شركات تروج لأسابيع سياحية بمسابقات جوائزها وهمية
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة قيام بعض مكاتب السفريات بنشر مندوبين لها في المراكز التجارية الضخمة في المدن الكبرى في المملكة بغرض التسويق "لاقتسام الوقت" أو ما يعرف بـ "time sher"، ويقوم هؤلاء المندوبون بإيقاف عينات من الناس ومن ثم طرح سؤال عليهم وبمجرد الإجابة يخبرونه بأنه فاز بجائزة ومن ثم يبدأ "الفيلم" المعد لاستقبال العميل "الفريسة".
محرر "الاقتصادية" ذهب إلى مقر لهؤلاء المندوبين على مدى يومين متتالين، وفاز في كلتا الزيارتين بإقامة لمدة أسبوع في أحد فنادق شرم الشيخ، أي أن (الجميع فائز)، والطريف في الأمر أن المحرر تعمد في المرة الثانية إظهار جهله بإجابة السؤال التافه الذي طرحه المندوب، فقام المندوب فورا بتغشيشه الجواب ومن ثم فاز المحرر، الأمر الذي يثير التساؤل: هل أصبحت الأجنحة الفندقية مجانية لتوزع على الناس في الأسواق؟
الدكتور عمر الخولي
<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/koli.jpg" width="250" height="150" align="right"> أستاذ القانون بجامعة الملك عبد العزيز يشرح طريقة عمل هؤلاء فيقول: "هؤلاء يقومون بسحب العملاء المحتملين من المجمعات التجارية بغرض التسويق لبيع أسابيع سياحية، وفي الدول المجاورة يتم استغلال فتيات من أجل الترويج لهذه التجارة، أما في بلادنا فيتم استغلال فتيان مدربين تدريبا جيدا على جذب العميل ويربطونه بشيء للحضور إلى مركزهم كمبلغ تأمين مالي، أو وعده بهدايا فورية في حال حضوره".
ويقول الدكتور الخولي إنه بمجرد حضور العميل لمقر الشركة يبدأ المندوبون بعرض برامجهم السياحية عليه بأسلوب ساحر يجعل الشخص فريسة سهلة لهم، ويقول: "هناك نسبة كبيرة من العملاء يتورطون في هذه الألاعيب، فيدفعون الدفعة الأولى ثم تغوص أقدامهم، وعندي أمثلة كثيرة لأشخاص وقعوا ضحية لهذه الألاعيب، واكتشفوا في النهاية أنهم اشتروا وهما؛ خاصة أنه إلى الآن لا توجد صكوك ملكية للمدة المشتراة".
تسويق لـ "الوهم"
ويؤكد الخولي أن موضوع الـ "time sher" قد طرح في المملكة منذ عشرين عاما، ويضيف: "لا أعلم حالة واحدة صدق فيها المسوق، ولا تزال الأمور عالقة منذ ذلك الوقت، وليس للعملاء أي حماية، بل سبق أن تم تسويق هذه الأسابيع على أرض ليست باسم المسوق وحالات أخرى اتضح فيها أن الأرض ليست مسجلة أو أنها محل نزاع".
وحول مصداقية الجوائز المقدمة يعلق الخولي قائلا: "إذا كانوا يكذبون في نشاطهم الأساسي فهل سيصدقون في هذه الجوائز؟".
مبروك "أنت فائز"
المواطن خالد الحميد أحد الذين تعرضوا لألاعيب هؤلاء، ويشرح خالد قصته معهم فيقول: "صادفت اثنين من هؤلاء المندوبين على بوابة أحد المراكز التجارية الكبيرة في الرياض. كان هذان المندوبان يتمتعان بقدرة هائلة على جذب الناس، بعد أن أوقفني المندوبان طرحا علي سؤالا تافها فأجبت عنه، وفجأة مد أحدهما يده إلي مصافحا وهو يقول: مبروك لقد فزت بجائزة عبارة عن إقامة لمدة أسبوع كامل في شرم الشيخ أنت وزوجتك".
ويضيف خالد: "بصراحة لقد صدقتهما للوهلة الأولى وسألتهما عن كيفية تسلمي الجائزة فأخبراني أن ذلك يتم بعد حضوري إلى مقر مكتبهم أنا وزوجتي لحفل عشاء بعد أن أدفع مبلغ خمسين ريالا كتأكيد لحضوري وسترد إلي هناك".
ويقول خالد: "ذهبت في اليوم التالي إلى مكتبهم أنا وأختي –حيث إنني غير متزوج- وهناك شعرت بأنني في فندق خمس نجوم: احترام فائق من الجميع، وأشخاص يفتحون لنا الأبواب، أدخلونا إلى قاعة انتظار وكأننا في عيادة أسنان، بعد قليل أدخلونا إلى القاعة الرئيسية وفوجئت بواقع غير ما كنت أتخيل، كانت القاعة مقسمة إلى العديد من الجلسات وكل جلسة فيها مندوب مع عميل وزوجته، جلست أنا وأختي على إحدى الطاولات، ولاحظت فورا أنهم يجعلوننا مواجهين للجدار وظهورنا للناس، وهكذا كان جميع الحاضرين، بحيث لا يكون بإمكان العميل أن يرى ما يحدث مع عميل آخر، لكنني غيرت جلستي بحيث أصبحت أرى العملاء الآخرين رغم إصرار المندوب الجالس معنا على عدم تغيير الجلسة".
ابتسامة ثم "تكشيرة"
ويشرح خالد طريقة تعامل المندوب معه فيقول: "كان المندوب حريصا جدا على تفاعل أختي التي يظنها زوجتي وعندما سألته عن الحفلة المزعومة رد بجفاء قائلا: اصبر، ثم بدأ بعرض بعض البرامج السياحية للمؤسسة التي يعمل فيها وبدأ يغريني بشراء أسابيع سياحية لعدة سنوات في منتجعات حول العالم، كان العرض مغريا، وحاول المندوب التأثير على أختي بشكل كبير، وحاول إحراجي أمامها، لكن الوضع المريب الذي شعرت به منذ دخولي هذا المكتب جعلني أرفض كل هذه العروض، عند رفضي تبدلت معاملتهم لي 180 درجة، وقل احترامهم عندما طالبتهم بالخمسين ريالا التي أخذوها مني وأرجعوها بصعوبة، عندما خرجت وجدت بعض الأشخاص مستائين مما حصل لهم، لكن ـ في الحقيقة ـ رأيت بعيني أشخاصا كثيرين يوقعون على عقود وهم مسرورون؛ لأنهم لم يكتشفوا ألاعيبهم".
ويقول خالد إن هؤلاء يحرجون العميل بأساليب ثلاثة:
1- حضور الزوجة للضغط عليه.
2- الاحترام الفائق الذي يجعله يظن نفسه من "صفوة" المجتمع وبالتالي يخجل من التصريح عن غلاء أسعارهم.
3- عرض بعض التخفيضات (غير القابلة للتأجيل) مع بعض التسهيلات (تقسيط المبلغ، وإمكانية ترحيل الأسابيع أو إهدائها، وغير ذلك من العروض التي يؤكدون أنها لمدة يوم واحد، وإن أجلها ليوم غد فلن يحصل عليها).
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي تعرض فيها خالد لهذا النوع من عمليات النصب إنما تكرر معه ذلك بأسلوب آخر، حيث اتصلت به امرأة من جنسية عربية وعرضت عليه البرامج السياحية نفسها بأسلوب جذاب، وطلبت منه تحويل 900 ريال كمقدم للتسجيل في هذه البرامج، وبالطبع رفض خالد هذا العرض، وعند إصراره على معرفة كيفية حصولها على رقم هاتفه اعترفت بأن شركتها تتعاون دعائيا مع البنك الذي يتعامل معه وقد زودهم البنك برقم هواتف عملائه.
هذا التسويق ممنوع في المملكة
حول قانونية هذا التسويق في المملكة العربية السعودية يقول الدكتور الخولي: "كان هؤلاء في السابق يستغلون الفراغ التشريعي في هذه الناحية، ورغم صدور قرار من وزارة التجارة بمنع هذا النشاط أخيرا إلا أن هؤلاء عادوا لممارسة نشاطهم في الأسواق السعودية دون أدنى احترام للقانون". ويضيف: "ما يزيد الشبهات حول هؤلاء أن كل مقارهم مؤقتة وتكون في فندق أو مركز عرض، إضافة إلى أن شركاتهم لا تملك سجلا تجاريا في المملكة".
ويوضح الخولي أن هذا الموضوع منظم في الدول الأخرى ولا ينطوي هناك على نصب وحقوق المالك محفوظة وله الحق في إهداء هذه الأسابيع أو تأجيلها والتصرف بها.
القضاء لن ينصف العميل
وحول رغبة العميل "الضحية" في مقاضاة هذه الشركات يرى الدكتور الخولي أن العميل عند رغبته في الشكوى من جراء تعرضه لعملية نصب من هذا النوع فإنه سيضيع عند تقديم شكواه للقضاء السعودي؛ لأن الشركة المسوقة غالبا ما تكون غير سعودية، وبالتالي ستحول الشكوى لبلد الشركة، أما إن كانت الشركة سعودية فإنها ستزعم أن النزاع مرتبط بعقار وعلى هذا ستحال الشكوى إلى بلد العقار على أن النزاع عيني أو تبعي.
أما عن الموقف القانوني لمالك المجمعات التجارية التي يتمركز فيها مندوبو هذه الشركات فيقول أستاذ القانون: "بالنسبة لصاحب المجمع التجاري الذي يقيم فيه مندوبو هذه الشركات فيبدو أنه يسمح لهم بمقابل مادي، وموقفه لا يخلو من المسؤولية، ويجب عليه قبل السماح لأي مندوب يريد عرض خدماته في المجمع أن يتحرى عنه، وأن يكون لديه معلومات عن كل من يمارس التسويق في مجمعه".
ويؤكد الخولي مسؤولية مفتشي وزارة التجارة الذين يقع على عواتقهم أمر ملاحقة هؤلاء حماية للمواطنين، ويقول: "لا ينبغي أن يسمح لهؤلاء بالانتشار في الأسواق العامة، فإن تعذر ذلك، فعلى المواطن أن يتسلح بالوعي الكافي في التعامل مع هؤلاء".
رسائل جوال مشبوهة
من جانبه يؤكد الدكتور ناصر الطيار
<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/tiar.jpg" width="250" height="150" align="right">رئيس مجلس إدارة مجموعة الطيار للسفر والسياحة والعضو المنتدب عدم قانونية هذا التسويق إذ يقول: "لم تصدر الموافقة على هذا التسويق إلى الآن، وما يعرض في المجمعات التجارية غير قانوني وغير صحيح، وكثير من الذين اشتروا الـ "time sher"وقعوا في عمليات نصب، وهذه مشكلة حقيقية، وووصلت أساليبهم إلى حد إرسال رسائل جوال للمستهلكين لإيهامهم بفوزهم بإحدى الجوائز ويطلبون منهم الاتصال على رقم معين لتسلم جوائزهم، ومن ثم تبدأ عملية إيقاع الزبون في شراكهم".
ويشكك الطيار في الغرض من هذه الرسائل قائلا: "لا أدري ما الهدف من هذه الرسائل: هل هي جباية أموال عن طريق اتصال الزبون أو الحصول على رقم الزبون لغرض ما".
ويضيف: "هذه العمليات موجودة في الدول المجاورة وتستهدف السعوديين بشكل كبير".
ويؤكد الطيار كذلك دور وزارة التجارة في مكافحة هذه العمليات، ويرى أنه من المفروض أن تقوم وزارة التجارة بحملة خاصة لتوعية المستهلكين بهذا الأمر، ويضيف: "لقد سبق لوزارة التجارة التنويه على ذلك لكنه كان منذ وقت طويل، وبعد عودة هذه العمليات بشكل كبير أتمنى العودة لتنبيه المواطنين حتى لا يقعوا ضحية لهؤلاء".
ولا يبرئ الطيار ساحة المستهلك من دوره في نجاح هؤلاء في خداعه، ويرى أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتقه كي يحمي نفسه من هذه الألاعيب خصوصا في ظل عدم وجود جهة معينة يتصل بها لتحميه من هذه المكاتب.