التجار في مجلس الغرف السعودية من قيام مصلحة الزكاة والدخل بإلزام المدين بزكاة الدين دون خصم الأصول الثابتة، وتناول بعض التفاصيل المهمة في عمل المصرفية الإسلامية وبيئة العمل المحيطة، حيث لفت إلى أن 90 في المئة من الأسهم هي عروض تجارة ولم تؤد زكاتها، متسائلا عن تجاهل مصلحة الزكاة والدخل ذلك.
وعلى صعيد آخر، أكد السيد عدنان يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية أن الأزمة المالية العالمية لا تزال تراوح مكانها حتى اللحظة، حيث لم تفلح جهود البنوك المركزية في معظم الدول التي تأثرت بها في تقديم حلول عملية، ولم ينجح بعضها حتى في معرفة الحدود الحقيقية للكارثة. وأضاف عدنان يوسف أن الأزمة المالية أوضحت بجلاء أن النظام المالي الحالي عجز تماما عن معالجتها ، ويسود حاليا اعتقاد وسط الاقتصاديين أن هذا النظام قد لا يقوى على مواجهة أزمات مالية أكبر كالكساد العظيم الذي حدث إبان عشرينيات القرن الماضي.
كما أشار عدنان يوسف إلى أن خطة الإصلاح المالي التي قدمها الرئيس الأمريكي أوباما لا تخرج عن معالجة القشور وفي الجوانب المتعلقة بالسيطرة والمراقبة وحماية المستهلك، ولم تتدخل في لب المشكلة ومعالجة أسبابها وأهمها البعد عن الاقتصاد الحقيقي، محذرا في السياق ذاته من أن الأزمة القادمة سيكون مصدرها الهند والصين وأن كل المؤشرات تدفع في هذا الاتجاه.
وجدد عدنان يوسف في حديثه تأكيد أن الأزمة الأخيرة وفرت فرصة ذهبية للعالم الإسلامي لتقديم نظام مالي إسلامي بديل عن النظام المالي العالمي السائد، وحول جاهزية هذا النظام من عدمها قال إن الإجابة قطعا هي منطقة رمادية بين الإيجاب والرفض، كما أشار إلى أن تطور صناعة المصرفية الإسلامية وبروز الحاجات الجديدة أظهرت اتجاهات ومدارس متعددة جميعها لا تتفق مع المعايير الموجودة ، الأمر الذي أوجد ربكة كبيرة في السوق المصرفية الإسلامية.
وأكد أهمية إجراء مراجعة عاجلة تستهدف إعلاء مكانة المرجعيات الشرعية والعلماء بدرجة أولى، وإطلاق مبادرة لتنظيم عملية البحث العلمي ودراسة آثار العلماء والمفكرين الأوائل والمعاصرين، وإعادة النظر في الممارسات الحالية والتطبيقات المستحدثة التي لم تكن موجودة، كنماذج الصكوك الحديثة وأسواق السلع الدولية والنظر لها من وجهة نظر مقاصدية كلية لمعرفة مدى نفعها وفائدتها للاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية.
من جهته أبدى الشيخ نظام يعقوبي عضو عديد من هيئات الرقابة الشرعية تحفظا حول الحديث عن أسباب تعثر عديد من الصكوك الإسلامية أخيرا، قائلا إن الصكوك الإسلامية أدوات استثمارية ما وافق منها الأحكام الشرعية فهو شرعي، وما لم يكن كذلك فينظر فيها، مؤكدا أهمية الصكوك في تنمية البلاد والشركات وأن مستقبلها باهر، وقال إن التعثرات الأخيرة إذا ما قورنت بما يحدث للسندات التقليدية من تعثر فلا تكاد تذكر، حيث تبلغ نسبة الصكوك المتعثرة أقل من 1 في المئة، بينما هناك سندات تالفة بالملايين يوميا، وأكد أن مجرد تعثر صك أو اثنين فإن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن آلية إصدار الصكوك خاطئة، وأضاف أن هذا أمر ائتماني أو تجاري ويتعلق بالبلد أو الشركة التي يصدر فيها الصك.
وحذر مصرفيون من خطورة الثقة بتطبيقات المضاربة بسبب ما تتهم به من «مخاطر الثقة» أو ما يسمى بالمخاطر الأخلاقية، وقالوا إنه على الرغم من أن صيغة المضاربة من الصيغ الرئيسية التي قام عليها عمل المصارف الإسلامية سواء في جانب تعبئة الموارد أو في مجال استعمال تلك الموارد، إلا أن نسبة استعمالها ظلت متدنية جداً مقارنة بصيغتي المرابحة والتورق، وقال عضو المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب الدكتور العياشي فداد، إن إحجام المصارف الإسلامية عن استخدام صيغة المضاربة كان في مقابل توسعها في صيغ أخرى كالمرابحة والتورق، مشيراً الى أن التورق يحتل المركز الأول في حجم التمويلات الإسلامية في السعودية بنحو 183 مليار ريال وبنسبة تصل إلى 67 في المئة من إجمالي سوق التمويل الإسلامي السعودية، فيما تقدر صيغة المرابحة التي تعد من أقدم صيغ التمويل الإسلامي بنحو 64 مليار ريال بما يعادل 23 في المئة، وتتقاسم بقية الصيغ 10 في المئة من إجمالي التمويل الإسلامي السعودي. وأشار العياشي إلى تعليل بعض المختصين بعدم التوسع في استخدام صيغ التمويل الأخرى غير المرابحة والتورق بسهولة تطبيقهما عمليا وتقبلهما من العاملين والمتعاملين، فيما يشير آخرون إلى انخفاض مخاطر المرابحة والتورق مقارنة بالصيغ الأخرى.
من جهته، قال الدكتور محمد القري أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، إن المضاربة كانت الأداة المالية الأساسية التي سهلت انتقال المدخرات إلى أغراض الاستثمار في المجتمعات الإسلامية إبان أوج حضارة المسلمين، ومن ثم فقد نهضت بالوظيفة التي تقوم بها البنوك حاليا. وإن رواد المصرفية الإسلامية في العصر الحديث لا يساورهم شك في أن التطبيق الذي يُخرج إلى النور محاسن النظام المالي الإسلامي في مجال الوساطة المالية قائم على أساس عقد المضاربة، وأنها البديل الحقيقي للتمويل بالقرض الربوي الذي يعكس شخصية النظام الاقتصادي الإسلامي. مضيفا .. ألا سبيل إلى أن يتبوأ عقد المضاربة مكانه المناسب ضمن قائمة صيغ التمويل الإسلامية إلا بعلاج مخاطر الثقة حتى يصبح قابلاً للممارسة المصرفية.
وشهدت ندوة البركة حضور عدد من الفقهاء وخبراء الاقتصاد الإسلامي كالدكتور يوسف الشبيلي والدكتور عصام أبو النصر والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور حسين حامد حسان والدكتور صابر محمد حسن والدكتور أحمد الجشي والدكتور علي القرة داغي وغيرهم. يُذكر أن التوصيات الصادرة عن ندوات البركة المصرفية أصبحت مرجعا علميا تسترشد به الأبحاث والفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية والمجامع الفقهية والهيئات والمنظمات المختلفة.
وقال عدنان أحمد يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية، بهذه المناسبة ننتهز وجود مديري المصرفية الإسلامية من 12 بلد ليشاركونا توقيع هذه الاتفاقية، وكما تعلمون إن البنك الإسلامي خلال السنوات الماضية قام بعمل دؤوب وكبير لتنمية الاقتصاد في الدول الإسلامية والعربية.
من جهته أكد خالد العبودي الرئيس التنفيذي للمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص أن مثل تلك الاتفاقيات التي تدعم القطاع الخاص لزيادة عدد الوحدات من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات مع مجموعة البركة المصرفية وعدد من الجهات المعنية خاصة أن المؤسسة تهدف لتنمية وتطوير القطاع الخاص من خلال التمويل والاستثمار ولدينا أنشطة في عدد من الدول العربية والإسلامية، خاصة أن لدينا توجها في الآونة الأخيرة للتركيز على المصرفية الإسلامية من خلال بناء مصارف إسلامية وتعزيز العلاقة مع المؤسسات الصاعدة ونأمل من خلال هذه الاتفاقية تكوين علاقة مباشرة وقوية مع كثير من الوحدات المصرفية التي قد تكون وحيدة في دولتها، لذلك نحن مستعدون في جانب الدعم والشراكة لتمويل المشاريع.
وعن تمويل المؤسسات الصغيرة أشار العبودي إلى أن هناك دراسة لإعداد صندوق دولي لتمويل المؤسسات الصغيرة المحرومة من تمويل البنوك برأسمال مليار ريال بصدد أخذ الموافقات عليه لدعم المؤسسات الصغيرة.
وعن دور المصرفية الإسلامية في سوق الأسهم السعودية أوضح العبودي أن المصرفية الإسلامية لها دور كبير في السوق المحلية، خاصة أن أغلبية الشركات المدرجة في سوق الأسهم متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وكما يعلم الجميع أن ليس هناك تمييز بين الأسهم الإسلامية وغير الإسلامية في السعودية.