إشارة الوقوف داخل الأحياء وطرق الموت

طرق أو شوارع الموت ليس عنوان فيلم سينمائي، بل فيلم واقعي أو حقيقة وكابوس نراه كل يوم. هل من المعقول أن نرى حوادث شنيعة ووفيات ومصابين داخل حي سكني؟ مشهد يتكرر ورأيته عدة مرات داخل أحياء مدينة الرياض. وليس فقط دعس أو وفاة أطفال أو كبار السن، بل اصطدام بين سيارتين أو الاصطدام بحائط أو عمود. لقد أصبحت السرعة داخل الأحياء ظاهرة خطيرة. وقد يكون الهروب من نظام ساهر وتجنبه للسرعة داخل الأحياء له مساهمة في الموضوع. ولكن المشكلة كانت موجودة من قبل. لقد أصبحت شوارع الحي ساحة معركة للطائشين و''المفحطين''. إزعاج وإرهاب من نوع جديد لسكان الحي. وسببه عدم صرامة نظام ودوريات المرور، وكذلك عدم تربية أولياء الأمور لهؤلاء الطائشين. وقد يكون الحكم عليهم كمن يعيثون في الأرض فسادا.
''ساهر'' أو أرق للأحياء السكنية لا يقل في الأهمية عنه للطرق السريعة. فالسرعة داخل الأحياء أصبحت أعلى منها على الطرق السريعة. كما أن المرور يجب أن يكون له أولويات تتعلق بالسلامة وتنصب في الوضع التخطيطي للطرق ومدى ملاءمتها لتوفير السلامة للمواطنين وتسخيرها ليس فقط للمركبات وإنما لخدمة المشاة في المناطق الحضرية واحترام حريتهم للتجول في المدينة. ومن أهم تلك الأولويات تبرز إشارات الوقوفSTOP SIGNS عند تقاطعات الطرق داخل الأحياء وخارجها مع الطرق الرئيسة، وهي من أهم الوسائل التي أهملناها ولم نعطيها حقها واحترامها للحد من تلك الحوادث. فلأنني لم أسمع أو أرى يوما أيا من الحملات المرورية لاحترام إشارات الوقوف، كما لو كانت إشارة ضوئية، وأين التنسيق مع وزارة الإعلام التي لم تؤدِ واجبها التوعوي في هذا المجال.
فالأحياء السكنية ما زالت تتعثر بمشاكلها وما يواجهه سكانها من المشكلات والتعقيدات في حياتهم اليومية. فهم مهددون بالمخاطر وحوادث الوفيات داخل الأحياء التي أصبحت من أكبر الظواهر التي تفتك بمواردنا البشرية والمسيئة لحضارتنا التي تستوجب قيادة وإدارة قوية وصارمة للمدن لاستئصال هذا المرض من جذوره قبل فوات الأوان. حيث إن المدن تنمو بصورة غير طبيعية وتفوق حجم وتعداد واستعداد أجهزة الأمن الحالية التي لم تنجح حاليا، فهل ستنجح في مواجهتها مستقبلاً بعد تفاقم النمو السكاني للمدن. إن التساهل في تطبيق الأنظمة المرورية ولوائحها ووضع الطرق وطريقة تخطيطها في مدن المملكة، هو السبب الرئيس في تحويل طرقنا وأحيائنا إلى ساحات معارك ينتصر فيها المتخلفون والطائشون العابرون بسياراتهم بتهور غير عابئين براحة أو سلامة الآخرين وأطفالهم، وأصبحت الطرق داخل الأحياء أسرع من الطرق السريعة خارج المدن. وأصبحنا نفتقد الأمن المروري فما من أب أو أم أو زوجة يخرج أبناؤها إلى الطريق إلا ووضعت يديها على قلبها حتى يعود.
إن الفساد وخسائر الأرواح التي تنتج عن هذا التهور تفوق آثار أي عمل تخريبي، فهي تخل بأمن البلاد ومواطنيها. ''والذين لا يدعون مع الله إلـها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً'' (الفرقان: آية 68). فلماذا لا يتم التحقيق مع مرتكبي هذه الأعمال التخريبية والتشهير بهم؛ ليكونوا عبرة لغيرهم ومعاقبتهم كمفسدين في الأرض؟ وأين دور وزارة الإعلام التوعوي في درء هذا المرض؟
مما لا شك فيه أن المواطن له ذنبه في عدم توعية أبنائه أو السماح للطائشين باستعمال سيارتهم غير عابئين بأرواح المسلمين. كما أن المسؤولين عن الطرق يتحملون جزءا من هذه الظاهرة لعدم ترسيتهم للبنية التنظيمية وإكمال دورهم التخطيطي لمشكلات الطرق والمرور. فبعض الحوادث المرورية تعود إلى عدم التخطيط السليم للطرق، وعدم تطبيق أنظمة المرور والتوعية بها. إن التخطيط الحالي للطرق قد يكون أحد الأسباب الرئيسة المسببة لحوادث الطرق. فالحلول للمشكلات التخطيطية هي عبارة عن طريق ذي اتجاهين، وهناك واجبات على الدولة وأخرى على المواطن.
والمعروف أن نظام وشروط البناء لا بد أن يكون مربوطا تماماً بتخطيط الشوارع والأحياء. ولكن في غياب وجود تدرج هرمي لأنواع الشوارع واتساعاتها يختل هذا النظام. فالمتعارف عليه أن كل مدينه يوجد بها تدرج لأنواع الشوارع تبدأ من الممر أو المنفذ إلى الطريق الصغير إلى الطريق المجمع للحركة Collector إلى الشريان Arterial ثم إلى تدرجات الطرق السريعة. ولم توجد هذه التدرجات هباءً.
ومن تجربتنا اليومية في شوارع المدينة نجد أن هناك بعض المشكلات التخطيطية، ومنها سوء تصميم منحنيات الطرق سواء عند التقاطعات أو المخارج من الطرق السريعة إلى طريق الخدمة. وعدم توحيد مواصفات ارتفاعات الأرصفة، وعدم تطبيق مواصفات متماثلة لمواقع إشارات المرور أو أحواض الزهور ولوحات الدعاية والأشجار التي نمت أغصانها معرقلة سير الحركة.
إنها دعوة إلى النظر إلى أهمية إشارة الوقوف للتخفيف من الحوادث داخل الأحياء.. كما أنها دعوة إلى ضرورة تقوية قيادة إدارة المدن، وحث المسؤولين على عدم التساهل في تطبيق الأنظمة ولوائحها، والاهتمام بتخطيط الطرق، وتوفير مسارات آمنة للمشاة في المدينة، الذين يقضون جل أوقاتهم فيها، ومحاولة إعادة النظر إلى مشاكلها الحالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي