خبير في التمويل الإسلامي: اقتصاد الكازينو يشكل خطرا جسيما على اقتصادات الدول المتقدمة
أكد خبير في التمويل الإسلامي أن تحرير الاقتصاد وتزايد نفوذ الشركات الاحتكارية وتزايد دور الأسواق المالية وسيطرة سلوك "اقتصاد الكازينو"، أصبحت تشكل خطرا جسيما على حركة الاقتصاد عموما في الدول المتقدمة، كما أصبحت تهدد عملية التنمية في البلدان النامية.
كما خلص الباحث الدكتور عمر خضيرات إلى أن الأزمة الاقتصادية والمالية المعاصرة أظهرت أهمية وضرورة إعادة النظر في النظام الاقتصادي العالمي، الذي فرضته الولايات المتحدة، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، الذي أفضى إلى العولمة المالية المتوحشة.
ودعا الدكتور خضيرات في بحثه الذي جاء بعنوان "الأزمة الاقتصادية العالمية المعاصرة ومصير النظام الرأسمالي"، إلى أهمية التدخل الحكومي ووجود الدولة في الاقتصاد باعتبار ذلك عنصرا ضروريا، بالرغم أن ذلك وبالأمس القريب كان من المحرمات في الرأسمالية. وأضاف "إنه من خلال استعراض المفهوم الاقتصادي للأزمة، تم التوصل إلى أن أدوات الاقتصاد الإسلامي ومؤسساته المصرفية تعد من أفضل الأساليب لتجنب الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية إن أحسن استخدامها". كما دعا في بحثه، الذي قدمه خلال المؤتمر الذي نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي وجامعة العلوم الإسلامية العالمية إلى "ربط النشاط المالي بالقطاع الحقيقي من الاقتصاد"، وعدم السماح للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى بخلق النقود أو استحداث وسائل دفع كبطاقات الائتمان وجر الناس إليها بحبال الدعاية والإغراء لتقع في براثن الديون، ولتدفع ثمن ذلك بفقد منازلها أو مناصبها، بل اختلال عقولها أو انتحارها. فالنشاط المالي يجب أن يكون بمثابة المرآة التي تعكس وتسهل عملية تبادل السلع والخدمات الحقيقية المنتجة.
وشدد خضيرات على ضرورة إخضاع جميع العمليات والأنشطة المالية للمراقبة، مع العمل على التنفيذ الفاعل والمستمر للقوانين والمعايير المحلية والدولية حتى يمكن تحديد "بؤر" المشكلات قبل وقوعها.
فالتطورات التي شهدها القطاع المالي بالدعوة لتبني الليبرالية "المتطرفة"، مع الإيغال في "أصولية" السوق، جعل جزءاً كبيراً من الأنشطة والممارسات تتطور خارج الأطر المكشوفة. ودعا إلى إعادة النظر في ترتيبات النظام الاقتصادي والمالي العالمي الذي أنشئ عقب الحرب العالمية الثانية، إذ لم يعد من المعقول أو المنطقي بقاء النظام المالي العالمي مرتبطاً بالاقتصاد والعملة الأمريكية (الدولار)، فالأوضاع تبدلت وموازين القوى الاقتصادية تغيرت، ومعضلات الاقتصاد الأمريكي الهيكلية آخذة في التفاقم. وأشار إلى ضرورة إعادة النظر في النظام الاقتصادي والمالي القائم فكراً وممارسة؛ فكراً من حيث العودة إلى الدور الأساس الذي يراد لهذا القطاع بدءاً بالنقود ودورها ومروراً بالوساطة المالية ومؤسساتها وانتهاء بأسواق المال، وممارسة من حيث الضبط الدقيق والمراقبة المستمرة، مع تحديد الأدوار وضبطها، ولا سيما ما يتعلق بعملية إصدار النقود وتوليدها. ولفت إلى أهمية إصدار قوانين بمنع بعض المعاملات التي كانت من أسباب الأزمة، مثل المعاملات القائمة على الغرر والجهالة والمقامرات والمضاربات، وعمليات المشتقات المالية الوهمية، وعمليات جدولة الديون والتوريق وفق نظام الفائدة الربوية. وشدد خضيرات على ضرورة تطبيق قواعد ومفاهيم وصيغ الاستثمار والتمويل الإسلامية القائمة على البيوع والمشاركة، ولا سيما فيما يتعلق بالأنشطة التجارية والمصرفية للبنوك في العالم العربي والإسلامي، وذلك لما أثبتته هذه النظرية من نجاح في مقاومة الآثار السلبية للأزمة المالية الراهنة، حيث هي المنقذ من مثل هذه الأزمات وغيرها من الأزمات الاقتصادية والمالية. وأكد على وجوب الاستفادة من النظرية الإسلامية وأنظمة التمويل التي تتوافر عليها في إدارة الأموال واستثمارها، وذلك وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية وصولا إلى الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للشعوب العربية والإسلامية؛ حيث كان من أكبر المستفيدين من الأزمة المؤسسات المالية التي توفر السيولة وتنوع نشاطاتها المصرفية وتعتمد الممارسات السليمة، ولعل المؤسسات الإسلامية أثبتت قدرتها على الصمود والخروج بأقل الخسائر. وخلص البحث إلى التأثير الكبير للأزمة على جوانب الاقتصاد العيني المختلفة، وهو ما يعطي انطباعا عاما عن تأثير الأزمة في معظم اقتصادات دول العالم، ويتأكد هذا الانطباع من المؤشرات الإجمالية عن الاقتصاد العالمي التي أكدت دخوله في مرحلة الركود.
واكتشف البحث وجود توازٍ كمي بين إشكاليات العلاقة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد العيني وبين حالة الاقتصاد العيني، بحيث أدت حدة هذه الإشكاليات إلى تفاقم الحالة السلبية للاقتصاد العيني والعكس صحيح، كما أظهر البحث اختلاف قطاعات الاقتصاد العيني في درجة تأثرها السلبي بتداعيات الأزمة واختلاف التقديرات بخصوص مدى فاعلية خطط الإنقاذ التي اتخذتها بعض الدول، فبعضها يشير إلى توقع حدوث تحسن في الاقتصاد العيني، والبعض الآخر يشير إلى تخوفات من تحول الركود الراهن إلى كساد مطبق.
ويخلص البحث إلى أن العالم اليوم أمام معطيات جديدة تتمثل في تزايد التعامل في المشتقات بواسطة مؤسسات عملاقة ومركبة، في أسواق مغتربة بصورة متزايدة، وفي أسواق غير منتظمة بصورة متنامية، تتضمن رافعة مالية كبيرة جدا، ما يعني أن هناك "كيانات" ضخمة أصبحت قادرة على خلق سيولة، وأن هذه السيولة تتم بمعدلات لا يمكن التهوين من شأنها أو الاستهانة بها، ما يؤدي إلى تعاظم احتمالات وقوع الأزمات المالية التي يعجز النظام المالي العالمي بآليته التقليدية عن مواجهتها.
وهذا يعني أن هذا النظام أصبح يعاني عيوبا بنيوية تفرز بدورها الأزمات المالية، كما بين هذا البحث أن الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة هي الإفراز المعاصر لهذا النظام الذي يعكس بدوره العيوب الهيكلية للنظام الاقتصادي العالمي، وللرأسمالية الاحتكارية الملتزمة بالليبرالية الاقتصادية الجديدة التي تشكل جوهر النظام الاقتصادي العالمي. كما أظهر البحث عجز آليات وعفوية السوق عن مواجهة التحديات التي فرضتها الأزمة، وبين أن تحرير السوق يحمل في طياته مخاطر عديدة لن تستطيع مقولة "إن السوق تصحح نفسها بنفسها" أن تواجهها.
وبرهنت هذه الأزمة أن تعظيم قدرة الأسواق، والرفع من شأن كفاءتها أمر مبالغ فيه، فحرية السوق لن تقود إلى المنافسة الكاملة، وإنما إلى احتكار، وقد أعاد ذلك طرح مستقبل النظام الرأسمالي على بساط البحث.
أما بخصوص الرؤية الإسلامية للأزمة، فقد خلص البحث إلى أن التعامل بالفائدة وبيع الديون بالديون والاستثمار المالي الورقي الرمزي هي أساس الأزمة المالية العالمية وإن كانت أزمة الرهن العقاري هي الشرارة التي فجرت الأزمة.