المحاجر .. وأصدقاء البيئة والسياحة

البيئة الطبيعية تلك المساحة التي نعيش فيها جميعاً, لذا فقدرنا أننا شركاء فيها يحسن بنا جميعا الاهتمام بها، والحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلى نوع من الوعي البيئي ثم قبل ذلك وبعده إلى قدر كبير من الحس الوطني، إذ لا فائدة ترجى من الوعي دون استشعار الحس الوطني في هذا، والصورة القاتمة التي يجب علينا ذكرها أن لدينا تخلفا في الوعي البيئي رغم الجهود المبذولة من بعض الجهات, وعلى رأسها الهيئة العامة للسياحة والآثار والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، فالتخلف البيئي أفنى الثروة الحيوانية بالصيد الجائر ثم عرج على الغطاء النباتي بالاحتطاب المخالف للأنظمة, ثم ثالثة الأثافي وباقعة البواقع انتشار المحاجر الصخرية في أطراف المدن والقرى، ومن يشاهد الصورة عن قرب لتلك المحاجر يرى كيف عبثت هذه المحاجر بالبيئة والمتنزهات الطبيعية والغطاء النباتي، بل المعالم السياحية!
دعونا نورد لكم مثالاً على إفساد هذه المحاجر للبيئة، ولعلي في هذا المثال شاهد عيان ـــ وليس من رأى كمن سمع ـــ بلدة خريصة إحدى ضواحي مدينة الرويضة في العرض يقول عنها الجنيدل: خريصة بصيغة التصغير قرية زراعية تقع في غربي العرض شمال جبل خرص وجنوب المغرة, وسميت بهذا الاسم نسبة إلى خرص، وقال عن خرص: هضبتان حمراوان بارزتان مقابلتان لهضاب المغرة من الجنوب وفي ناحيتهما الشمالية مزارع ونخيل تسمى خريصة .. ويقع خرص في بلاد الحمرة في أيمن السرداح وسيله يدفع في ملقى البدع ثم في أبا الجرفان ثم يدفع أبا الجرفان في السرداح من الغرب وهو جنوب بلدة الرويضة رويضة العرض وتابع لها من الناحية الإدارية.
هذه القرية الزراعية من أكثر الأماكن في منطقة العرض من حيث الغطاء النباتي وكثرة الأشجار، كما أنها لا تبعد كثيراً عن جبل صبحاء وهو جبل (يذبل) الذي ذكره امرؤ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سُدُولَهُ
عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
ألا أيُّها الليلُ الطويلُ ألاَ انجلي
بصُبْح وما الإصباحُ منكَ بأَمْثَل
فيالكَ من ليل كأنَّ نجومَهُ
بكُلِّ مُغَار الفَتْل شُدَّتْ بيذْبُل
وما علم امرؤ القيس أن الليل قد طال بالفعل على أهل تلك المنطقة من جراء معاول شركات تلك المحاجر.
جبال بلدة خريصة هذه امتدت إليها الأيدي المؤذية في حق البيئة وتسللت إليها شركات المحاجر التي لا تأخذها في بيئتنا لومة لائم ولا شكوى شاك ولا تحسر مواطن، إذ هذا كله ليس له قيمة في قاموس تلك الشركات ومن وراءها، فالعبرة ببريق الريال والدولار ولتذهب البيئة إلى الجحيم! إن المشهد هناك مُريع! لا تسأل عن الأشجار ولا عن الجبال ولا حتى عن المقابر القريبة ولا عن المعالم السياحية! وإن شئت فسائلوا القوم عن (ركبة العمال) في جبل (حريشان) والعمال هنا هم عمال الزكاة في عهد الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله، وأعذروني إن أنا أفضت فهي مراتع الصبا وفيها مدارج الطفولة.
أما مخالفة الأنظمة من قبل هذه المحاجر فحدث ولا حرج, وقد نصت الأنظمة على سبيل المثال على أنه يجب أن تبعد هذه المحاجر عن مناطق السكن مسافة لا تقل عن سبعة كيلو مترات، وأصحاب هذه الشركات يتحايلون على هذا بأن يستخرجوا تصاريح على مناطق معينة بعيدة ويطبقونها على مناطق أقرب للطرق المسفلتة لخفض المصروفات وزيادة الإيرادات والأرباح! مع أن نظام الاستثمار التعديني ينص في المادة الخامسة والخمسين على: عقوبة تقديم معلومات غير صحيحة مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر، يعاقب بغرامة لا تتجاوز 100 ألف ريال كل مرخص له أو طالب رخصة تعمد تزويد الوزارة بمعلومات غير صحيحة في أي طلب أو تقرير أو أي مستند مطلوب تقديمه بموجب هذا النظام أو لائحته التنفيذية. كما ينص قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (247) وتاريخ 4/9/1425هـ القاضي بالموافقة على نظام المراعي والغابات، وقد صدر مرسوم ملكي رقم (م/55) وتاريخ 29/10/1425هـ بالمصادقة على ذلك، وجاء في الفصل الرابع: المحظورات المادة الثالثة عشرة: أ ـــ يحظر الإضرار بالأشجار والشجيرات النامية في أراضي المراعي والغابات، كما يحظر استعمال مواد ضارة ـــ أيا كان نوعها ـــ على هذه النباتات أو بالقرب منها.
بقي أن أحدثكم عن أصدقاء البيئة والسياحة .. هؤلاء المتربعون في عنوان هذه المقالة، إنهم أهالي هذه القرية خريصة، فقد اجتمعوا بعد محاولات لثني هذه الشركات عن نهش تلك الجبال ليوكلوا محامياً يدافع عن قريتهم ولو تطلب ذلك أن يجمعوا ما يقارب 100 ألف ريال جمعوها من رواتبهم ومدخراتهم لتبقى البيئة ولتبقى السياحة في تلك المعالم الطبيعية الجميلة. ألا يستحق هؤلاء الشكر والدعم، وتحقيق رغبتهم بطرد هذه الشركات؟!
وهنا يجب الإشارة والإشادة بأهل بلدة الشعراء المعروفة وحمايتهم لجبل تيماء صنو ثهلان الذي ذكره أبو البقاء الرندي في نونيته الشهيرة التي يرثي فيها سقوط الأندلس:
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء له
هوى له أحدٌ وانهد ثهلان
والإشادة موصولة بآل بهيان من قبيلة قحطان العزيزة لحمايتهم جبل يذبل بصبحاء من المحاجر أو حتى الاحتطاب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي