الفرد محور التنمية ومحركها الرئيس لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية
لتحقيق التكافل الاجتماعي الذي هو أحد أسس الاقتصاد الإسلامي، على البنوك الإسلامية مسؤولية كبرى في تحقيق التنمية الاجتماعية بالنسبة للمساهمين والمتعاملين والعاملين في المصارف الإسلامية. ومن هنا فإن المصارف الإسلامية القائمة لم تستطع بعد القيام بهذا الدور كاملاً، وذلك لأسباب تنظيمية خارجة عن إرادتها، وإن كان معظمها يضع في قوانينه الأساسية مبادئ القيام بهذه التنمية بالنسبة للمجتمع الذي ينشأ فيه المصرف الإسلامي، وهي مهيأة للقيام بهذا الدور نظرًا لقدرتها على تجميع مدخرات المتعاملين معها، واستخدامها الاستخدام الذي يحقق هذه التنمية الاجتماعية، مع دورها في توجيه الاستثمارات إلى تلك المجالات التي تخدم التنمية الاجتماعية وتلتزم بالأولويات الإسلامية، وتحقيق أهداف التنمية الشاملة في المجتمع المسلم من خلال الصناديق والوسائل المصرفية المختلفة.
لقد عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية بأنها الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل، والمسؤولية الاجتماعية تعد أحد أهم مجالات أنشطة البنوك الإسلامية، إذ إنها الجسر الذي تؤدي من خلاله البنوك الإسلامية واجبها نحو المجتمع للمشاركة في مكافحة الفقر وتوزيع الثروة والإسهام في نشر العدالة وتستخدم البنوك الإسلامية عدة منتجات للوفاء بمسؤوليتها الاجتماعية مثل التبرع والقرض الحسن وتمويل الحرف الصغيرة والمتوسطة وتمويل الخدمات الصحية والتعليمية ودعم الهيئات الخيرية والدينية وإدارة أموال الزكاة جمعا وتوزيعا.
إن توسع الصناعة المالية الإسلامية لا يعد نجاحا كاملا ما دامت الصناعة لا تهتم الاهتمام الكافي بما يعرف اليوم بالمسؤولية الاجتماعية، لذلك أصبحت البنوك الإسلامية تولي عناية كبيرة للخدمات الاجتماعية، ويبرز هذا التوجه من خلال تقنين العمل الاجتماعي، ومن أمثلة ذلك إصدار هيئة المحاسبة والمراجعة أخيرا 13 معيارا تعالج المسؤولية الاجتماعية مثل التزامات الشركاء (العملاء) والعاملين والصدقات، والبيئة وغيرها. والاهتمام بالخدمات الاجتماعية يعد واجبا أخلاقيا لكنه أيضا إحدى وسائل تحسين الانتجاية وتعظيم الأرباح، فقد دلت الأبحاث العلمية على أن البنوك الأكثر إرهافا في حساسيتها لبيئتها الاجتماعية، استطاعت أن تكون أكثر ربحية في الأجل الطويل، فإن المسؤولية الاجتماعية في البنوك الإسلامية تشير إلى التزام البنك الإسلامي بالمشاركة في بعض الأنشطة والبرامج والأفكار الاجتماعية لتلبية المتطلبات الاجتماعية للأطراف المترابطة به والمتأثرة بنشاطه سواء بداخله أو خارجه بهدف رضا لله والعمل على تحقيق التقدم والوعي الاجتماعي للأفراد بمراعاة التوازن وعدالة الاهتمام بمصالح مختلف الفئات.
#2#
ازدهرت المصارف الإسلامية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، كبديل إسلامي عن المصارف التقليدية، وانتشرت عملياتها بشكل كبير في مختلف قارات العالم، مما حدا بكبار المصارف وبيوت المال العالمية ذات الخبرة العريقة إلى فتح نوافذ فيها للمعاملات الإسلامية، ولذلك فإن المسؤولية الاجتماعية ظهرت وترعرعت في المجتمعات الغربية، إلا أنه مازالت المسؤولية الاجتماعية في المصارف الإسلامية بعيدة عن دورها الاجتماعي، وفى الوقت نفسه توفر لأفراد المجتمع فرص العمل في هذه المشروعات فتخفف من نسب البطالة، وتزيد من الدخل القومي ودخل الأفراد، فترتفع القدرة الشرائية، وترتفع نسب الادخار أيضا، وتدور عجلة الإنتاج من جديد، فتحصل التنمية للمجتمع ككل وبكل أبعادها، أما إذا بأنشطة المرابحة، فإنها تكون أقرب إلى لعب دور التاجر الذي يشترى السلع ليعيد بيعها مع تحقيق ربح من فروق الأسعار، ما يعني عدم اقتصار دورها ووظيفتها على المرابحة كمفهوم، بل لا بد من توسيع وتنويع الاستثمارات وتوظيف الأموال في إقامة المشروعات الضخمة وفقاً لاحتياجات وأولويات المجتمع وتوفير فرص عمل حقيقية وواعدة ومستقرة للذين يعانون من البطالة ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية، وهنا يكتمل دور تلك المصارف ووظيفتها الحقيقية، ومن المعروف أن المصارف هي القطاع الذي يقوم بمباشرة الأعمال المالية والتمويلية والاستثمارية في أي مجتمع، ولذلك فهي تكتسب أهمية في أي اقتصاد، والاختلاف ينبع من اختلاف الأسس والضوابط التي يؤمن بها الاقتصاد الذي تنمو وتعيش فيه هذه المصارف، ومن هنا يأتي الفارق الكبير بين المصارف في الاقتصاد الغربي والمصارف الإسلامية، والمصارف في الرؤية الإسلامية تعمل في إطار مبادئ الشريعة بهدف تحقيق مجتمع القدوة والقوة، من خلال تحقيق التنمية الشاملة اقتصاديًا واجتماعياً.
أن قيام المصارف الإسلامية بدورها الاجتماعي يتطلب منها الالتزام بالأسس والمبادئ الشرعية في معاملاتها المالية والاستثمارية والتمويلية، بمعنى أن تلتزم بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمفهوم الإسلامي في كل ما تقوم بتمويله من مشروعات وتجتنب الدخول في مشروعات غير ضرورية أو أساسية بالنسبة المجتمع، وهي تستطيع أن تقوم بدور اجتماعي بارز عن طريق صناديق الزكاة، خاصة في الدول التي لا تكون فيها فريضة الزكاة مطبقة بصورة إجبارية، وذلك بإخراج زكاة المدخرات والودائع البنكية، وزكاة المساهمين والمتعاملين مع المصرف، إضافة إلى استقطاب زكاة الأفراد خارج التعامل مع المصرف، وتعمل على التعرف على المصارف الشرعية لهذه الزكاة وتوصيلها إليهم، كما أنها تستطيع أن تقوم بدور مهم في مجال نشر الوعي الإسلامي بطرقه المختلفة من إحياء للوقف الذي يمكن أن يتم في المصرف في صورة وديعة خيرية، ويخصص عائدها لمجال يحدده الواقف، فضلاً عن التوعية من خلال صحف أو برامج أو مسابقات تحفيظ قرآن أو تمويل ندوات حفظ القرآن، وكل ما من شأنه التعريف بأسس ومبادئ هذا الدين، ونشر هذه المعرفة بقدر الإمكان. ونرى هنا التميز الواضح بين هذه المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية التي لا يكون لها من دور إلا تجميع المدخرات، وإعادة إقراضها بسعر فائدة تحقيقًا للربح بعيدًا عن أي التزامات اجتماعية تجاه المجتمع إلا في بعض الحدود الضيقة جداً.
وغالباً ما يُشار إلى أن الدور الاجتماعي للمصارف الإسلامية يكون أكثر وضوحًا بالنسبة للتعامل مع الشريحة الأقل حظًا في المجتمع فهذه الشريحة لها عند هذه المصارف نصيب في زكاة البنك، وما يقوم به من إخراج زكاة المودعين والمساهمين والعملاء، هذا فضلاً عن دورها في التخفيف عنهم فيما يتعرضون له من أزمات مالية عن طريق الحصول على القروض الحسنة التي تعينهم على مواجهة الظروف الطارئة، وتسهم في تحسين المستوى الصحي لهم، والعناية بمكافحة الأمراض العارضة والمزمنة والمستوطنة من خلال المؤسسات الصحية التي ترعاهم، والاهتمام بمواجهة ما يتعرضون له من عاهات جسمية ونفسية وعقلية من خلال توفير الأجهزة التعويضية والخدمات النفسية والصحية ومساعدتهم على مواصلة الدراسة وتحصيل العلوم من خلال إعانتهم على هذه المهمة، سواء بصورة مساعدات مالية مباشرة أو في دعم المؤسسات التعليمية والتدريبية التي ترعاهم وتسهم في رفع قدراتهم الإنتاجية، وذلك إضافة إلى توفير أدوات الإنتاج للقادرين على العمل وتنقصهم الآلة الإنتاجية.
#3#
إن المصارف الإسلامية أمامها كثير من التحديات نظرا لأنها لا تزال عبارة عن صناعة حديثة يتعين عليها كثير من العمل من أجل ترسيخ مصداقيتها، حيث إنها لم تركز في السابق على تخفيف الفقر فقط بسبب أنها تحتاج إلى استيفاء كل من المعايير المصرفية الدولية ومتطلبات الشريعة الإسلامية حتى تتمكن من خدمة عملائها، ولعل السنوات الماضية شهدت تضاعفا في حجم عمل البنوك الإسلامية، بما يسمح لها بلعب دور أساسي في تمويل المشروعات الصغيرة في الدول العربية والإسلامية، حيث تبرز أهمية التمويل الإسلامي ودوره وحضوره كي يسهم في التصدي لمشكلتي الفقر والبطالة، الأمر يتطلب البحث في مختلف صيغ التمويل الإسلامي وكيفية تطبيقها على الراغبين في تأسيس مشاريع صغيرة مختلفة، خصوصا أن أساليب التمويل الإسلامية تضمن العدالة بين طرفي المعاملة يحصل كل طرف على حقه، حيث إن هناك توجهات لإنشاء بنوك للفقر ومشاريع التمويل، خاصة أن هذه المشاريع باتت تمثل إحدى أهم آليات التنمية الاجتماعية الاقتصادية. ويعتبر البنك الوطني في الأردن وبنك الأسرة في البحرين من أوائل البنوك الإسلامية المختصة في التمويل للمشاريع الصغيرة، وهما يتعاملان مع محدودي الدخل والأسر المحتاجة ويسهمان في تطوير الخدمات التمويلية متناهية الصغر وتطوير النموذج الإسلامي في هذه الصناعة. لذا ينبغي على المصارف الإسلامية إعادة النظر في نظام التمويل الصغير ومناقشة كيفية تمويله، حيث إن التمويل الصغير يتطلب اتباع برامج الإقراض الجماعي القائم على خفض تكاليف المعاملات وخفض التعرض للمخاطر المالية ودراسة كيفية تقديم القروض للفقراء في المناطق الريفية من أجل التخفيف من حدة الفقر في أنحاء العالم الإسلامي، والسعي إلى توفير الائتمان للمشاريع الصغيرة والمتوسطة مع تصميم المنتجات المالية المناسبة للفقراء وزيادة دخلهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية عن طريق مبادرة تمويل المشاريع الصغيرة.
وتلتزم المصارف الإسلامية في المجتمع الإسلامي بالمبادئ الإسلامية التي تعتبر أن المال وسيلة المجتمع إلى تحقيق أهدافه وليس المال هدفًا في حد ذاته، ومن هنا، فإن الفارق بين المصارف الإسلامية والبنوك الغربية كبير من وجهة النظر الاجتماعية، ففي الاقتصاد الإسلامي يكون للمال دور اجتماعي يعمل على تحقيقه وتكون المصارف هي القطاع الذي يقوم بتحقيق هذا الهدف، وهذا لا ينفي أن المصارف الإسلامية تحقق أرباحًا متميزة لا تقل عن الأرباح التي تحققها البنوك التقليدية، ولكن هذه الأرباح لا تغفل العائد الاجتماعي الذي يتحقق للمجتمع ككل وبذلك يكون ما تحققه من أرباح صافية اقتصادية واجتماعية أكبر منها في حالة البنوك التي تحقق الأرباح الاقتصادية فقط على حساب كثير من الأهداف الاجتماعية، ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن الصناعة المصرفية الإسلامية لفتت الأنظار إلى أهمية الوظيفة الاجتماعية للأموال واستخداماتها، حيث ركزت في تصميم أنظمتها على تضمين البعد الاجتماعي والإنساني للمعاملات المالية الاستثمارية والمصرفية من خلال أجهزة الزكاة والقرض الحسن وعديد من أنظمة التكافل الاجتماعي والإنساني، وألقت بثقلها في تمويل ودعم المشروعات الصغيرة والحرفية وخلقت فرص عمل كبيرة وساعدت في أعمال التدريب وإكساب المهارات في العمل المصرفي.
وتتغيب المصارف الإسلامية عن لعب دور محوري في الأعمال الاجتماعية مقارنة بما تقدمه المصارف التقليدية فكثير من البنوك الإسلامية ينفق تحت بند الأعمال الخيرية على رعاية مخيم أو حملة لنشاط اجتماعي أو نشاط هنا وهناك وتحصر دورها الذي ينبغي أن تحوز سبقه في أمور أكثر ما يقال عنها إنها لحظية.
في المقابل فإن الفكرة الأساس من بند الأعمال الاجتماعية، يرتكز إلى أن يكون لها دور محوري في تقديم خدمات للمجتمع وليس دوراً ينتهي بانتهاء الفعالية التي ترعاها ، ولولا الإلزامية التي يفرضها المصرف المركزي على البنوك الإسلامية باستقطاع جزء من أرباحها للأعمال الخيرية لعزف كثير من البنوك عن الأنشطة الخيرية. فنشاط المؤسسات المالية التقليدية في هذا الجانب، يشهد عليه الواقع، فكم من مراكز صحية وجسور هي من بركات هذه البنوك. وإحقاقاً للصواب فإن المصارف الخليجية، كانت لها مبادرات في هذا المجال الأعمال الخيرية خلال 30 عاماً هي عمر البنوك الإسلامية رغم أنها ليست بالكبيرة إذا ما قورنت بالبنوك التقليدية، إلا أنها في ذات الوقت ليست بالقليلة ليكون لهذه المؤسسات أثر ملموس في خدمة المجتمع. لا يختلف اثنان على أن البنوك الإسلامية هي المؤسسات المرشحة لأن يكون لها دور اجتماعي كبير نتيجة لطبيعة عملها، وهذا لا يعني أن تخصص المصارف ربحها لتنفقه في وجهات الخير، فنحن نعلم أنها مؤسسات ربحية، وأنها مطالبة في النهاية بتسجيل أكبر قدر من العوائد، لكن نتمنى أن نرى في يوم ما مقعداً للمصارف الإسلامية مثلاً للطبلة الجامعيين ليس في مجال العلوم الشرعية بل العلوم الإنسانية أيضاً لن نقول إنه حلم نأمل أن تحققه هذه المؤسسات ولكنه دور ينبغي أن تلتفت إليه، وكم نتمنى مدرسة تحمل اسم مؤسسة مالية أو مركزاً صحياً، فهذا الأمر ليس له بعد اجتماعي فقط بل بعد إعلاني كذلك.
#4#
وظهرت أهمية المصارف الإسلامية عندما تضع في اعتبارها خدمة المجتمع والمساهمة في معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وبهذا المعنى يدل مفهوم المصرف الإسلامي على أنه مصرف يتعاطى الأعمال المصرفية بمختلف صورها على أسس تستند إلى الشريعة الإسلامية مراعاة لحلية التعامل في تنفيذ تلك العمليات، ومن خلال هذا التوجه تكون طبيعة العمل المصرفي الإسلامي بالضرورة ذات صبغة اجتماعية حيث يتم التركيز على الكسب الحلال بالتعاون بينها وبين عملائها لكونهم شركاء يتقاسمون الأعباء والمكاسب، وبهذا المعنى يتفاعل المصرف الإسلامي مع عملائه حيث يشاركهم في استثماراتهم ويدعوهم للمشاركة في استثماراته إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
لم تعد المسؤولية الاجتماعية منوطة بفئة محددة من المؤسسات أو الأفراد بل أضحت محطَّ أنظار الاقتصاديين في العالم كله، وذلك بعد التطور الكبير والتغير الواسع الذي طرأ وما زال على السوق من خلال أثرها المتعدد على المجتمع وعلى المؤسسات وعلى المجتمع، إلا أن مناقشة المسؤولية الاجتماعية من منطلق إسلامي لم يأخذ حظه الوافر من التأصيل والدراسة وهو يحتاج إلى بعث وتنشيط، فنصوص الشريعة الإسلامية وجهود الفقهاء والاقتصاديين المسلمين لأن الشريعة الخالدة متوافقة مع متطلبات الحياة الإنسانية في جميع مراحلها وتطوراتها، وهي متوافقة حتماً مع حاجيات الحياة الإنسانية في هذا العصر، مصداقاً لقول الله ـــ عز وجل (وكل شيء فصلناه تفصيلاً)، وقول الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم: (ما تركت من شيء يقربكم من الله إلا أمرتكم به، ولا شيء يبعدكم عن الله إلا نهيتكم عنه).
لقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية للمصارف الإسلامية ضرورة اقتصادية إلى جانب كونها ضرورة إنسانية تمليها المسؤولية الأدبية لأي كيان يعيش في بلد من البلاد، وهي من هذه الزاوية تجمع بين الحسنيين الربح المادي وتحمل مسؤولية المجتمع ابتغاء لمرضاة الله ـــ عز وجل، وعملاً بقول النبي ـــ صلى الله عليه وسلم (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى). إن لكل مجتمع من المجتمعات هموماً وقضايا تشغله، كما أن للمجتمع العالمي هموما مشتركة تحتاج إلى مساهمة المصارف بصورة فاعلة في التعامل معها والمشاركة في حلها مثل مشكلات البطالة والتعامل مع الثورة المعلوماتية المتجددة وبعض المشكلات البيئية كالتلوث خصوصاً زيادة الكربون وغاز الأوزون وغيرها من القضايا العالمية، إلى جانب القضايا المحلية التي تهم كل مجتمع بذاته، كقضايا الأمية في بعض المجتمعات وتخلف الوعي الصحي وغيرها، وهنا يأتي التطبيق العملي لقول الله تعالى (وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، فماذا لو عملت المصارف المحلية مثلاً على دعم مشروعات علمية، أو تنظيم برامج تدريبية في التثقيف البيئي أو المعلوماتية يقوم عليها مشروع مدعوم علمياً وفكرياً وتربوياً وإداريا، وطرح الإعلام لها إما عن طريق الإعلام بروافده المختلفة وإما عن طريق المؤسسات التعليمية والثقافية الحكومية، بحيث يغطي عائد هذه البرامج تكلفتها الفعلية ويزيد هامشاً في الربح ليكون تشجيعاً للشركة على مواصلة مسؤوليتها الاجتماعية، إلى جانب المردود الاقتصادي الكبير المتمثل في الدعاية لهذه المصارف، وهي دعاية عملية يشعر فيها المجتمع بنفعيته أكثر مما يستمتع بمشاهدة الإعلانات المدفوعة الأجر في وسائل الإعلام، التي لم تصبح مرغوباً فيها عند كثير من شرائح المجتمع نتيجة للتنافس الشديد بين المصارف وما سمي اجتماعياً بمصطلح (ضرب العلامة التجارية) وإغراق السوق بالسلع المضروبة فأصبح البديل الإعلاني الصحيح للمصارف هو اندماجها في المجتمع وانتماؤها إليه، دون أن تتخلى المصارف عن أهدافها الربحية.
إن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول (احرص على ما ينفعك)، وهي قاعدة عامة في التعامل سواء كان فردياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً والمطلوب من المصارف في هذا الصدد إدخال هذا المفهوم الشريف لهذا الحديث النبوي في موازناتها، فبدلا من الحرص على رافد واحد من النفع وهو الربح المادي، لماذا لا يكون الحرص على أكثر من رافد في العمل الواحد، ولا مانع في هذا الإطار من تحقيق مبدأ التعاون على البر والتقوى من خلال مد جسور التعاون بين المصارف والبنوك التي تتخذه بعض هذه الجهات من بعض، يكون جو الصداقة والتعاون والنماء التي تتمثل بركته في مشاريع تجتمع فيها المسؤولية الاجتماعية مع الربح المادي، وهناك جانب مهم من جوانب المسؤولية الاجتماعية للمصارف وهو ما يمكن أن يعبر عنه بأخلاقيات السوق.
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بنظم كفيلة بإحلال الأخلاقيات الطيبة في السوق الاقتصادية وخدمة العمل الاجتماعي، فحاربت الغش والخديعة وترويج السلع بالوسائل غير الصحيحة كقول النبي ـــ صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا)، وقوله (الغش والخديعة في النار)، كما حرمت بيع السلع المحرمة التي تعين على الرذيلة، ويكفى في ذلك قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) وكل هذه التشريعات تهدف إلى بناء كيان اقتصادي واجتماعي شريف ينزع إلى الفضيلة، ولا يكون الربح المادي همه الأخير على حساب المجتمع لعل ما سبق ضرورة المشاركة بروح إسلامية في موضوع المسؤولية الاجتماعية الذي طرح على الساحة الاقتصادية والاجتماعية، عسى أن يكون مفتاحا لتعميق النظرة الإسلامية وتفعيلها في واقع العمل الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية للمصارف الإسلامية، على الأقل على المستوى المحلي في ظل نظام إسلامي منّ الله به على هذا البلد الطيبة، التي تراعى فيه حقوق الله وتسعى دائما إلى الارتقاء المتكامل بالفرد والمجتمع.