ما الحدُّ النهائي للطاقة؟

ما الحدُّ النهائي للطاقة؟

إن السماء ليست هي الحد في نظر بيتر سيج، بل إن الحد أعلى من ذلك، أي أنه أعلى بنحو 36 ألف كيلومتر من الغلاف الأرضي. وإن مؤسس المشاريع هذا صاحب الخبرة التي تمتد إلى 29 عاماً، أطلق خلال الفترة الأخيرة مشروعاً مشتركاً جديداً، هو طاقة الفضاء، حيث يهدف في الأساس إلى تقديم طاقة شمسية من الفضاء عن طريق جمع، وبث الطاقة من خلال استخدام الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء. وهو يقول إن هذا المشروع يوفر الطاقة على مدى 24 ساعة يومياً.
لماذا يتم إطلاق هذا المشروع في الوقت الراهن بالتحديد؟ كان التحدي طوال الوقت ذا طابع اقتصادي، حيث ''تمثل الأمر في إكمال إعداد الخطط، والانطلاق في تنفيذ المشاريع، والتوصل في نهاية المطاف إلى تحقيق الأرباح المنشودة''. كما يقول سيج، الذي هو أحد مؤسسي مشروع الطاقة الفضائية الجديد هذا. ويضيف ''سيتحقق هذا المشروع على أرض الواقع إذا توافرت لديك الأموال اللازمة للاستثمار فيه. والحقيقة أن العلماء الذين حاولوا على مدى السنوات الماضية إنجاز هذا المشروع، فشلوا تماماً في تأمين الأموال التي يتطلبها الاستثمار فيه''.
كان مفهوم مثل هذه المشاريع سائداً منذ عقود عدة من الزمن، حيث إن فكرة الاستفادة من الخلايا الشمسية في الفضاء تعود إلى أواخر ستينيات القرن الماضي؛ إذ كان رائد ذلك التوجه العلمي – العملي هو العالم الأمريكي بيتر جلاسر. وتقوم الفكرة من حيث الأساس على تثبيت لواقط متعددة من الألواح الشمسية، على قمر صناعي مواجه للشمس، حيث يمكن الحصول على طاقة ضوئية قابلة للنقل عبر المسافات، ويجري استخدام أشعة موجات الراديو لنقل الطاقة إلى شبكات الاستقبال، أو اللواقط الخاصة على الأرض؛ إذ يمكنها ربطها بشبكات توزيع التيار الكهربائي العادية، والاستفادة من طاقتها الكهربائية.
وإن المبدأ الأساسي لكل ذلك مستخدم من الناحية الفعلية في أقمار الاتصالات على نحو روتيني من حيث دورها الخاص ببث إشارات موجات الراديو من أجل خدمة الهواتف الجوالة، والإنترنت اللاسلكي، أو الإشارات الهاتفية اللاسلكية على سبيل المثال.
إن مهمة معدات المشروع الفضائي الجديد لنقل طاقة الشمس إلى الأرض، كما يقول سيج، هي وصل النقاط بين العلماء، وجهات التصنيع، والمستثمرين، وذلك في ظل كون الخلايا الكهروضوئية أخف وزناً، وأدنى تكلفة، وأعلى كفاءة، وكذلك في ظل زيادة أمان تكنولوجيا الأقمار الصناعية، ووجود نقل فضائي يمكن الاعتماد عليه. وقد عملت هذه الأمور مجتمعة على جعل مصدر الطاقة المتجددة هذا أكثر جدوى من ذي قبل. ويقول سيج عن ذلك ''إننا نتعامل في الوقت الراهن مع تكنولوجية في غاية الحيوية، حيث يتحول الأمر في هذه المرحلة التاريخية باتجاه دعم التكنولوجيا النظيفة، والطاقة الصديقة للبيئة على مستوى جميع الدوائر السياسية''.
يعمل فريق سيج في انطلاق هذه المرحلة التأسيسية الأولى باتجاه إطلاق قمر صناعي عادي إلى الفضاء للتدليل على الجدوى، والملاءمة فيما يتعلق بهذا المشروع الجديد. وإن من شأن النجاح الكامل لهذه المرحلة نقل المشروع إلى نطاق أوسع بكثير على الصعيد العملي، حيث سيبدأ بعد ذلك عمل الأقمار الصناعية على نطاق تجاري واسع. وتقوم الشركة في الوقت ذاته بتطوير نشاط عملي خاص باستقبال الطاقة الشمسية على الأرض؛ وذلك بهدف تقديم الدعم لجهودها النشيطة في الفضاء الخارجي. ويوضح سيج هذا الأمر بقوله ''إن ذلك يعمل على بعث الراحة في نفوس المستثمرين؛ لأن الأمر يتعلق بتكنولوجيا تقليدية. وهم يستطيعون الحصول على عائد جيد على الاستثمار، كما أن هذه التطورات تساعد أيضاً على تمويل مشروع لديه منطلق سريع الحركة''.
إن التحديات القائمة في وجه هذا المشروع تتضمن الحصول على أذونات تنظيمية، وتراخيص عمل، من جانب عدد كبير من الحكومات، والوكالات الدولية. ويتضمن الأمر كذلك تحسين القدرات الفنية، وتجميع قمر صناعي شامل في الفضاء، إضافة إلى إدارة أمور التكاليف، وإنجاز المراحل في أوقاتها الزمنية المحددة على نحو دقيق.
مع ذلك، ظهرت هنالك تطورات باعثة على التشجيع، حيث شهد منتصف عام 2008 عملية ناجحة للغاية لبث الطاقة بين عدد من جزر هاواي، وعلى مسافة بلغت نحو 148 كيلومترا، أي أطول من المسافة الفاصلة بين سطح الكوكب الأرضي وحدود الفضاء. ويعتبر ذلك التطور أمراً في غاية التشجيع، رغم وجود عدد من الفروق والتفاصيل التقنية بالمقارنة مع مشروع هاواي.
نظراً إلى أن الاهتمام بمصادر الطاقة الجديدة يمر في أعلى، وأنشط مراحله على الإطلاق، فإن استثمارات الطاقة الشمسية الجديدة في النصف الأول من العام الجاري بلغت أربعة مليارات دولار في أمريكا الشمالية، وأوروبا، والصين، والهند، حسب بيانات وردت في تقرير بحث أولي صادر عن مجموعة التقنية النظيفة، بالتعاون مع شركة ديلويت. وقد تم استثمار 811 مليون دولار في عدد آخر من مشاريع الطاقة الشمسية خلال الربع الثاني من هذا العام. واستطاعت مصادر الطاقة المتجددة إنتاج 18 في المائة من الطاقة الكهربائية في العالم في عام 2009، حسب بيانات وردت في تقرير أعدته REN21. وبلغ مجموع الاستثمارات في الطاقة المتجددة (باستثناء المشاريع الهيدروجينية الكبرى) 150 مليار دولار على الصعيد العالمي بحلول عام 2009، أي بزيادة تفوق ستة أضعاف المبلغ الذي استثمر في ذلك في عام 2004، وكان في حدود 20 مليار دولار.
إن وقت إنجاز مشروع طاقة الفضاء لأهدافه من الصعب التنبؤ به، لكن سيج يرى أن هذه الفكرة ''تستوعب لب عملية إطلاق المشاريع، حيث أمكن تصور فكرة، وإدراك ثغرة في السوق في استجابة للتحدي، والتوصل إلى وسيلة مبتكرة لتحقيق الأمر على صعيد الأسواق بطريقة مربحة تعمل على إضافة قيمة جديدة وتخدم الغرض المنشود''.

الأكثر قراءة