التسـويق في الأمثال الشعبية
كل المجتمعات لها تراث شعبي تفتخر به وتحافظ عليه، وترى فيه تاريخها وعمقها الزمني، وتعده الجسر الذي يربط جيلها الحاضر بأجيالها السابقة.
وللتراث الشعبي في المجتمعات الإسلامية قيمته وأهميته بقدر ما يسهم في تنمية الأخلاق والقيم ويحافظ على اللغة والدين، وقد كان للتراث الشعبي في الجزيرة العربية دور في التأكيد على بعض الأخلاق الإسلامية مثل الكرم والشجاعة والتعاون ونصرة المظلوم والقيام بحق الجار مما يستحق أن يبرز وينشر.
وبحكم أن أهل الجزيرة العربية ليسوا بأهل زراعة وفلاحة، حيث إن بلادهم تفتقر إلى الأمطار وتتميز بالمناخ الحار، فقد ساعد ذلك أهلها على امتهان المهن الحرة والاشتغال بالتجارة والبيع والشراء والرعي. لذلك تميزوا في هذا الجانب وعرفوا بشطارتهم وتفوقهم وجودة بضاعتهم وصدق معاملتهم .. وبرز منهم تجار صنعوا لهم سمعة واسماً ما زال بريقه لامعا إلى عصرنا الحاضر. ولأن الأمثال الشعبية في الغالب تعبر عن آراء القوم وكيف كانوا يفكرون؛ وهي صوتهم الذي يَعبرون من خلاله عن نظرتهم إلى الأشياء وتصورهم عن أحداث الحياة، لذلك قف معي قارئ على بعض الأمثلة التي كانت معروفة في وسط الجزيرة العربية، وكانت متداولة بين التجار والباعة، لنعرف من خلالها مدى ما كان يتمتع به آباؤنا الأوائل من ذكاء تجاري وحسن نظر وتقدير في مجال البيع والشراء.
''إلى غبنوك بالفلوس اغبنهم بالجلوس''
يقصد هذا المثل أنه إذا كان منافسوك وزملاؤك في العمل التجاري أكثر نقودا وبيعا منك، فكن أنت أكثر منهم ملازمة لمتجرك، وواظب على الجلوس فيه تكن أكثر تصريفا لبضاعتك، وبذلك تكون أكثر ربحا منهم. لقد علم الأولون بحسهم التجاري أن خدمة الزبون والمشتري والحرص على أن يكون المحل متاحا للعميل في أوقات يغلق فيها المنافسون متاجرهم يعطي مزية وقيمة للمحل ويساعد على نجاحه وتفوقه.
''نصف المال نظرة''
أي أن نصف تقدير قيمة البضاعة المعروضة للبيع يرجع إلى حسن منظرها وطريقة عرضها، ويضرب هذا المثل في الحث على الاعتناء بمظهر البضاعة وتقديمها بالشكل الجذاب. وقد أصبح المبدأ يعرف في العلم الحديث بمبدأ التغليف Packaging، وهو من أهم الأدوات التي تستخدمها الشركات الكبيرة في تسويق وإنجاح منتجاتها. ويشمل دراسة اللون وطريقة الكتابة والحجم والشكل ونوع المواد المستخدمة في التغليف الخارجي.
''لا تترك زبون برجا زبون''
ومعناه لا تترك البيع إلى شخص مقبل على الشراء رجاء أن يأتي غيره فيدفع أكثر منه، لأن الشخص المرجو قد لا يأتي إطلاقا. والمقصود من هذا المثل الحث على اغتنام البيع للزبون الحاضر وتوجيه كل الاهتمام له والتأكيد على تلبية رغباته واحتياجاته، واعتباره هو العميل المهم، وليس العميل المتوقع أو المأمول. لأن العميل إذا كان راضيا عن جودة وسعر منتجك، فتأكد أنه سيجلب لك أكثر من زبون، أما إذا كان غير راض عن منتجك، فإنه سيخبر عددا أكثر من الزبائن المحتملين لك عن تجربته الفاشلة مع متجرك.
''اقضب المَفُرَص ولا تحرص''
المفرص: المكان الفرصة، والمعنى امسك المكان المناسب لعرض بضاعتك، ولا تحرص على الناس ليشتروها منك، لأنهم بطبيعة الحال سيقبلون على الشراء من تلقاء أنفسهم. والمقصود منه الحرص على اختيار المكان المناسب وجعل البضاعة في متناول الزبون المرغوب. فالتوفيق في اختيار المكان الجيد يعد من أكبر العوامل التي تساعد على ترويج المنتج ونجاح المحل، وهذا المثل يؤكد تقدير أولئك التجار أهمية المكان، الذي يعد أحد الأعمدة الأربعة التي يقوم عليها الفكر التسويقي الحديث.
إن أصحاب هذه الرؤى لم يدرسوا في المعاهد الغربية، ولم يقرأوا كتب ''كوتلر'' أو ''بيترز''، ولكن علمتهم تجارب الواقع، وصقلت مواهبهم جامعة الحياة، والمنتظر ممن كان هؤلاء آباؤهم أن يقدموا نظرتهم الخاصة وفكرهم المستقل في جميع جوانب الإدارة والتسويق، ليثروا هذه العلوم، وليسهموا في رفع حضارة أمتهم ومجتمعاتهم.