تحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسية تنقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في الاستفادة من الطاقة المتجدّدة والمستدامة
تواصل فرق العمل في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عملها لتنفيذ مشروع «المبادرة الوطنية لتحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسيّة»، الذي بدأت مرحلته الأولى في كانون الثاني (يناير) الماضي في محافظة الخفجي (على ساحل الخليج العربي)، ضمن مراحل ثلاث تجوب أنحاء المملكة، خلال فترة تمتد حتى عام 1440هـ، بهدف توفير المياه المحلاة بأسعار زهيدة، وتقليل استهلاك النفط، وجني استثمارات اقتصادية للبلاد تقدّر بمئات الملايين من الريالات.
ومشروع «المبادرة الوطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية»، الذي دشنت انطلاقته في التاسع من شهر صفر للعام الحالي، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله، يشرف على تنفيذه مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مع خمس جهات حكومية، بتعاون تقني مع شركة آي. بي. إم الأمريكية, وانبثقت فكرة المشروع بعد عدد كبير من الدراسات والبحوث التي أجرتها مدينة الملك عبد العزيز في ذلك المجال على مدى عقود طويلة من الزمن، وامتدادا لخطط الدولة الاستراتيجية الخاصة بدعم صناعات الطاقة الشمسيّة، بهدف إيجاد الحلول التقنية لمشكلات الطاقة والمياه في المملكة، وبأقل التكاليف الماديّة.
وأكد الدكتور محمد بن إبراهيم السويل رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في وقت سابق, أن المملكة من أولى الدول العربية التي اتجهت إلى الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، التي تصنّف من الطاقات الحيوية المهمة في معظم عمليات التنمية لدول العالم المتقدم، كونها أهم وأبرز مصادر الطاقة المتجدّدة النظيفة التي لا يخلف استخدامها أي آثار سلبية في البيئة الطبيعية للأرض، أو الصحة العامة للإنسان، ولها مردود اقتصادي كبير على البلاد. وبين أنه ثبت علمياً أن المملكة بمساحاتها المترامية الأطراف، تستقبل ما يقارب 2000 كيلواط لكل متر مربع سنوياً من أشعة الشمس، وهي جزء من كمية الأشعة الشمسية الساقطة على كوكب الأرض المقدرة بنحو 174 بيتاواط عند طبقة الغلاف الجوي العليا، حيث يمتص سطح الأرض منها 70 في المائة، والباقي ينعكس في الفضاء الخارجي. وقال إن هذا الأمر، أكد أهميّة تطوير تقنيات الطاقة الشمسية ودعم مشاريعها التي تلائم بيئة المملكة، وإيجاد توافق عمل تكاملي مع القطاعين العام والخاص في ذلك المجال، لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، كالنفط الخام، الغاز الطبيعي، الحديد، الذهب، والنحاس، ودعم مساعي المملكة الدولية إلى الحد من انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة. وأضاف الدكتور السويل: «إن المبادرة الوطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية هي ثمرة الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية التي أعدتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية عام 1420هـ، وتنتهي بحلول عام 1440هـ، حيث كان من أهدافها إعداد دراسات استشرافية لمستقبل واتجاهات عدد من المجالات العلمية والتقنية وآفاقها في المملكة، وتحديد الأولويات والمراحل الزمنية للمشروعات التي تعزز مسيرة التنمية في البلاد، فضلاً عن دعم بحوث وتقنيات المياه». وبيّن رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الدكتور محمد بن إبراهيم السويل أن المدينة هيئة علميّة بحثيّة، تبنّت دراسات تطبيقية مهمة في مجال الطاقة الشمسية منذ ثلاثة عقود، فكانت من أهم المؤسسات العلمية التي نشطت بأعمال الطاقة في العالم، والأولى في العالم العربي، علاوة على أنها بذلت جهوداً لنقل تقنيتها إلى المملكة من خلال مشاريعها الميدانية محلياً، وضمن برامج التعاون الدولي مع كل من الولايات المتحدة وألمانيا الاتحادية. ولفت النظر إلى أن المملكة قامت انطلاقاً من استراتيجيّة الخطة الوطنية، بتنفيذ مشروعات تجريبية في مجال الطاقات المتجدّدة (صديقة البيئة)، كالطاقة الشمسية، الرياح، تحلية المياه، والوقود الحيوي, موضحاً أن الرؤية قائمة من أجل إنتاج الطاقة الشمسية واستهلاكها وتصديرها ـ بإذن الله، أسوة بتصدير النفط. وأفاد الدكتور السويل بأن مشروع المبادرة الوطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسيّة تنفذه مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بالتنسيق مع وزارة المالية ووزارة المياه والكهرباء والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة ووزارة التجارة والصناعة وهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، وتشاركها في تطوير تقنيات الخلايا الشمسية والأغشية شركة آي. بي. إم الأمريكية. وركز على الأهمية الاقتصادية للمشروع بالنسبة للمملكة، مع ما له من مردود إيجابي كبير في تلبية احتياجات المجتمع من خدمات الطاقة وفق أسعار زهيدة مقارنة بباقي الدول، إضافة إلى فتح مجالات كبيرة للشباب السعودي للانخراط في العمل في مشروعات الطاقة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية للبلاد.
#2#
وذكر أن مشروع المبادرة الوطنية للمياه المالحة يعدّ أول مشروع اقتصادي بهذا الحجم في العالم العربي، لينقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في الاستفادة من الطاقة المتجدّدة والمستدامة، كما أن المشروع سيعزّز ـ بمشيئة الله ـ توجهات الدولة نحو الارتقاء بقطاع العلوم والتقنية في المملكة، لتحويلها من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مصدرة للمعرفة والتقنيات المتقدمة.
وفي الجانب ذاته، تحدث الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لمعاهد البحوث، مشيراً إلى أن المدينة تهدف من وراء هذه المبادرة الوطنية إلى التطبيق العملي للتقنيات متناهية الصغر المتطورة (النانو)، في مجال إنتاج أنظمة الطاقة الشمسية والأغشية لتحلية المياه، حيث تم تطوير هذه التقنيات من خلال مركز التميّز المشترك لأبحاث تقنية النانو بين مدينة الملك عبد العزيز، وشركة آي. بي. إم.
من جانب آخر, قال الأمير الدكتور تركي بن سعود نائب رئيس المدينة لمعاهد البحوث «إن المملكة وجدت أن تحلية المياه المالحة الخيار الاستراتيجي لتأمين مياه الشرب، نظراً لارتفاع معدل استهلاك الفرد في المملكة من المياه, الذي يعد من أعلى المعدلات في العالم, حيث يصل إلى أكثر من 250 لترا في اليوم، إضافة إلى تلبية الطلب المتزايد على مياه الشرب، نتيجة شحّ الموارد المائية الجوفية والسطحية». وأفاد بأنه تم إنشاء أكثر من 35 محطة تحلية خلال العقود الماضية بلغ معدل إنتاجها اليومي أكثر من خمسة ملايين متر مكعب من المياه المحلاة، الذي يمثل 18 في المائة من الإنتاج العالمي لمثل هذا النوع من المياه.
وأوضح أن التكلفة المرتفعة للطاقة المستخدمة في محطات التحلية من أهم أسباب ارتفاع تكلفة إنتاج المياه المحلاة (أكثر من 50 في المائة من تكلفة إنتاج المتر المكعب)، ما يؤكد أن تطوير واستخدام تقنيات الطاقة الشمسية في تحلية المياه سيسهم في تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة، وسينعكس ذلك إيجاباً على خفض تكلفة تحلية المياه وإنتاج الكهرباء.
ولفت الأمير الدكتور تركي بن سعود نائب رئيس المدينة لمعاهد البحوث إلى أن الطلب على المياه والكهرباء اللذين يعتمد إنتاجهما على مصادر الطاقة البترولية ينمو بمعدل 7 في المائة سنوياً، أي بمعدل ثلاثة أضعاف النمو السكاني للمملكة، وهذه نسبة نمو هائلة أصبحت تشكل عبئاً مالياً على إنتاج مصادر الطاقة في المملكة، لذا فإن العمل على تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة سينعكس إيجاباً على خفض تكلفة الإنتاج.
وقال: «إن المبادرة الوطنية لتحلية المياه المالحة تسعى إلى إيجاد الحلول التقنية لمشكلات الطاقة والمياه بأقل التكاليف للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني، بحيث تتم تحلية المياه المالحة بتكلفة لا تزيد على 1.5 ريال للمتر المكعب مقارنة بالتكلفة الحالية باستخدام التقنيات الحرارية التي تراوح بين 2.5 و5.5 ريال في المتر المكعب، وتقنيات الأغشية التي تراوح بين 2.5 و4.5 ريال في المتر المكعب, مبيناً أن المبادرة الوطنية تسعى أيضاً إلى تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام تقنيات الخلايا الشمسية، حيث تم تطويرها من خلال هذه المبادرة إلى أقل من 30 هللة لكل كيلواط/ ساعة، بينما التكلفة الحالية تعادل أربعة أضعاف هذه التكلفة.