أمن شبكات المصارف وتحذير مؤسسة النقد

حذرت مؤسسة النقد العربي السعودي، المواطنين والمقيمين، من عمليات نصب واحتيال مصرفي تقوم بها مجموعات من المحتالين ممن يستخدمون الشبكات المصرفية للإيقاع بعملاء البنوك السعودية. وأوضحت مؤسسة النقد (البنك المركزي) بعض عمليات الاحتيال المكتشفة وناشدت المواطنين والمقيمين بأخذ الحيطة والحذر وعدم الإفصاح عن أي بيانات خاصة بالحساب، وخصوصا، الرقم السري، والمسارعة في إبلاغ الجهات الأمنية عن أي محاولات من هذا النوع، حرصا على أموال المودعين وحمايةً لسمعة القطاع المصرفي.
أعتقد، والله أعلم، أن مؤسسة النقد العربي السعودي لم تقدم على استخدام الخيار الإعلامي إلا بعد أن أصبحت عمليات النصب والاحتيال أقرب إلى التنظيم منها إلى الحالات الفردية، ولعلها أحست بالخطر المحدق الذي قد يضرب شبكات المصارف في أي وقت. ولم لا، فمجرمو القرن الحادي والعشرين أصبحوا يتخذون من الشبكات الآلية مسرحا لتنفيذ جرائمهم المالية والتدميرية، تمشيا مع تطور العصر، وتقدم التكنولوجيا. الجرائم الإلكترونية أصبحت أكثر شيوعا وانتشارا، فهي لا تحتاج إلى تواجد العناصر البشرية في مسرح الجريمة، بل تعتمد اعتمادا كليا على الخبرات العقلية والتقنية والتحكم من بعد وهذا بحد ذاته مطلب مهم لمجرمي هذا العصر، وعلى رأسهم المافيا العالمية والمنظمات الإرهابية.
التحذيرات التي أطلقتها مؤسسة النقد العربي السعودي، على الرغم من أهميتها، إلا أنها لا تمثل إلا الجزء اليسير من جوانب النصب والاحتيال التي باتت تهدد شبكات المصارف السعودية، ولعلها آثرت أن تحذر من بعض العمليات المباشرة ذات العلاقة بالأفراد، وتتجاهل، عن قصد، جميع العمليات الأخرى المتعلقة بأمن الشبكات.
وفيما يتعلق بتحذير مؤسسة النقد، أعتقد أن هناك نوع من أنواع الاحتيال لم يتطرق إليه بيان مؤسسة النقد العربي السعودي التحذيري، ولعله يكون النوع الأول الذي أَكسَب المجرمون خبراتهم الإجرامية فيما يتعلق بسرقة المعلومات الشخصية واستخدامها لتنفيذ عمليات السطو والتحويل، وأعني سرقة البيانات السرية الخاصة من خلال الفنادق والشقق المفروشة التي تستخدم نظام شبكات الهاتف المركزية المتصلة بطابعة تحتفظ بجميع أرقام النزلاء التي تنفذ من خلال الهاتف. تبدأ العملية من محاولة النزيل الاتصال بالبنك من خلال خدمات الهاتف المصرفي مستخدما هاتف الغرفة التي يسكنها. فتقوم الطابعة بتسجيل جميع الأرقام المنفذة من خلال الهاتف، رقم هاتف البنك، رقم بطاقة السحب الآلي، والرقم السري. وبذلك تكون المعلومات البنكية بما فيها الرقم السري، متاحة لأطراف أخرى قد تسيء استخدامها في أي وقت تشاء. وبالفعل فقد كانت هناك عمليات احتيال اعتمد منفذوها على البيانات السرية المستقاة من طابعات بعض الفنادق والشقق المفروشة. أعتقد أن بعض الفنادق تدخلت لتغيير نظام طباعة تقارير الاتصالات الهاتفية من أجل الحماية، إلا أن الخطر ما زال قائما في كثير من الفنادق والشقق المفروشة على وجه الخصوص. وهذا النقص في البيانات التحذيرية يقودنا إلى مراجعة الوسائل التثقيفية والتحذيرية التي تتبناها الجهات الرسمية، والمصارف السعودية، على أساس أن أساليب التوعية والتحذير والإرشاد هي وحدها الكفيلة بحماية العملاء من مغبة البوح بمعلومات حساباتهم السرية للآخرين. ولا شك أن هذا الجانب بالذات يشوبه الكثير من التقصير، فالمواطنون والمواطنات أقحموا في خدمات المصارف الإلكترونية دون أن يكون لديهم الوعي الكافي بمخاطرها المحدقة، ما يجعلهم عرضة لاستغلال المحتالين والمجرمين وأجزم أن غالبية المتعاملين مع البنوك لم يقرأوا تحذيرات مؤسسة النقد بعد. هناك جانب آخر من جوانب التقصير في حماية المتعاملين مع القطاع المصرفي، ويتمثل في إصدار بطاقات الصرف الآلي لغير المتعلمين، ما يجعلهم فريسة سائغة لعابري الطرقات قبل محترفي الإجرام. فعلى سبيل المثال أوشكت وزارة الشؤون الاجتماعية على البدء في صرف معوناتها للمحتاجين عن طريق أجهزة الصرف الآلي، أي باستخدام بطاقات الصرف، وكذلك تفعل البنوك مع المتقاعدين والمتقاعدات. الجزء الأكبر من المحتاجين، ومتقاعدي الرعيل الأول هم من غير المتعلمين، ولا نعلم كيف يتم جرهم إلى استخدام بطاقات الصرف الآلي، التي يعتبر في صرفها لغير المتعلمين (من لا يحسن القراءة والكتابة)، مخالفة صريحة لأنظمة مؤسسة النقد العربي السعودي.
وطالما أن الحديث عن بطاقات الصرف الآلي، فيفترض أن يتضمن بيان مؤسسة النقد التحذيري، شيئا عن الاحتيال التقني الذي يمارس من خلال أجهزة الصرف الآلي. حيث يقوم المجرمون بوضع قطعه معدنية مشابهة لفتحة إدخال البطاقة تكون مهمتها تسجيل أرقام بطاقة الصرف الآلي، إضافة إلى كاميرا جانبية تقوم برصد حركة الأصابع لتسجيل الأرقام السرية. بعض المحترفين يستبدل آلة التصوير بلاقط صوت حساس يتم التحكم به من بعد ويقوم بترجمة النغمات Tone إلى أرقام، ومن ثم يقومون بإعداد بطاقات تمكنهم من سحب أرصدة العملاء من البنوك. هناك جوانب أخرى من عمليات النصب والاحتيال المصرفية لم يتم التطرق إليها بعد، وحري بالجهات المختصة أن تسارع في الإعلان عنها من أجل المصلحة العامة، ولأخذ الحيطة والحذر.
أعتقد أن الدور الأكبر يقع على المصارف ومؤسسة النقد العربي السعودي في تثقيف المجتمع من خلال حملات إعلامية متواصلة يتم الكشف من خلالها عن طرق الاحتيال المختلفة، مع الاستشهاد بأنواع من عمليات الاحتيال المنفذة للعبرة والعظة.
يمكن للبنوك أن تلتزم بتثقيف عملائها منذ خطوتهم الأولى لطلب بطاقات الصرف الآلي أو أرقام الهاتف المصرفي، بحيث يكون هذا شرطا أساسيا لتوفير الخدمة الإلكترونية، مع متابعة دقيقة لأجهزة الصرف الآلي من أجل حمايتها من عبث المحتالين. يمكن للإعلانات التحذيرية المصورة في حالة وضعها في أماكن بارزة بالقرب من مكائن الصرف الآلي، يمكن لها أن تساعد كثيرا في زيادة وعي مستخدميها وحمايتهم من عمليات الاحتيال المستقبلية.
أخيرا، يؤخذ على بيان مؤسسة النقد تأخر إصداره قياسا بعمليات الاحتيال التي تمت خلال العامين 2005، و2006. وهذا التأخر هو الذي ساعد في زيادة عمليات الاحتيال وتطورها، وأسهم في استفادة منفذيها من عامل الصمت الذي ساعد في إطالة أمد الجهل لدى عملاء المصارف السعودية. الإعلان عن عمليات الاحتيال بصورة منتظمة يساعد كثيرا في رفع معدل الوعي الثقافي، ويسهم في زيادة الحس الأمني لدى جميع شرائح المجتمع.
كنت أود أن أكمل باستعراض مفصل عن أمن الشبكات المصرفية، والمخاطر المحدقة بها، خصوصا من قبل الإرهابيين وعصابات المافيا، إضافة إلى تقصير بعض المصارف في هذا الجانب، إلا أن ضيق المساحة اقتضى التوقف عند هذا الحد، ولعلنا نتطرق لها لاحقا.

<p><a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي