من المملكة إلى العالمية .. السيدة التي هزمت السرطان وانتصرت للبشرية!
لم تكن تعلم الطفلة ذات الأعوام الخمسة أنها ستكون واحدة من أكبر علماء العالم في مجال الجهود الدولية للقضاء على الأورام بأشكالها وأنواعها كافة، لكن قصة ذكائها وتميزها كانت منذ ذلك الحين؛ عندما أقنعت والدها الرافض التحاقها بالمدرسة، بأنها تجيد القراءة، بينما كانت الحقيقة تكمن في مقدرتها على الحفظ، حيث قامت بحفظ ما كان يدرسه شقيقها الأكبر، وعندما أخضعها الأب الطيب لاختبار، وجدها تجيد القراءة بطلاقة، فوافق على أن تبدأ مسيرتها العلمية، التي أنهت محطتها الأولى ـــ المرحلة الثانوية بتفوق لافت للنظر، 99.99 في المائة، ثم التحقت بجامعة الملك سعود ـــ كلية الطب، فحصلت على البكالوريوس في الجراحة العامة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى.
#2#
في مسيرة الدكتورة خولة الكريّع، كانت هذه بمنزلة البداية لآمال كبيرة وطموح عظيم، قدمت خلالها نحو 70 بحثا علميا و120 ورقة علمية تم استعراضها في المملكة وأمريكا واليونان والصين وغيرها من الدول، فضلا عن أكثر من 180 محاضرة تعليمية في عديد من المستشفيات والجامعات المحلية والدولية، هذا فضلا عن عشرات المحاضرات العامة لطالبات في المراحل الجامعية والثانوية والمتوسطة، تحدثت خلالها عن رحلتها ومسيرتها التعليمية وعن إنجازاتها الطبية لحثهن على الجد والاجتهاد, وذلك ضمن رسالتها الاجتماعية لخدمة أبناء وبنات وطنها.
إن فتاة المملكة العربية السعودية، التي حصلت على البورد الأمريكي في علم الأمراض الإكلينيكية من جامعة جورج تاون في واشنطن عام 2000، الحاصلة على الزمالة في علم جينات السرطان من المركز القومي للأبحاث في ميريلاند عام 2001، كانت لها إنجازات أخرى لا تقل أهمية عن إنجازاتها في مجال البحث والدراسة، إنجازات على أرض الواقع، فقد ترأست فريقا من العلماء للتعرف على الصفات الوراثية ''الجينية'' للخلايا السرطانية لدى مرضى السرطان السعوديين، وهذا البحث يعد من الأبحاث الفريدة، حيث يهدف إلى تحسين طرق تشخيص وعلاج أمراض السرطان المختلفة، وذلك بالاستفادة من التطورات السريعة التي تشهدها الساحة العلمية العالمية إثر الانتهاء من إيجاد تسلسل الشفرات الوراثية للمورث البشري كاملا، وأدى هذا البرنامج البحثي إلى اكتشافات عدة، منها اكتشاف الجين المسؤول عن سرطان الغدد الليمفاوية لدى المرضى السعوديين, ومنها أيضا اكتشاف بعض الجينات المؤثرة في سرطان الرئة وسرطان القولون وسرطان الغدة الدرقية, وهذه الاكتشافات تم نشرها في دوريات علمية عالمية.
وفي عام 2007 فازت العالمة خولة بجائزة هارفارد للتميز العلمي، وجاء اختيارها من قبل أعضاء هيئة التدريس في الكلية بعد مراجعة وفحص دقيقين للسيرة العلمية لجميع المتنافسين ومدى تميز وثراء مستوياتهم العلمية من خلال البحوث الطبية المقدمة من قبلهم، وقد تجاوز عدد المتنافسين 300 طبيب، من بينهم أمريكيون وأوروبيون، إلا أن البحث الذي قدمته الدكتورة الكريع تمكن من جذب اهتمام العلماء الغربيين لأهميته، لذا قاموا بتكريمها.
كما حصلت خلال الأعوام 2004 و2006 و2008 و2009 على جائزة أفضل بحث علمي في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وتوجت هذه المسيرة العلمية الحثيثة عندما أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ بمنحها وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى نظير تحقيقها عدة إنجازات بحثية متميزة جعلتها من الكفاءات التي يشار إليها بالبنان محليا وإقليميا وعالميا.
وتواصل الدكتورة خولة طريقها العلمي لخدمة وطنها والإنسانية، ناجحة أيضا في عالمها الصغير ـــ حياتها الأسرية ـــ حيث أبناؤها يواصلون تعليمهم الجامعي في الولايات المتحدة بتفوق وتميز.
الدكتورة خولة الكريع تشغل حالياً منصب رئيس مركز الأبحاث في مركز الملك فهد الوطني للأورام التابع لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، كما أنها تقود فريقاً علمياً يتبنى برنامجاً بحثياً فريدا, وذلك للتعرف على البصمة الوراثية لدى مرضى السرطان السعوديين, وأثمر البرنامج عن نتائج علمية متميزة تم نشرها في مجلات علمية عالمية.
إن ورم السرطان الذي حصد الملايين من الناس وأدمى ملايين الملايين من القلوب، تقوم كوكبة من العلماء في العالم بجهد حثيث مواصلين الليل بالنهار لإيقافه وإيجاد ذلك المصل الذي يدحره ويوقف ألمه وجنونه ضد البشرية.
والأم خولة الكريع، ليست بعيدة عن غمار هذه المعركة، فهي تشاهد يوميا عشرات الأطفال المصابين بالسرطان، وتشاهد براءتهم وحزن ذويهم، لذا فإن هذه المشاهد اليومية المؤلمة وقود لها ولفريقها العلمي. ولا يوجد أدنى شك في أن هذه السيدة عقدت العزم على أن تكون لها بصمتها في هذا الجهد العالمي، بل هي تسعى إلى أن يتم هذا الانتصار الإنساني من هنا من المملكة العربية السعودية. والله وحده القادر أن يحقق طموحها.