التكافل في أمريكا الشمالية: وجهة نظر عالمية لمنظور محلي
ما التحديات التي يواجهها التأمين الإسلامي في كندا والولايات المتحدة؟ وما الآمال المعقودة على سوق أمريكا الشمالية؟ لقد عقدت جمعية البعد عن الربا في أمريكا الشمالية مؤتمراً متخصصاً في مدينة تورنتو خلال الفترة الأخيرة، ضم مختصين دوليين للإجابة عن مثل هذه الأسئلة، وأسئلة أخرى ذات علاقة بهذا الموضوع.
#2#
شهد التأمين الإسلامي (التكافل) معدلات نمو متسارعة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك في أجزاء من آسيا، وأوروبا. ومع ذلك، ما زال عليه أن يجد له مكاناً داخل صناعة التأمين في أمريكا الشمالية التي هي مكان ملائم للتأمين الإسلامي من حيث رغبة المستهلكين في الاستثمار فيها حين يجدون ظروفاً ملائمة لقيمهم، ومحققة للمنافع الاقتصادية التي ينشدونها. غير أنه لا ينبغي أن يقتصر التكافل على فئة قليلة من المستثمرين تشكل جماعة خاصة في الأسواق، وذلك لأن مزاياه يمكن أن تجذب كثيرا من المستثمرين، كما أن وضوح المسؤولية الاجتماعية فيه يزيد من جاذبية التعامل به على نطاق واسع. ويضاف إلى ذلك الحرص المعلن على الاستثمار من أجل منفعة المجتمع ككل، وبما يراعي شروط المحافظة على البيئة.
هنالك فروق واسعة بين التكافل والتأمين التقليدي على الرغم من أن بين الاثنين كثيرا من القواسم المشتركة. ويقدم التكافل حماية مالية ضد المخاطر غير المرئية بما يشبه عمل التأمين التقليدي. وهو يقوم كذلك على القواعد العلمية ذاتها، والأساليب الاكتوارية فيما يتعلق بأمور كثيرة تتعلق بمعدلات الحياة، ومعدلات الوفاة، ونسب الخسائر، والخبرات المتعلقة بالمطالبات المالية، والتدفقات النقدية المخصومة فيما يتعلق بحساب ثمن المخاطر، وتقييم المطلوبات. ويتشابه التأمين الإسلامي مع التأمين التقليدي المتبادل، بما أن حاملي بوالصه يمتلكون، من حيث المفهوم، تجمع التكافل التعاوني. غير أن مساهمي التكافل يعملون على دعم التنمية، وخطط التوسع، وذلك على النقيض من التأمين التقليدي.
وإن التأمين هو تخفيض المخاطر من خلال تطبيق القانون على أعداد كبيرة. والتكافل يماثل ذلك باستثناء أن معناه الأساسي يتعلق بالحماية المتبادلة بين أعداد كبيرة من الناس هم أولئك الذين يحرصون على تبادل المساعدة، كما أن تجمع أموالهم يمضي إلى ما هو أبعد من ذلك كي يساعد المجتمع، ويعمل على المحافظة على البيئة.
إذا سألنا أي شخص عن معنى التأمين، فإن الإجابة هي أنه شراء الحماية من شركة تأمين. وحين نوجه السؤال ذاته بخصوص التكافل، فإن من المفترض أن تكون الإجابة هي حماية البعض للبعض الآخر. وهنالك إحساس بعامل التبادل، وهو مفهوم مرتبط بشركات التبادل، باستثناء أن هذه الشركات قد تراعي جوانب أخلاقية على أساس الاختيار، وليس تنفيذاً للالتزام، وبالتالي فإن الاستثمارات الأخلاقية ليست أمراً واجباً لديها.
إن نظام التقيد في التكافل يقصد به جعله دون استغلال، مع وجود هامش قليل، أو عدم وجود أي هامش لسوء التفسير. وتستثمر الأموال الناجمة عنه في توليد التجارة، والثروات، وتوفير الوظائف، وليس مجرد توليد الأموال بناءً على قواعد مالية مستندة إلى تقاضي الفوائد.
#3#
إن التكافل يعبر عن خلاصة التأمين بأسلوب قائم على تقاسم المسؤولية، أو على التكاتف بين أولئك الذين يشتركون فيه، ويحرصون في الوقت ذاته على تحقيق الخير للجميع. ويتم تحويل المخاطرة من الفرد إلى العموم، حيث تكون مشتركة بين الجميع، دون أن يتم تحويلها إلى طرف ثالث. وأما في التأمين التقليدي، فإن المخاطر تتحول من عدد كبير من الناس إلى جهة واحدة، هي بالطيع شركة التأمين.
تطور التكافل حول العالم
بدأ التكافل في عام 1979، ونما بحيث أصبح صناعة قائمة بذاتها، ولا سيما خلال الأعوام الخمسة، أو الستة الأخيرة، وذلك في ظل نمو ثابت، وسريع لعدد من الشركات. وهنالك تقديرات تفيد بأن هنالك 150 شركة تكافل، ونوافذ تكافلية، على مستوى العالم.
وقد شهدت هذه الصناعة نمواً سريعاً في ماليزيا، حيث بلغ معدله 30 في المائة خلال السنوات الأخيرة، مقابل 20 في بعض مناطق الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن هذه المعدلات يمكن أن تبدو معتدلة إذا قورنت بما لدى أسواق أخرى من احتمالات للتطور بالغ السرعة لهذه الصناعة الوليدة. وهنالك أسواق واعدة للغاية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وآسيا، وإفريقيا، حيث نجد كثيرا من الأطراف ذات العلاقة بصناعة التأمين التي لا تزال متخندقة وراء التأمين التقليدي، وتقول إن التكافل لا يمثل سوى شريحة ضيقة للغاية من أسواق التأمين. وينبغي أن يكون التكافل، بما يحرص عليه من مراعاة المبادئ الأخلاقية، هو الاتجاه السائد في عالم التأمين، وذلك لأنه يركز بصورة دائمة على المصالح الشاملة للمستهلكين.
#4#
الحقيقة أن هذا الجانب الاجتماعي كان وراء تأسيس عدد كبير من شركات التكافل خلال السنوات القليلة الماضية. وقد ظل كثير من مسؤولي الشركات الكبرى يجادلون منذ فترة بعيدة بأن التأمين التقليدي يقدم منافع التكافل ذاتها. غير أن الأمر يشهد تغيراً، حيث إن لدى عدد من الشركات العالمية الكبرى فروع تكافل، أو نوافذ تكافل في الوقت الراهن. ومن بين أكبر تلك الشركات طوكيو مارين، والمجموعة الأمريكية الدولية، وHSBC للتأمين في زيوريخ، وAXA،وميونيخ رو، وسويس رو. وتعمل شركة طوكيو مارين في المملكة العربية السعودية منذ عام 1967. وكانت أول شركة عالمية تمارس التكافل كمنتج تأميني لديها في هذه السوق في عام 2001. وبحلول يناير عام 2008، كانت هذه الشركة تقدم خدمات التكافل في المملكة العربية السعودية، وماليزيا، وإندونيسيا.
إن لدى هذه الشركة، إضافة إلى ذلك، شركة للتكافل العائلي (وهي شركة تأمين ملتزمة بقواعد الشريعة الإسلامية) في سنغافورة. وقد قدرت أقساط التكافل في العالم بمبلغ 3.4 مليار دولار في عام 2007، باستثناء إيران، حيث يمكن أن يصل هذا المبلغ إلى 7.5 مليار دولار، أي أكثر من الضعف إذا شملنا إيران في هذه التقديرات. وتقدر المصادر المطلعة أن نحو 40 في المائة من التكافل العالمي يخص التكافل العائلي.
إن لدى أسواق التأمين الإسلامي احتمالات جيدة للغاية للنمو والانتشار، حيث تتركز مناطق ذلك في الجزء الأوسط من منحنى بياني بشكل حرف S باللغة الإنجليزية. ويظهر ذلك في الشكل البياني: احتمالات المنحنى البياني S: الفجوة الفاصلة، أو الفرصة.
يضم هذا المنحنى البياني البلدان ذات العلاقة، حسب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وأقساط التأمين على الحياة. وتظهر المنطقة المظللة منه مثالاً على الفجوات الواسعة الموجودة في عدد من البلدان. وإذا كانت ديناميكيات الأسواق صحيحة فيما يتعلق بالأساسيات الاقتصادية، والسياسية، والتنمية الاجتماعية، وضرائب الدخل، والوعي التأميني، فإنه لا يوجد أي سبب مانع كي يصبح التكافل هو المفتاح الرئيسي للنجاح في اختراقات كبرى لأسواق التأمين في المستقبل.
#5#
كان الفرد السعودي ينفق 6 دولارات من دخله السنوي على التأمين على الحياة في عام 2008. غير أنه في بلدان أخرى ذات ناتج محلي إجمالي أقل، مثل ماليزيا، فإن إنفاق الفرد السنوي على التأمين على الحياة يبلغ 226 دولاراً. وكانت حصة الفرد من ذلك في كندا 1433 دولاراً، حيث إن حصة ذلك الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 39.100 دولار. وليس من المفاجئ أن النمو السنوي المركب لصناعة التأمين في بلدان الجزء الأوسط من منحنى S مرتفع للغاية. ويظهر الشكلان البيانيان ذلك الاتجاه في نمو التأمين في الفترة 2000 – 2008 في سياق حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
كان نمو التأمين الإجمالي في العالم 9 في المائة. وقد شهد معظم البلدان ذات الإمكانات المرتفعة لانتشار التكافل معدلات نمو أعلى من ذلك، حيث تظهر كندا معدلاً للنمو بلغ 12 في المائة سنوياً، إذ من الواضح أن ذلك أعلى من المعدل العالمي، وأعلى من المعدل السائد في كثير من الأسواق الناضجة، مثل أسواق المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، واليابان.
وبينما نلاحظ أن الوعي التأميني ضعيف في كثير من الأسواق بسبب أمور ثقافية، فإن لدى التكافل عديدا من فرص النمو والانتشار. ولقد أظهرت البلدان الواقعة في منتصف المنحنى S معدلات نمو تأميني سنوي عالية للغاية فيما يتعلق بالتأمين على الحياة، حيث بلغ المعدل 15 في المائة في ماليزيا، و17 في المائة في مصر، و24 في المائة في إندونيسيا، و32 في المائة في الإمارات العربية المتحدة، و37 في المائة في المملكة العربية السعودية، بينما سجلت كندا بخصوص معدل نمو التأمين على الحياة ما نسبته 9 في المائة، أي أعلى بكثير من معدل النمو الأمريكي في التأمين على الحياة الذي بلغ 4 في المائة فقط. وكان معدل النمو العالمي بخصوص هذا الفرع من التأمين 6 في المائة سنوياً في الفترة 2000 – 2008.
#6#
تقدر مبالغ التأمين التكافلي في العالم بـ 7.7 مليار دولار في عام 2012، كما يتوقع أن تصل هذه المبالغ إلى 14 مليار دولار بحلول عام 2015، وذلك في الوقت الذي يتم فيه إنشاء شركات جديدة تزداد رسوخاً في دول مجلس التعاون الخليجي، وبصفة خاصة في المملكة العربية السعودية. كما أن فرص النمو عالية في دول الهلال الخصيب، إضافة إلى احتمال نمو مرتفع في جنوب شرق آسيا، ومنطقة آسيا الباسيفيكية، حيث تقود الركب باكستان، وماليزيا، وإندونيسيا. وتعتبر أوروبا من الأسواق القوية الواعدة من حيث نمو، وانتشار التكافل، إذ تتم دراسة عدد من المبادرات على صعيد تلك القارة. وقد وصلت مبالغ التكافل في عام 2007 إلى 3.7 مليار دولار.
من المنتظر كذلك حدوث نمو كبير في موجودات التكافل لتصل إلى ما يراوح بين 30 و40 مليار دولار بحلول عام 2115، حيث يمكن أن يشكل التكافل العائلي نحو 40 في المائة من ذلك.
كان هنالك نحو 41 شركة في عام 2002 تقدم خدمات التأمين الإسلامي (سواء في صورة شركات تكافل، أو نوافذ تأمين إسلامي لدى شركات التأمين التقليدية)، وذلك في 23 بلداً حول العالم، وكانت النوافذ التي تقدم مثل هذه الخدمات التأمينية الإسلامية تشكل نحو 5 في المائة من المجموع. وقد ازداد عدد المؤسسات التي تقدم خدمات التكافل بأكثر من أربعة أضعاف ليبلغ عددها 179 مؤسسة خلال ست سنوات تنتهي في سبتمبر 2008، وذلك في 32 بلداً. وتشكل نوافذ التكافل 20 في المائة من المجموع (36 نافذة)، وهو الأمر الذي يوضح النمو السريع لعدد شركات التأمين التقليدية الراغبة في تقديم خدمات التأمين الإسلامي، حيث تحرص على الدفاع عن حصتها القائمة في أسواق التأمين العالمية، وكذلك على التوسع المستقبلي في هذا الاتجاه.
#7#
وينبغي لنظام التكافل، ومنتجاته، إصابة الوتر الصحيح لدى الزبائن على عدة مستويات، بحيث يحقق الأمور التالية:
أن تكون المنتجات والخدمات متوازنة تماماً مع القيم والمعتقدات.
أن تكون المنتجات منافسة، على الرغم من وجود تحديات في هذا المجال إذا لم يتوافر مزيج ملائم من الاستثمارات الملتزمة بقواعد الشريعة الإسلامية.
< لا بد من تخصيص الأموال في موجودات، ونشاطات عملية جيدة للمجتمع، ومراعية لمبادئ المحافظة على البيئة.
< لا بد أن تكون المنتجات شفافة، وقائمة على الثقة المتبادلة، وروح التعاون. ويجب تلبية توقعات الزبائن حسب استحقاقاتها، كما يجب أن يحصلوا على حصة من الفائض في حالة عدم وجود المطالبات، إذا كان صندوق الاستثمار يحقق فائضاً فعلياً.
في ظل هذه الخصائص الجذابة للتكافل، كانت تجربة من عملوا في ذلك في ماليزيا مواتية تماماً، حيث إن الناس الذين اشتروا بوالص التكافل في ذلك البلد كانوا من بين المسلمين، وغير المسلمين من السكان.
لقد واجه ممارسو التكافل في بلدان أخرى من العالم التحديات ذاتها الموجودة في الوقت الراهن في أمريكا الشمالية. وكان كثير من التنفيذيين في منطقة الشرق الأوسط في التسعينيات من القرن الماضي يرفضون التكافل في بداية الأمر، غير أن السنوات الخمسة عشرة التالية لذلك شهدت تحولاً رئيسياً في تلك الأسواق. وانتهى الأمر بعدد من أولئك التنفيذيين إلى إنشاء شركات تكافل، ونشاطات عملية قائمة على ذلك، حيث استطاعوا تقديم عوائد جيدة لكل من الزبائن، وحملة الأسهم.
#8#
لماذا لم يتجذر التكافل الإسلامي في أمريكا الشمالية لغاية الآن؟ وهل يعود ذلك إلى أنه ليس مفهوماً بصورة كافية من جانب صناعة التأمين في تلك المنطقة، أم أن عوائق التنظيم، والاستثمار تبدو عقبات كبيرة للغاية بما يؤدي إلى تحديات على صعيد التسعير، والعوائد على رأس المال؟ وما الإجراءات الواجب اتخاذها لجعل التكافل صناعة نامية في كندا، والولايات المتحدة؟
هنالك واحد من الخيارات يدعو إلى التمعن بدقة في التجربة الإندونيسية، حيث سمح المنظمون لشركات التأمين التقليدية بافتتاح نوافذ تكافل فيها. وقد أدى ذلك إلى انتشار سريع للغاية لتلك النوافذ، حيث بلغ عددها 30 نافذة بحلول عام 2008، وذلك تلبية لطلب مرتفع. وبعد أن لاحظت جهات التنظيم نمواً جيداً في محافظ التكافل ضمن تلك النوافذ، طلبت من الشركات تخصيص مستوى من رأس المال لأغراض النشاطات العملية ذات الارتباط بالتكافل من خلال تلك النوافذ. وقد تكون الخطوة المقبلة من جانب جهات التنظيم أن تطلب من تلك الشركات ترتيب شرائح لتحويل تلك النوافذ إلى فروع منفصلة، أو تحويل كل نشاطها العملي كي يصبح تكافلياً.
إن الطريق الذي ينبغي سلوكه هو التوصل إلى حلول مؤقتة إلى أن يحين الظرف الملائم للحلول الدائمة، بشرط أن تتوافر لدينا الإرادة القوية لدعم هذا النظام الذي يعتبر عادلاً لكل الجهات المستفيدة منه، أي الزبائن، وحملة الأسهم، والموظفين، والمجتمع على نطاقه الواسع. وفيما يلي بعض التحديات القائمة في وجه انتشار التكافل في أمريكا الشمالية:
< تسعير المنتجات بصورة تنافسية، حيث يتعلق الأمر بالعوائد على الموجودات الملتزمة بقواعد الشريعة الإسلامية المتوافرة، وغير المتوافرة على النطاق المحلي.
< الترويج لنظام التكافل على نحو سليم، وضمان تلبية توقعات الزبائن بصورة كاملة. ويتضمن ذلك روح التعاون، وخدمة المجتمع، وكيفية مساهمة الأموال في إيجاد صدقية التعامل وفقاً للشريعة الإسلامية، ووسائل المحافظة على ذلك.
هنالك عدد كبير من المسلمين في كندا، والولايات المتحدة، كما أن هنالك أعداداً كبيرة من الناس الذين يرون أن من المناسب توجيه الأموال نحو منفعة العموم. ويتطور التكافل على نحو واسع في كثير من أنحاء العالم، وبإمكانه أن يحقق مثل ذلك في أمريكا الشمالية. ومن المفترض أن الشركات التي تتولى زمام القيادة في تأمين حصص سوقية ملائمة لها، بوجود إدارة محترفة، وتصنيف جيد، هي التي سوف تقطف ثمار هذا التوسع في هذا النشاط العملي. وإن أي جهة ترغب في تطوير التكافل في أمريكا الشمالية يمكن أن تستفيد من دراسة التجارب الناجحة، وغير الناجحة بهذا الخصوص في الأسواق الأخرى، وذلك كي تعرف كيف حاول الآخرون التغلب على التحديات.