مبدأ مالي: حساب العائد لا يكفي لاتخاذ القرار الاستثماري في سوق المال
يبحث المستثمر دائما عن زيادة العائد في أيّ استثمار يرغب في الدخول فيه، غير أنّ معرفة العائد فقط لا تكفي لاتخاذ قرار استثماري رشيد؛ نظرا إلى غياب الوجه الآخر في الاستثمار وهو المخاطرة. ويؤكد معظم الاقتصاديين والماليين وبيوت الخبرة الاستثمارية، أنّ على المستثمر معرفة أو تقدير العائد، وكذلك المخاطرة للمقارنة بين استثمارين أو أكثر عند الرغبة في اختيار الأفضل؛ لذلك يُعدّ العائد والمخاطرة المحددين الرئيسين لصنع القرار الاستثماري، وهذا ناتج من العلاقة الوثيقة والارتباط المتوازي بينهما؛ لكون زيادة المخاطرة تؤدي إلى زيادة العائد، وفي المقابل فإنّ قلة العوائد تكون نتيجة لتقليل الأخذ بالمخاطرة. ويُعرف هذا المبدأ في العلوم المالية بمبدأ ''العلاقة التبادلية بين العائد والمخاطرة'' Risk- Return Trade-off. وهذا يعني ضرورة تعرّف المستثمر على حجم كلٍّ من العائد والمخاطرة المتوقعين، دون الاكتفاء بأحدهما.
#2#
ونظرا إلى وجود عوامل تؤثر في حجمي المخاطرة والعائد، فإنه يجب على المستثمر التعرف عليها وتقدير تأثيرها في مستويات المخاطرة والعائد للخروج بقرار استثماري صائب.
وتصنف المخاطر بحسب مصدرها إلى أنواع عدة، يمكن حصرها في التالي: مخاطر بيئة العمل، مخاطر اقتصادية، مخاطر أسعار الفائدة، مخاطر أسعار الصرف، مخاطر السيولة، مخاطر ذاتية للمنشأة.
وتعني مخاطر بيئة العمل (الصنف الأول من المخاطر)، تلك المخاطر الناجمة عن طبيعة الصناعة أو النشاط، حيث تختص كلُّ صناعة بجملة من المخاطر تؤثر فيها أكثر من غيرها؛ فالشركات العاملة في مجال صناعة البتروكيماويات مثلا تتأثر بشكل أكثر بتغير أسعار المواد الخام اللازمة لتصنيع البتروكيماويات أو التقلبات الدورية لأسعار المنتجات المعروفة في هذا القطاع، على خلاف شركات أخرى في مجالات أخرى كالزراعة التي تتأثر بالأحوال الجوية كحالات الصقيع والبرودة أو الحرارة أو الأمراض وغيرها.
أما المخاطر الاقتصادية (الصنف الثاني)، فالمقصود بها هو التغيرات في عوامل اقتصادية كلية مثل البطالة والتضخم ومعدلات الإنفاق الحكومي والعجز في الميزانية وغير ذلك.
وهذه الجملة من المخاطر يكون أثرها غالبا في كل القطاعات، إلا أن حجم أثرها يتفاوت على حسب ارتباط الصناعة أو النشاط بأيٍّ من تلك العوامل الاقتصادية الإجمالية؛ فتغير مستويات الإنفاق الحكومي في المملكة مثلا يؤثر في جميع القطاعات الاقتصادية، إلا أنّ الشركات أو المؤسسات التي تعمل في الإنشاءات والبنية الأساسية أو تلك التي تعتمد على الأعمال الحكومية والمقاولات سيكون الأثر فيها أكبر من غيرها. وكذلك حين يعاني الاقتصاد التضخم فستطول آثاره جميع القطاعات الاقتصادية، مسببا تدنيا في الأداء الإجمالي لتلك القطاعات.
والصنف الثالث من المخاطر (أسعار الفائدة)، هي المخاطر التي تكون نتيجة تغيرات أسعار الفائدة في النظام المالي للاقتصاد. وهذه المخاطر يتأثر بها القطاع المالي والشركات العاملة فيه بشكل أكبر، خاصة البنوك. فانخفاض معدلات الفائدة تعني إمكانية الاقتراض بشكل أيسر وأقل تكلفة؛ مما يرفع من عوائد المؤسسات المالية.
وتمثل أسعار الصرف الصنف الرابع من المخاطر، وهي مخاطر ناجمة عن تغيرات أسعار صرف العملات. وعادة ما تتأثر بهذه المخاطر بشكل أكبر الشركات التي تعمل في مجالي الاستيراد والتصدير؛ فالشركات التي تعتمد في شراء موادها الخام على عملات أجنبية تكون معرضة أكثر لهذه المخاطر، وكذلك الشركات التي تعتمد على التصدير وبيع منتجاتها في الخارج أيضا هي أكثر عرضة لمخاطر تقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية.
وخامس المخاطر هو مخاطر السيولة، وهي مخاطر ناشئة عن مدى إمكانية تحويل الاستثمار إلى نقد أو (تسييله)، فكلما زادت إمكانية التسييل للاستثمار قلت مخاطره وقلّ العائد منه. فالشركات المعروفة بأدائها المتميز مثلا تكون أسهمها مرغوبة لدى الجميع، ولا يجد المستثمرون صعوبة في بيعها في أي وقت؛ ولذلك فدرجة سيولتها عالية، وبالتالي تكون مخاطرها منخفضة ويكون عائدها أقلّ من غيرها. والعكس صحيح، عندما يجد المستثمرون صعوبة في تسييل استثماراتهم تزداد مخاطرهم، لكن يترتب على ذلك عوائد أعلى لهم.
والصنف الأخير من هذه المخاطر هو مخاطر ذاتية للمنشأة، وهي ناجمة عن أيّ عامل يؤثر في المنشأة بذاتها مثل شراء مصنع أو انكماش في سوق منتجاتها أو تغير في أدائها وما إلى ذلك من العوامل التي تخصّ الشركة أو المنشأة فقط؛ فقرار زيادة رأسمال الشركة مثلا هو أمر داخلي لا يخص إلا الشركة ذاتها وينحصر أثره في المنشأة فقط ولا يتعداها إلى غيرها.
وكلّ هذه المخاطر من الواجب استحضارها في أيّ استثمار، وتزيد أهميتها في استثمارات أسواق المال، فعند اختيار أسهم شركة معينة يجب مراجعة المخاطر المتعلقة بها مع حساب العائد المتوقع على الاستثمار. وفي استثمارات سوق المال، يجب البحث دائما عن المعلومة التي تناسب توجهات المستثمر ونيته في البيع أو الشراء أو الحيازة وتوضح في الوقت نفسه مستوى المخاطر، إلا أنه بشكل عام هناك معلومات يجب الالتفات إليها والبحث عنها؛ نظرا إلى أثرها المباشر في اتخاذ أي قرار استثماري؛ وهي - على سبيل المثال لا الحصر: القوائم المالية للشركة خلال فترة سابقة، توزيع الأرباح، إدارة الشركة ومجلس إدارتها والتغير في أدائها خلال السنوات الماضية، الأسعار العالمية للمنتج الذي تعمل فيه الشركة، الأحوال الاقتصادية العامة، أسعار النفط، التضخم، سعر العملة، أسعار الفائدة.
وفي جميع الأحول، على المستثمر إدراك حجم تلك المخاطر والتعرف على أثرها في استثماره وقدرته على التعامل معها، كذلك يجب الإحاطة أنّ هناك أنواعا أخرى من المخاطر تصنف بحسب طبيعتها ومَنشئها.
ويبقى القول: ''إنّ الاستثمار يعرّف بأنه التزام بموارد حالية؛ بغية تحقيق موارد أعلى في المستقبل، ويتعامل الاستثمار مع ما يسمى بمجالات عدم التيقن أو عدم التأكد''. ومن هذا التعريف تظهر أهمية الوقت والمستقبل كمحورين مهمين في الاستثمار، ومن هنا تأتي أهمية المعلومات التي قد تساعد على وضع تصور لمستويات التيقن لحالة الاستثمار في المستقبل. ويختلف الاستثمار عن الادخار من منظور اقتصادي؛ إذ يعرّف الادخار بأنه جملة المداخيل التي لم تُصرف على الاستهلاك سواء أتم استثمارها لتحقيق عوائد أكبر أم لا، أما الاستهلاك فهو جملة ما ينفقه الفرد على السلع والخدمات التي يستفيد منها خلال فترة محددة، ويمكن تحديد قيم الاستثمار أو الادخار، وكذلك الاستهلاك على المستوى الكلي للاقتصاد أو على المستوى الفردي من خلال طرق إحصائية مختلفة.