محطات الوقود تتحوَّل إلى فرص استثمارية للأجانب!
أغلبية محطات الوقود التي تمتد على طول المملكة ملكية فردية، ومع تدني خدمات هذه المحطات وذهاب فرص عملها إلى الأجانب، فإن هناك من ينادي بأهمية تغيير استراتيجية تمليك هذه المحطات مع تطويرها بحيث تكون ملكا للجمعيات الخيرية في القرى التي يمر بها هذا الطريق أو ذاك، وبالتالي فإن أخف الضرر أن تذهب قيمة الإيجارات إلى فقراء القرية، الذين لا يكادون يستفيدون حاليا من الطرق السريعة أو غير السريعة سوى (الدوشة) والضجيج، هذا إذا قدر الله لهم السلامة من شرور السيارات وحوادثها.
وهذه الدعوات تترافق مع مطالب بأهمية تطوير هذه المحطات وتحويلها من مجرد مضخات لتعبئة الوقود وبقالة ومطعم رث، إلى استراحات متكاملة فيها جميع الخدمات على أرقى المواصفات.
في الحلقة الخامسة من سلسلة تحقيقات "الاقتصادية" عن محطات الطرق التي تأتي ضمن ملف قطاع الخدمات، نقدم آراء مختلفة لعدد من العاملين في الجمعيات الخيرية، وتفاعل القراء على "الاقتصادية الإلكترونية". إلى التفاصيل:
طرق سريعة
على أغلبية الطرق السريعة وغير السريعة التي تمتد بين المدن السعودية توجد مئات بل آلاف محطات الوقود والاستراحات، وكما كشفت تحقيقات "الاقتصادية" خلال الحلقات السابقة فإن أغلبية هذه المحطات ملكية خاصة تم الحصول عليها سواء من خلال المنح الحكومية أو من خلال الشراء.
كثيرون يطالبون بأن يتم تعديل طريقة تملك محطات الوقود على اعتبار أنها منشآت عامة بحيث يتم تمليكها للجمعيات الخيرية الأقرب إليها، خاصة على الطرق السريعة, وتلك التي تمر من جوار المدن والقرى. هذه المطالبة جاءت بعد تدشين طرق سريعة عملاقة خلال السنوات الماضية. في هذا الإطار، يشير صالح بن فهد البنية, وهو عضو مجلس إدارة لجمعية الخطة في منطقة حائل, إلى أن هذه الفكرة رائعة وتعبر عن بعد نظر من قبل صاحبها، مبينا "الجمعيات الخيرية تتولى الصرف والإنفاق على المحتاجين، ومداخيلها ضعيفة جدا، ومثل هذا المورد يمكن أن يسد رمقها".
باب استثماري
قال البنية: مثلا طريق الجوف ـــ حائل السريع لا توجد على جانبيه محطات وقود, وسمعنا أن الجهات المسؤولة في المنطقة تعمل على أساس تمليك مواقع هذه المحطات للجمعيات الخيرية، وذلك دون شك سيكون بابا استثماريا رائعا للجمعيات ويعد من المرافق الاستثمارية المأمونة، حيث يمكن أن تؤجرها الجمعية حتى قبل البناء على مدى 25 عاما وتضمن سيولة سنوية تساعدها على أداء مهامها.
#2#
وسيلة آمنة
من جانبه، قال الدكتور عبد الله بن عثمان الخراشي ـــ وهو ناشط في المجال الخيري، إن الجمعيات الخيرية في أمس الحاجة إلى الدعم خاصة في هذا الوقت الذي شحت فيه السيولة المالية على الرغم من الدعم المالي من الدولة، وقال إن تمليك بعض الجمعيات أراضي أو مواقع سيكون وسيلة مهمة لإدخالها في المجال الاستثماري بطريقة مأمونة, خاصة أن الجمعيات تخضع لقوانين تصعب عليها عملية الاستثمار، كما أن بعضها لم تدخل في هذه التجربة نظرا لحاجتها إلى إدارة فاعلة وعلى مستوى من الوعي الاستثماري. وبين الخراشي أن هناك جمعيات سبق لها الدخول في هذه التجربة، حيث تملك بعضها محطات وقود أو استراحات لكنها غالبا آلت إليها بالشراء, وبالتالي فإنها تحتاج إلى سنوات لحين تدوير رأس المال.
ملك الدولة
شدد الدكتور الخراشي على أن الأراضي التي على الطرق السريعة هي ملك للدولة، وتمليكها للجمعيات يعني إتاحة مورد مهم لهذه الجمعيات يستمر سنوات طويلة، كما أنه يمكن أن تعمل الجمعية على طرح هذه الفرصة لعموم الشركات لتحصل على أعلى إيراد ممكن.
وعرج الخراشي إلى قضية متصلة فقال إن ملكية الجمعية للمحطة يمكن أن تكون وسيلة لتوفير فرص عمل لأبناء القرى المسجلين في الجمعيات الخيرية، حيث تكون لهم الأولوية في العمل سواء في البيع أو الإيجارات, مبينا "إذا ملكت الجمعية المحطة تستطيع فرض شروطها على المستأجر بحيث تحصل على عدد من فرص العمل، عرض منتجات، وتخفيضات وغيرها".
نقلة نوعية
في الصدد ذاته قال حسين حريصي, وهو نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العارضة الخيرية في منطقة جازان, إن هذه الفكرة في حال تطبيقها ستكون ممتازة جدا، بل ستكون نقلة نوعية على صعيد العمل الخيري.
وبين حريصي أن هناك جمعيات تكون قريبة من الطرق السريعة ولا تستفيد شيئا، بل إن أبناءها عرضة للحوادث المرورية. وقال حريصي: تمليك الجمعيات تمليك للفقراء وإتاحة فرصة استثمارية حقيقة لها لتأدية واجبها، وبدلا من أن تدفع الدولة مبالغ مالية سنويا تستطيع الجمعية توفير بعض احتياجاتها، وتطور آلياتها الاستثمارية بما يكفل لها تحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها.
تطوير الأنظمة
نبه نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العارضة الخيرية في منطقة جازان إلى أهمية أن تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية على تطوير الأنظمة التي تكفل استفادة الجمعيات من هذه الأفكار, حيث تمنع الجمعيات حاليا من ممارسة التجارة المباشرة. وطالب حريصي بأن تكون مثل هذه الفكرة موضوعا رئيسا في أقرب مؤتمر أو منتدى للجمعيات بحيث تعرض أي تجارب سابقة وأي أفكار جديدة.
اتفاق واضح
اتفق البنية والخراشي وحريصي على أن ما يدعم مثل هذه التوجهات هو الواقع المؤلم للمحطات في الوقت الحالي, وهو ما يتسق مع المعلومات والنتائج التي نشرتها "الاقتصادية" على مدى الحلقات الأربع السابقة. التي بينت أن تشغيل مراكز الخدمة (محطات الوقود) يتم بواسطة عمالة غير متخصصة وباجتهادات فردية.
ونقصد هنا المسح الذي أجرته الهيئة العامة للسياحة والآثار, الذي كشف عن انتشار ظاهرة التأجير من الباطن وعدم وضوح المسؤولية بالنسبة إلى المالك أو المشغل، وإعادة تدهور مستوى مراكز الخدمة الحالية إلى ضعف إجراءات التشغيل والمراقبة نتيجة غياب أعمال الصيانة المستمرة وإسناد عملية التشغيل إلى عمالة غير مدربة، مع النقص الشديد في أعداد المراقبين الحكوميين.
ونشير هنا إلى أن الإحصاءات المتعلقة بإجمالي عدد محطات الوقود في داخل المدن وعلى الطرق السريعة في المملكة تكشف عن أن عددها يتجاوز تسعة آلاف، وهي مملوكة للأفراد بنسبة 88 في المائة، وتملك الشركات 2 في المائة منها، بينما الـ 10 في المائة الباقية مملوكة لكل من وزارة المالية والشؤون البلدية والقروية، وأن نسبة 80 في المائة من إجمالي هذه المحطات تدار بنظام التستر التجاري.
المسح البصري لمجموعة من مراكز الخدمة على الطرق المحلية أجرته الهيئة العامة للسياحة والآثار كشف عن وجود جملة من المشكلات التي جاءت على النحو التالي: ضعف التعبير البصري لعناصر المحطة المعمارية وفقدان الهوية والدلالة، والتردي في مستوى تنفيذ المنشآت ابتداءً وفي مستوى الصيانة لاحقا، والعشوائية في التنفيذ والتوزيع؛ إذ الغالب أن المركز ينشأ باجتهادات شخصية بعيدا عن تطبيق المخططات الهندسية، ويعقب عملية الإنشاء إضافات عشوائية، وتفاوت أساليب التشغيل بين المراكز المختلفة، بل حتى داخل المركز الواحد، منشأ ذلك ضعف التخصص، وقلة الرقابة، ونهج أسلوب التأجير بالباطن لأجزاء المركز لمستثمرين صغار، كل يدير عمله بتوجهاته الخاصة، وعشوائية التوزيع على الطريق، فتتركز تارة، وتكاد تنعدم تارة أخرى، مع وضوح في المخالفة الصريحة لشروط اللائحة التي حددت مواقع المراكز على الطرق، والضعف الشديد في المداخل والمخارج، وتوزيع الإنارة، وإهمال المصلى ودورات المياه واستراحة المسافرين، وتدني مستوى الخدمة في المطاعم والأسواق التموينية، وندرة وجود ورش صيانة ومحال قطع للغيار، وعشوائية الحركة الداخلية وتداخل حركة السيارات الصغيرة مع الشاحنات، وعدم وجود مواقف انتظار جيدة ومضاءة للمركبات والشاحنات.