قصاص الأثر .. مهنة البحث عن الهاربين والتائهين بين خفايا الرمال

قصاص الأثر .. مهنة البحث عن الهاربين والتائهين بين خفايا الرمال

تعتمد مهنة معرفة قص الأثر وتحديد اتجاهه ومكانه - بعد توفيق الله -، على الفراسة وصفاء الذهن، تساندها خبرة طويلة.
ومع تطور الأجهزة الحديثة والاستعانة بها في كثير من أمور الحياة، إلا أن قصاص الأثر ما زال اليوم يحتل مكانه مرموقة، ويحظى بالتقدير والإعجاب، وتستعين به الجهات الأمنية للبحث عن الفارين من وجه العدالة أو من تاهت بهم السبل، إضافة إلى الاستعانة به من قبل أهل القرى والهجر البعيدة للبحث عن إبلهم الضالة في الصحاري.
في إحدى القرى الواقعة شرقي منطقة عسير، التي تعد واحة خضراء في أطراف صحراء برمالها الذهبية، حيث يوجد الصفاء والنسمات العليلة والهدوء التام، لا يقطعه إلا حفيف أشجار النخيل الباسقة، أو التمتع بالنظر إلى سحابة بيضاء تقطع تلك الفيافي ذهابا وإيابا ــــــــــــ يسكن أحد قصاصي الأثر وهو أحد سكان البادية ــــــــــــــ فرج بن ظافر المشعلي، ويبلغ من العمر 50 عاما، ويعمل في قص الأثر منذ أكثر من 30 عاما. وهي مهنة ورثها من آبائه وأجداده.
وقال: هي في الأساس منحة من الله عز وجل للإنسان، وتعلمنا في الصحراء منذ نعومة أظافرنا من (جُرة) الإبل، وكسبنا منها خبرة كبيرة في الممارسة ومعرفة الاتجاه. ونواجه في بعض الأحيان صعوبة في تحديد الأثر أثناء هطول الأمطار، أو الرياح القوية التي تثير الرمال وتغطي عليه، أو في المناطق الجبلية. وفي مثل هذه الظروف نتسلح بالصبر ثم بالخبرة.
وأضاف وهو يشرح على الأرض موقع قدم عابر: عند مشاهدتي لموقع الأثر أول مرة في مكان الحادثة فإنه يرتسم تماما في ذاكرتي شكلا وحجما، ويبقى هو العنصر الرئيس للمطابقة عند البحث، وتمييزه عن بقية الآثار الأخرى.
وأكد المشعلي أن تباعد المسافات لا يحد من العزم في تتبع الأثر و تحديد أثر القدم ومطابقتها تماما بما حفظته الذاكرة من الوهلة الأولى له، وهنا يأتي دور الفراسة والذكاء.
وكشف أنه شارك في عشرات المهمات وحقق نجاحات كبيرة، تلقى بعدها خطابات شكر وتقدير من المسؤولين.
وقال المشعلي: تستغرق بعض المهمات يوما أو يومين، ومكثت في إحدى القضايا عاما كاملاً حتى تم تحديد آخر مكان لذلك الأثر على بعد 20 كيلا. وأكد أنه لا يمكن أن تتشابه الأقدام نهائيا، وهذا ما يساعد على تحديد الأثر، وهي أمور لا يعلمها إلا قصاص الأثر، ومنها: هل القدم كبيرة أو متوسطة، وهل ذلك الإنسان كبير السن أم ما زال شابا، أم طفلاً، ... نحيفا أو بدينا، وكذلك معرفة إذا كان الأثر لامرأة أو رجل.
وأشار إلى أن قصاص الأثر لديه معرفة باتجاه الرياح، ولذلك يتعرف على رسم القدم والأثر على الرمال، أما في الطريق الجبلي فيتم الدوران أكثر من مرة حول المكان لتتبع الأثر، ومن ثم معرفة الاتجاه إن كان صعودا نحو الجبل أو العودة من طريق آخر.
واختتم المشعلي حديثة قائلاً: "إن الموهبة والخبرة والممارسة جعلتني قصاص أثر، ولكن في الوقت نفسه أضع مخافة الله والأمانة الملقاة على عاتقي قبل كل شيء، وليس من مصلحتي أن أظلم شخصا أو أدعي معرفة أثر وأنا لست متأكدا منه تماما.
إنها الصحراء في بلادنا بجمالها وهيبتها التي ما زالت تحمل الكثير من أسرار المكان والزمان . قصص لا تنتهي لإنسانها الذي منحه الله مواهب عديدة وعبقرية فذة.

الأكثر قراءة