ما كل ما يتمنى المرء يدركه

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

كثيراً ما يحاول أحدنا ويبذل الغالي والنفيس لتحقيق أمنية ما، ويشعر انه يقترب رويداً
رويدا، فيزيده ذلك إصراراً وحماساً لتحقيق ما يتوق إليه، فأي شخص يرى أن سعادته
مربوطة بأمنيته، وأن الشقاء سوف يلازمه طالما انه عاش محروماً من بلوغ هدفه،
لكن ما يحدث في اغلب الأحوال، انه عندما يستنفذ أحدنا طاقته، ويتوقف برهة لالتقاط
أنفاسه، ومرجعة ذاته ومشواره وما تكبده، يجد انه كان يطارد سراب، وان مبتغاه يسير
في مسار آخر موازياً لمساره تماماً، فقد يلحق به وقد يتجاوزه لكنه لن يلتقي معه أبدا.

تتزاحم الهموم والشجون في مخيلة الإنسان، غير أن ثمة هم أوحد يتربع على عرش هذه
الهموم، يؤرق صاحبه ويحرمه لذة النوم ومتعة الحياة، فيصبح الأمر أمنية، تسكن
سويداء القلب ولا تبرحه ما دام ينبض ليغذي عقل قد لا يرى جدوى ولا منفعة من
استهلاك جهده في سبيل هذه الأمنية، لكن النفس تجذبه بقوة ليصبح تابعاً ومنفذا لما
يُملى عليه، هكذا هو ابن آدم يعتقد أن همه غير و أمنيته غير و شعوره و أحاسيسه
تختلف عن غيره، والحقيقة أن كل فرد لديه ما يشغله وما يصبو إليه، وسيبقى في هذه
الدوامة لآخر يوم في حياته، وصدق الله تعالى في قوله"لقد خلقنا الإنسان في كبد"

ما يلاحظه المتأمل في هذا الأمر، انه ليس من السهل نيل ما يُشغل البال، وتراثنا العربي
يزخر بأعداد كبيره ممن عاشوا الحرمان وهجران الحبيب، فتفجر هذا الشوق بأشعار
سطرها التاريخ وحفظها عبر الأزمان، فهؤلاء كانت أمنيتهم قرب الحبيب، واستطاعوا
التعبير عنها، ولا ريب أن الأماني تتنوع وتختلف من شخص لآخر، فهناك من غايته
مال ومن هدفه منصب ومن يريد العودة لوطنه وأحبابه وهكذا.

وعلى أية حال يظل تحقيق الأمنية حلم يعجز عن تحقيقه الكثير، وذلك لسبب بسيط وهو
كثرة المنافسين، حيث أن طبائع النفوس ورغباتها متقاربة، فما يعجبك يعجب غيرك،
وما يجب معرفته أن النفس أمارة بالسوء، وهذه الأوامر تشكل الأمنية وإذا ما تمت
السيطرة عليها وإدارتها بعقل ناضج قد تسلك بصاحبها طريق الهلاك، والمسلم الفطن
يجعل غايته وهدفه رضاء ربه الواحد الأحد، الذي خلقه من عدم ثم يميته عند نهاية الأجل
ثم يحيه مرة أخرى في يوم لا أمنية فيه غير رحمة المولى جل وعلا، وأخيراً دعونا نأخذ
الحكمة من هذا البيت الشعري الذي شاع بين الناس وحفظوه عن ظهر قلب،

ما كل ما يتمنى المرء يدركه .... تجري الرياح بما لا تشتهى السفن

الأكثر قراءة