الحج ونسائم الحرم
إن من كبرى النعم على هذه البلاد احتضانها الحرمين الشريفين، المسجد الحرام والمسجد النبوي، فبينهما يأرز الإيمان، فإذا شدك الوجد لنسائم الحرم المكي ولزمزم والحطيم ولمروة والصفا، ولتلك البقاع الطاهرة والنسائم العطرة، فالطرق مهيأة والسبل ميسرة، فكم من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من يتمنى رؤية المشاعر المقدسة وقضاء حجة الإسلام لم تسعفهم النفقة في ذلك.
يا راحلين إلـى منـى بقيـادي
هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتـي
الشوق أقلقني وصوت الحـادي
وحرمتموا جفني المنام ببعدكـم
يا ساكنين المنحنـى والـوادي
ويلوح لي مابين زمزم والصفـا
عند المقام سمعت صوت منادي
وإن الحديث عن الحج حديث عن شعيرة من شعائر الإسلام يجب أن يظهر فيه سلوك المسلم وحضارة الإسلام من الحرص على النظام والنظافة والتعاون ونبذ الفرقة. إن الحج مناسبة عظيمة للصفاء والتسامي وربما كان ارتداء البياض رمزا لهذا.
لبسوا ثياب البيض شارات اللقاء
وأنا الملوع قد لبسـت سـوادي
كما أن الحج مؤتمر من مؤتمرات حقوق الإنسان في الإسلام فالناس سواسية، غنيهم وفقيرهم، الكل يرتدي هاتين القطعتين من القماش، الرداء والإزار، يجب أن تحضر هذه المعاني على مستوى التطبيق، كما هي حاضرة على مستوى النظرية، إلا أن المؤسف حقاً ما نراه من بعض الحجاج وغياب الوعي في الاهتمام بنظافة المشاعر والمرافق العامة، وقل مثل هذا في قضية الافتراش على الأرصفة وفي الشوارع وما يترتب على هذا من إغلاق ممرات وشوارع المشاة، على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة في تسخير كل الطاقات التي من شأنها تيسير هذا النسك العظيم للمسلمين، وأنا أعجب من بعض الممارسات التي تبدر من بعض الحجاج ومن ضمنهم حجاج الداخل الذين يفترض أن يكونوا قدوة وأنموذجا يحتذى بهم، ومن ذلك استشعار التعبد لله بالنظافة والنظام والمساهمة في سلاسة الحج، لا كما يقصر البعض العبادة في الشعائر فقط المبنية أحياناً على الأنانية والأثرة، وإلا فسروا لي كيف يهنأ لحاج بال في تهيئة مكان له على حساب تعثر المشاة وإغلاق الطرق، وهذا تماماً مثل الذي يأتي إلى الصلاة بسيارته مسرعاً ولحرصه على عدم فواتها يوقف السيارة في منتصف الطريق أو يغلق على سيارات الآخرين – فقه الأثرة – ولا شك أن هذه الشريحة قد غاب عنهم فضل الخير المتعدي في الإسلام (مساعدة الناس، السعي على الأرملة والمسكين،..) وأنه أفضل من الخير اللازم الذي يقتصر أجره على صاحبه (صلاة النافلة، صيام النافلة،..).
كما أننا يجب أن نشيد بالجهود التي تبذلها الدولة ـ رعاها الله ـ في تذليل الصعوبات وتوفير الخدمات للحجاج، ولا ينكر هذا إلا مكابر أو مغرض، ولعلنا نتذكر كيف كانت الجمرات وما يحدث عندها من التدافع والزحام الذي ربما أودى إلى وفيات، وأنا أتذكر كيف كانت تبلغ القلوب الحناجر إذا وصلنا منسك الجمرات لا سيما يوم العيد، ثم كيف أصبحت الجمرات الآن من السلاسة والتنظيم. هذا يُكتب بأسطر من نور في جبين التاريخ، هذا لله وللتاريخ.
ثم لعل من الأهمية الإشارة إلى أننا كلنا في موقع المسؤولية، فالمواطن بل المسلم أياً كان لونه وعرقه هو رجل الأمن الأول، ولذا فحريٌ بنا استشعار هذا الأمر.
تالله ما أحلى المبيت على منـى
في ليل عيد أجمع الأعيـادي
فإذا وصلتـم سالميـن فبلغـوا
مني السلام أُهيـل ذاك الـوادي
صلى عليك الله يا علـم الهـدى
ما سار ركب أو ترنـم حـادي
تقبل الله من الحجاج حجهم، ودمتم بخير