كريستيان بيكر تقود حملة تصحيح صورة الإسلام في الغرب
«بدأت في البحث عن الحب، وبعد تعرفي إلى الإسلام اكتشفت أنني كنت أفتقد الحب الأسمى؛ وهو حب الله” .. كلمات قليلة لخصت بها المذيعة الأشهر في ألمانيا وأوروبا كريستيان بيكر Kristiane Backer قصة إسلامها التي هزت المجتمع الألماني تحديداً. ولم تكتف بانضمامها إلى المسلمين لتكون مجرد رقم يزيد واحداً من عددهم بل إنها رصدت ـــ بعين الإعلامي ـــ واقع الأمة الإسلامية سواء في البلاد الإسلامية أو الغربية. ووضعت كريستيان ـــ التي اختارت لنفسها اسم “زهرة” ـــ يدها على الجرح في كتابها “من قناة MTV إلى مكة”، عارضةً الحل الناجع لتقديم صورة حقيقية عن الإسلام في الغرب بديلة عن الصورة التقليدية التي يقدمها أعداء الإسلام. واتخذت من الضجة التي أثارها كتابها، فرصة لشرح حقيقة الإسلام من خلال المقابلات والندوات التي تتعرض للكتاب.
في عام 2006 زارت كريستيان مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وكان لتلك الزيارة أكبر التأثير في مجريات حياتها. فبعد أن كانت تتعامل مع ردود الأفعال فيما يخص إسلامها، أصبحت تلعب دور الفاعل، حيث تبادر بالدفاع عن هذا الدين وتصحح المفاهيم المغلوطة عنه. ويرى المراقبون أن كتابها الأول «من MTV إلى مكة» Von MTV nach Mekka بمثابة حجر ألقي في المياه الراكدة، حيث اعتاد الغرب أن يكتفي المسلمون الجدد بالدفاع عن اختيارهم فحسب. إلا أن هذا الكتاب حاولت مؤلفته أن تقدم صورة واقعية للإسلام دون إفراط أو تفريط. وتأتي أهمية الكتاب من كون صاحبته شخصية محبوبة لطالما التف حولها الشباب بصفة خاصة من خلال برامج المنوعات التي كانت تقدمها. وقد حقق الكتاب الهدف المنشود منه إلى حد كبير، حيث حلت كريستيان ضيفة على معظم القنوات الأوروبية تناقش كتابها، فضلاً عن عشرات الندوات التي عقدت لهذا الغرض؛ حتى أن ألمانيا كان لها نصيب من المحاضرات التي ألقتها في هذا الصدد. ووجد المجتمع الغربي صوتاً قوياً يفند الأكاذيب التي تنتشر حول الإسلام وتتهمه بما هو أبعد ما يكون عنه. وتقول كريستيان إن تلك المقابلات تعد فرصة ذهبية لم تضيعها لشرح الثقافة الإسلامية أمام جمهور غربي لا يعرف الكثير عنها، وتضيف أنها لا ترفض أية مقابلة أو دعوة لمحاضرة، أملاً منها لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام. وترى أن نجاح الكتاب جعلها تشعر بأن دورها قد تزايد، خاصة مع تلقيها كثيرا من الدعوات لإلقاء المحاضرات التي تجدها فرصة لطمأنة المستمعين والتخفيف من ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تجتاح أوروبا.
وترى أن الكتاب حقق ردود أفعال إيجابية إلى حد كبير ـــ وهو ما تشكر الله عليه: «إن كل وسائل الإعلام التي تناولت الكتاب أو المقابلات التي أجريت معي كانت كلها محترمة ومحايدة احترمت وجهة نظري في اعتناق الدين الإسلامي مثل «دير شبيجل» و»فرانكفورتر الجماينا» و»دي تسايت «والمقابلات العديدة في القنوات الألمانية وحتى العربية .. لحسن الحظ كانت تعليقات القراء إيجابية».
#2#
وتقول إن أحد أهم الأسباب التي دفعتها لتقديم كتابها هو افتقاد المجتمعات الغربية الأصوات التي تدعو إلى سماحة الدين الإسلامي الذي هو في الأصل رسالة سلام. وقد أوقع هذا الفهم الخاطئ المسلمين في ألمانيا وفي أوروبا في دائرة الشك وأصبحت تلك الشكوك تزيد من معاناتهم وتقوقعهم.
وترى كريستيان بيكر أن انغلاق المسلمين على أنفسهم في الدول الغربية يضر كثيراً بقضية صورة الإسلام لدى تلك المجتمعات، حيث يضيع فرصة التعريف به فضلاً عن اعتناق غير المسلمين له. وقالت في حوار مع «العربية»: «إن المسلمين الذين يعيشون في الغرب يعتبرون بمثابة رسل للإسلام في الدول الموجودين فيها. ويجب ألا ينغلقوا على أنفسهم إطلاقا، بل يجب أن يكونوا منفتحين ولا ينتظروا الآخرين أن يأتوا إليهم، عليهم المبادرة بالتقرب إلى الآخرين».
وعن سبيل تحقيق الاندماج المنشود تقول: «يجب بصفة خاصة أن يهتموا بالتعليم والتثقيف وإجادة اللغتين الإنجليزية والألمانية لأنهما ستكونان مفتاحا للحصول على وظائف جيدة تشجعهم على الانخراط في المجتمع؛ والإسلام يحث المسلمين على التعلم والتفوق. حيث إن التفوق يجعل من السهل توصيل الرسائل الإيجابية للآخرين، وأود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن الناس في بلاد المهجر تحتاج إلى دعم كبير حتى يتفوقوا في كل المجالات ويقتحموا عالم الإعلام والنشر والتأليف، بل يتفوقوا أيضا في التجارة وعليهم أيضا الدخول في عوالم الحياة العصرية كالموضة وألا يقفوا على هامش الحياة».
ويعد الإعلام من أهم بنود روشتة كريستيان بيكر لتصحيح المفاهيم في الغرب حول الإسلام. وترى أن الغرب يحتاج إلى قنوات تبث بلغات أجنبية وبصفة خاصة الإنجليزية. وتعتبر أن عدد القنوات التي تبث من دول إسلامية باللغة الإنجليزية لا يزال متواضعاً إلى حد بعيد. وتتعجب من تلك المفارقة على الرغم من وجود أموال وفيرة في منطقة الخليج ـــ على سبيل المثال ـــ فضلاً عن توافر الكوادر اللازمة لبث تلك القنوات. وتقول: «إن العالم العربي سيكسب نقاطاً لمصلحته ثقافياً ودينياً وحتى اقتصادياً. أنا أعرف أصحاب بعض المحطات التي تعمل في لندن بشكل حر ولا تتلقى دعماً، لذلك فهي ليست فاعلة بالشكل الكافي. لا بد أن يكون هناك دعم قوي وأن تكون فائقة الجودة وألا تبخل على العاملين فيها بالدعم».
ولا تنسى التذكير بأن أهم سبل التصدي للحملة العنصرية المتصاعدة ضد الإسلام في الغرب يعتمد في الأساس على التمسك بالقيم الإسلامية من الداخل وتقديم صورة إيجابية عن الشخص المسلم ومحاولة إبراز الكثير مما يجهله الغرب عن الإسلام.
ومن جانبها بدأت كريستيان بتقديم برامج حوار الأديان في محاولة منها لتقريب العالمين الإسلامي والأوروبي ـــ على حد قولها. كما شاركت في حملة Inspired by Muhammad التي تهدف لتصحيح صورة الإسلام من خلال وضع إعلانات في شوارع ومترو لندن بطريقة جذابة. وتتمنى أن تكون أول امرأة تترجم تفسير القرآن الكريم إلى الألمانية، ولتحقيق هذا الحلم تعكف على دراسة اللغة العربية بصورة مكثفة.
#3#
رحلة البحث عن الحب
تنتشر في عدد من الدول مبررات ثابتة عن اعتناق مواطنيها الإسلام بأن وراء هذا التحول قصة حب، وأن العاطفة هي السبب لاعتناق الإسلام للفوز بالمحبوب ليس إلا، بعيداً عن أية أسباب عقائدية أو فهم لهذا الدين. وجاء إشهار كريستيان إسلامها في توقيت يدحض تلك الافتراءات؛ فقد توقع المقربون منها أن تشهر إسلامها بمجرد انتشار أنباء عن علاقتها بلاعب الكريكيت الباكستاني الشهير عمران خان. ولكن هذا لم يحدث حتى بعد خروج تلك العلاقة إلى النور وظهورهما معاً بتلك الصفة. وبالفعل لم تكن هناك أية مؤشرات لاعتناقها الإسلام، وتبدد هذا الاحتمال لدى من افترضوه بنهاية العلاقة بينها وبين اللاعب المسلم. ولكن تلك العلاقة لم تمر مرور الكرام لدى المذيعة الشهيرة فقد أثارت لديها عديدا من الشكوك حول الصورة التي تقدم في الغرب للمسلمين، وأنارت في الوقت ذاته عديدا من الحقائق التي حلت طلاسم كثيرة كانت تعتمل بداخلها. وتكشف كريستيان أن علاقتها بعمران خان لم تكن هي المبرر لاعتناقها الإسلام، بل إنها كانت السبب الذي قدره الله لتقف على الطريق القويم ـــ بحسب قولها. فمن خلال تلك العلاقة عرفت كثيرا عن هذا الدين من أرض الواقع، ولمست الحقيقة الأهم التي كانت تبحث عنها؛ وهي أن هذا الدين هو دين محبة وتسامح وليس دين عنف أو إرهاب كما هي الصورة التقليدية للإسلام في الغرب. وتضيف أنها بعثورها على الحب الأسمى وهو حب الله فإنها اعتنقت الإسلام عن قناعة تامة وبدأت في التعرف على ما يتطلبه كونها مسلمة ومعرفة الواجبات المفروضة عليها والحقوق التي يمنحها لها الإسلام. ووجدت في الإسلام رسالة تلقى قبولاً ومعاني داخلها بما يقدم من إجابات لأسئلة لا تجد أجوبة لدى غير المسلمين.
وبدأت ـــ بعد تعرفها بعمران خان ـــ بالتعرف على الإسلام على المستوى الإنساني ثم المستوى الفكري بعد أن كانت مبهورة من قبل بالعمارة الإسلامية فحسب. وتقول «إن أكثر ما جذبني هو وضوح الإسلام وأن الإنسان مسؤول عن تصرفاته. فضلاً عن مبادئه التي تلاقت مع ما يعتمل بداخلي: رب واحد.. الصلاة مباشرة إلى الله.. الطفل يولد على الفطرة. وقد تعرفت على أناس مسلمين تحدثوا بحب عن الإسلام وحب الآخرين ».
تعرفت كريستيان على الإسلام من خلال عمران وبدأت تقرأ ترجمة تفسير القرآن، تبع ذلك زيارة إلى باكستان كان لها تاثير بالغ، حيث أعجبت كثيراً بكبرياء الناس رغم الفقر المدقع الذي يعيشون فيه وصراعهم اليومي من أجل الحصول على القوت، ومع كل ذلك شعور منهم بأن الله معهم ـــ وهو ما لا تعرفه الحياة المادية في الغرب.
تقول: “قبل إسلامي كنت أعاني من أزمة قوية في حياتي، فقد حصلت على كل ما يمكن للمرء أن يحلم به، لقاء كبار النجوم والتنقل والترحال وأجمل الأزياء وحضور أفخم الحفلات. لكنني لم أكن سعيدة، كانت التعاسة في أعماق قلبي والشعور بالخواء يرافقني دوماً”.
وشاهدت في باكستان كيف أن الناس يقبلون بكل حب على أعمال الخير والبر، كما وقفت بنفسها على أنشطة تطوعية عديدة منها مستشفى لعلاج الفقراء مجاناً برعاية عمران خان، وشاهدت الضياء يشع في عيون الناس واكتشفت أن الناس يحبون ويحترمون بعضهم بسبب إيمانهم الشديد بالإسلام. وتصف هذا الأمر بقولها: “شاهدت بأم عيني الفقر المدقع، وعلى الرغم من ذلك كان هناك بريق في عيون الناس، كانوا يقتسمون ما يملكون. وعندما تساءلت بيني وبين نفسي عن سر ذلك، اكتشفت أخيراً أن هذا ينبع من الإيمان بالله، فبدأت بالتعمق في الإسلام”.
كان عمران خان يعرض عليها أفكاره عن الدنيا والآخرة، ويشير دائما إلى الإسلام ويطلعها على الكتب التي يقرأها عنه، ويفند الأحكام المسبقة التي كانت عالقة بعقلها، وسرعان ما اكتشفت أن لديها كثيرا من الأحكام المسبقة وقالت إن هذه الأحكام منتشرة في جميع بلدان الغرب.
#4#
ولا تفتأ كريستيان تشكر الفرصة التي أتيحت لها للتنقل بين عديد من الدول الإسلامية، التي أتاحت لها التوغل في تلك المجتمعات الموسومة في بلادها بالعنف والإرهاب والتخلف. وساعدها هذا على اكتساب معرفة عميقة بالدين الذي يعتنقونه وبطريقة حياتهم والقيم التي أكسبها لهم الدين. وتقول – على موقعها في الإنترنت ـــ إن تلك الخبرات قادتها لدراسة الإسلام والوقوف بنفسها على حقيقة هذا الدين الغني بالقيم والروحانيات التي استشعرتها بطريقة لم تعهدها من قبل. وتحكي بانبهار عن الروح السمحة التي تسود المسلمين، ولا سيما تلك المتعلقة بأداء شعائر دينية مثل الصلاة والزكاة والصوم. وتقول إنها اكتشفت أن الدين الإسلامي يذكر كل الأنبياء ويعتبر الإيمان بهم من تمام الإيمان، فعرفت بذلك أنه دين عالمي بمبادئه وتعاليمه.
لم ترغب كريستيان بيكر في الاقتصار على دراسة الإسلام بشكل علمي فقط، بل حاولت عيشه بأحاسيسها كما تذكر صحيفة “دويتشه فيله”؛ فقد احتاجت ـــ كما تقول ـــ إلى وقت طويل لخوض هذه التجربة. وتوضح مشاعرها هذه قائلة: “لاحظت أن الإسلام هو طريق لا بد من السير فيه، إذا كنا نريد أن نعيشه بشكل فعلي. لقد أردت أن أتذوق الثمار الروحية للإسلام. وأن يصبح جزءاً من حياتي، فجلبت سجادة صلاة وبدأت بممارسة شعائر الدين”.
وتعرب عن انبهارها بالعمارة الإسلامية وكيف أنها كانت تقف مذهولة أمام روعة قصر الحمراء في غرناطة، وجمال مسجد القبة الزرقاء في تركيا، وبساطة مسجد ابن طولون في مصر، والتأثير البيزنطي في المسجد الأموي في سوريا. فضلاً عن البوابات والقلاع في فاس والقاهرة وحلب وغيرها.
وتذكر أن ولهها بالبحث في الفن الإسلامي جعلها تقتنع بأن الفنان المسلم يعتبر أن ما يؤديه ليس مجرد مبنى أو حلية وإنما نوع من التقرب إلى الخالق المبدع، مشيرة إلى أنهم يضعون نصب أعينهم أن الله جميل يحب الجمال.
الاضطهاد في بلاد الحريات!
لم يكن خبر إشهار مذيعة القناة الموسيقية إسلامها بالخبر الذي يمر بشكل طبيعي في ألمانيا التي تحتل الإسلاموفوبيا فيها مكانة لا يمكن إهمالها، على الرغم من أن كريستيان تقيم في لندن. فظاهرة الخوف من الإسلام تطل برأسها في جميع المحافل على اختلاف توجهاتها، حتى بلغت أوجها بارتكاب جرائم قتل لمجرد ارتداء الحجاب كما حدث مع المصرية الدكتورة مروة الشربيني التي لقبت بشهيدة الحجاب، والتي أغتيلت في ساحة المحكمة. كما ظهر الحقد على الإسلام بمنح المستشارة الألمانية جائزة للصحيفة التي نشرت الصور المسيئة للرسول ـــ صلى الله عليه وسلم.
في أجواء كتلك لم يكن إشهار نجمة بشهرة كريستيان بيكر إسلامها بالأمر الهين، ولا سيما مع الحملة المسعورة للحد من أعداد المسلمين في ألمانيا الذي تجاوز 5 ملايين مسلم. وزاد من خطورة الأمر حقيقة أن أغلبية الذين يدخلون الإسلام في ألمانيا من النساء اللاتي يقررن طواعية الدخول في الإسلام بل إنهن ينتظمن داخل جمعيات المساجد ويمارسن عديدا من الأنشطة الدينية باللغة الألمانية. وأصبح إسلام كريستيان ـــ حتى وإن كانت تقيم في لندن ـــ بمثابة توسيع لقاعدة من يعتنق هذا الدين في دولة تخشى تنامي أعداد المسلمين فيها.
وبدأت الحرب الشعواء على المذيعة اللامعة بدءاًَ من التجريح الشخصي والإهانات، إلى وقف برنامجها الشهير الذي ذاع صيته في أوروبا بأسرها، ثم طردها من القناة. إلا أنها لم تستسلم بل إنها قررت الثبات أمام الهجوم الشرس الذي تتعرض له، وبات عليها مواجهة الإعلام الألماني الذي لم يدخر وسعاً في الهجوم عليها ـــ ولا يزال ـــ فضلاً عن حالة الاغتراب التي تعيشها بعد أن لفظها المقربون منها بعد قرارها اعتناق الإسلام. وبلغ الأمر أن أصدقاءها هددوها بمقاطعتها إذا رددت لفظ الجلالة أمامهم مما اضطرها للتوقف لفترة عن الخوض في أية موضوعات ذات صبغة دينية. وشيئاً فشيئاً بدأت تذيب الفتور الذي خلقه المحيطون بها وعلى رأسهم أسرتها التي تنتمي إلى الكنيسة الإنجيلية. وتعبر عن ذلك بقولها: “عائلتي اليوم مسرورة بعد خوض عدد من النقاشات حول دخولي الإسلام، وهي الآن مقتنعة بأن إسلامي جعلني سيدة أكثر طاعة لله؛ فعائلتي استفادت من إسلامي وهي أولويتي في الحياة الآن”.
“إيماني ساعدني على تخطي الأوقات الصعبة ولم أشعر بالندم على ضياع النجومية والمال”.. بثقة واعتداد ترددها كريستيان في كل المقابلات التي تجرى معها. وتروي كيف أنها وجدت بعض التفهم والتسامح من الأسرة وعدد قليل من الأصدقاء، إلا أن الأمر يختلف كثيراً بالنسبة للإعلام الألماني الذي لم يغفر لها اعتناقها دين التوحيد. يضاف إلى هذا دفعها ضريبة اختيارها؛ المتمثلة في انحسار الأضواء عنها بعد أن كانت المذيعة الأشهر لبرامج المنوعات الشبابية في أوروبا. وكانت البداية بخبر نشرته صحيفة “فيلت أم زونتاج” الألمانية في 1995 تحت عنوان “اليوم تؤدي كريستيان خمس صلوات في اليوم”، وشنت الصحيفة هجوماً عنيفاً عليها وتهكمت على مذيعة البرامج الموسيقية التي تؤدي فروض المسلمين. وما إن ظهرت ضيفة في بعض البرامج لتدافع عن قرارها وعن صورة الدين الحنيف، إلا وانهالت عليها المداخلات المتطرفة الغاضبة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فمع أول ظهور لها كمسلمة أبلغتها إدارة قناة Bravo للشباب بعدم تجديد عقدها، بعد أن بذلت القناة كل جهدها لإقناع المذيعة اللامعة بالانضمام إليها. وبعد أسابيع تم تسريحها من قناة MTV التي كانت أول ألمانية تعمل فيها لتنهي رحلة نجاح أسهمت كثيراً في رفع أسهم القناة على مستوى القارة. وقد بدأت الحرب الشعواء قبل حتى أن تدخل الإسلام، فقبلها بشهر أثناء الاحتفال بالحلقة المئوية لأحد برامجها صرحت بأنها مسلمة بالقلب.
ثبتت كريستيان على موقفها بإيمان راسخ ساعدها على قبول أية خسائر من هذا النوع، ولم تلتفت كثيراً إلى السنوات التي توهجت فيها شهرتها وبلغت أوجها. فقد بدأت رحلتها في سن الحادية والعشرين عندما التحقت بإذاعة هامبورج للتدريب كمحررة إذاعية لمدة عامين. إلا أن الفرصة الذهبية تمثلت في اختيارها من بين آلاف المتقدمات لتكون أول مقدمة برامج ألمانية للمحطة الموسيقية لقناة MTV Europe. وكان الشرط الوحيد لبدئها العمل هو الانتقال إلى لندن في 1989. وكان انتقالها إلى لندن من العلامات الفارقة في حياتها إذ لم تخف انبهارها بالتعددية الثقافية التي تمتاز بها لندن على عكس المجتمع الألماني. وسرعان ما أسهمت برامجها في انتشار القناة التي طبقت شهرتها الآفاق في ألمانيا والدول الاسكندنافية بشكل خاص. وفي 1992 حملت شعلة دورة الألعاب الأولمبية في إسبانيا كممثلة للقناة. ورفضت عديدا من العروض التي قدمت لها، إلا أنها قبلت عرضاً ألمانيا لتقديم برنامج لقناة Bravo TV. وعرض عليها التلفزيون الألماني منصباً إدارياً للإشراف على البرامج الموسيقية وتدريب المذيعين، إلا أنها رفضت هذا العرض .. كل هذا تلاشى مع إشهارها الإسلام، فيما تعرب هي عن رغبتها في تقديم برنامج من خلال القنوات العربية الناطقة بالإنجليزية. تجدر الإشارة إلى أنها زارت ـــ بعد إسلامها ـــ عديدا من الدول العربية من بينها قطر والإمارات ومصر التي كرمها رئيسها في إحدى المناسبات الدينية.