عدم وجود وزارة مستقلة للصناعة خفَّض من أهميتها الاستراتيجية
هل تمثل الصناعة خيارنا الاستراتيجي .. وهل فعلنا ما يكفي لتأكيد هذا الخيار ورسمنا خريطة طريق لمعالم المسار الذي يقود إلى المرتبة الصناعية التي نريدها ونستحقها..؟
هل تمكنت الصناعة السعودية عبر مشوارها القصير نسبيا الذي لا يتعدى نحو أربعة عقود، من المساهمة في مسار التغيرات السوسيولوجية والتركيبة الثقافية التي تصوب نحو شروط المجتمع الصناعي .. أم أن البنية الصناعية الحالية لا تؤهلها للقيام بهذا الدور!
شكلت هذه القضايا وما تفرع عنها محاور الندوة التي عقدتها ''الاقتصادية'' مع نخبة من الصناعيين الناشطين في إطار لجان غرفة الرياض وهم: المهندس أحمد الراجحي، رئيس اللجنة الصناعية وعضو مجلس إدارة الغرفة وعضو هيئة المدن الصناعية، والمهندس أسامة الزامل، عضو اللجنة الصناعية وسامر الزعيم، عضو اللجنة الصناعية. وقد سألناهم في البداية عن العناصر التي ترتقي بالصناعة إلى مرتبة الخيار الاستراتيجي بهدف تنويع وإثراء مصادر الاقتصاد الكلي، وأسبقيات الصناعيين لجعل هذا الخيار يتخذ مسارا طبيعيا وموضوعيا نحو الأهداف التي وضعتها الدولة في مشروعها لبناء التجمعات الصناعية المتكاملة.
#2#
#3#
#4#
هاجس المدن الصناعية
بداية كيف تقيّمون البنية التحتية للمدن الصناعية، ومدى تأثير ذلك على مستقبل الصناعة الوطنية، وأيضا مواكبة ما تطمح إليه الاستراتيجية الوطنية للصناعة؟
وهنا أوضح المهندس أحمد الراجحي، أن البنية التحتية أهم القضايا التي تشغل الصناعيين الآن، ونعرف أن البنى التحتية تتطلب تكلفة كبيرة إذا أردناها متطورة وشاملة بمعنى الكلمة، ولقصور التمويل من الدولة لم تواكب هذه البنيات التوسع الذي شهده القطاع الصناعي فأصبح لدينا عجز وشح في الأراضي المطورة والإشكالات تكون دائما في التطوير وليس في توافر الأراضي.
وأضاف: ''إن المحور الرابع في الاستراتيجية الصناعية يركز على إيجاد مدن صناعية تتوافر فيها كل متطلبات البنى التحتية مثل الكهرباء والمياه والغاز والصرف الصحي ونظم الاتصالات الحديثة الخ، وتم تخصيص مبلغ مهم ضمن محاور الاستراتيجية الثمانية، لكن نظرا لتأخر إقرار وتنفيذ الاستراتيجية أصبح لدينا عجز في بعض المدن مما ترتبت عليها اختناقات في العرض والطلب فيما يتعلق بطلبات الصناعيين، سواء الراغبون منهم في التوسع أو الصناعيون الجدد الذين يأملون الدخول للقطاع الصناعي؛ ولذلك نعتقد أن حل هذه الإشكالية الرئيسة سيسهم في حل الكثير من المعوقات الصناعية.
من جهته، قال المهندس أسامة الزامل: ''إن أهم أوجه الاختلال في القطاع الصناعي يتمثل في أن نمو القطاع الخاص الصناعي أسرع من نمو البنية التحتية التي يفترض أن تكون جاهزة لاستيعاب كل توسع وتطور، وإذا عدنا لأصل السبب في عدم الجاهزية نجد معضلة التمويل، ومن ثم فإننا نركز على دور وزارة المالية في هذا الموضوع التي نتوقع منها درجة أعلى من التفاعل مع قضية نمو المدن الصناعية؛ فبتخصيص الميزانية أولا، ثم تفعيلها ووضعها في خطط وبرامج مواكبة، في السابق كانت وزارة الصناعة تعطي أولوية لموضوع وضع مخصصات للمدن الصناعية في الميزانية، وأقترح أن ندرس تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع والاسترشاد بها عندما ننظر في واجبات المدن الصناعية في المرحلة المقبلة.
ومن جانبه، يرى سامر الزعيم، أن الفترة التي كانت الدولة تبادر لتوفير الأراضي الصناعية وتمويل المشاريع الصناعية نجد ثمرة ذلك الضخ من الأموال والميزانيات منعكسة على المشاريع الصناعية القائمة اليوم، فكل نجاحات اليوم تعود إلى الوضع الذي وجدته الصناعة من الدولة قبل أكثر من 20 عاما، وكان ذلك - ولله الحمد - استثمارا ناجحا من الدولة في بنيات هذا القطاع.
وأضاف: ''إن تجارب معظم الدول الصناعية كان تطورها الصناعي قائما في البداية على دفع الدولة للصناعة كخيار استراتيجي بتوفير البنيات من الأراضي المطورة في الأساس، وفي واقعنا نستطيع أن نحصي العديد من المشاريع الصناعية التي تم إلغاؤها؛ لعدم وجود الأراضي المطورة''.
الأثر الاجتماعي والثقافي
البعض ينظر إلى الصناعة السعودية، على الرغم من اتساع قاعدتها، كأكبر قطاع صناعي عربي على المستوى القطري، بأنها لم تتمكن من المساهمة بشكل واضح في التأثير على مسار التحولات والتغيرات ضمن الفهم العام للتحول الذي يحدث للمجتمعات ثقافيا وسوسيولوجيا عندما تتدرج من المجتمعات الرعوية والبدوية إلى الزراعية، ثم الصناعية، بهذه الرؤية التاريخية كيف تنظرون للصناعة السعودية، وهل لها من السمات الخاصة البشرية والهيكلية والرأسمالية ما قد تكون ربما أعاقتها عن لعب مثل هذا الدور؟
ويشير الراجحي إلى أن قياس ما حدث في ألمانيا أو اليابان يمكن أن يعطي مؤشرا جيدا لما يمكن أن يحدث في السعودية فيما يتعلق بالتحول الطبيعي للمجتمع من مجتمع زراعي كما في اليابان التي كانت دولة زراعية قبل الطفرة الصناعية التي حدثت قبل نحو 50 سنة، ولا نستطيع أن نجزم بأننا أصبحنا مجتمعا صناعيا، لكن أعتقد أننا مضينا على الطريق بشكل جيد جدا.
وأضاف: ''إن الصناعة بدأت عندنا بداية فعلية منذ نحو 35 عاما، وحدثت تحولات مهمة خلال الفترة الماضية، فكان المجتمع منغلقا وكانت النظرة إلى التعليم متأخرة وبالأخص التعليم الصناعي، وكل هذه الخطوات قد حدثت خلال العقود الثلاثة الماضية فقط مع بداية الصناعة، ومن ثم نستطيع أن نجزم اليوم بوجود ملامح للمجتمع الصناعي والتقانة الصناعية، وإن كانت لا تصل للطموح الذي نصوب إليه، كنا نتمنى في كل عام أن يدخل عدد كبير من رجال الأعمال الجدد إلى مضمار الصناعة بحيث لا نكتفي بالصناعيين الحاليين.
وتابع: ''إن الصناعة تختلف عن الزراعة والتجارة في بنيتها ومحمولاتها الثقافية وتحدياتها وأساليب معالجتها ومواكبة التقنية العالمية والتجدد الدائم، وأستطيع أن أجزم بأن السعودية ماضية في التدرج نحو اكتساب صفة المجتمع الصناعي، خاصة أن لدينا شريحة من الصناعيين الذين اكتسبوا خبرات قوامها نحو 30 عاما في حقول الصناعة، وحتى في الجانب الاجتماعي كان العمل في المجال الصناعي لا يعتبر جاذبا للكوادر البشرية، في حين نجد أنه اليوم من أفضل الميادين التي تجذب الراغبين في العمل وتعلم الخبرات الجديدة والشعور بالفخر والاعتزاز بأنه يعمل هذا المصنع أو ذاك فقد تغيرت الرؤية بشكل كبير في هذا الجانب وهو ما يطمئن بأننا نسير في الاتجاه الصحيح''.
ولفت إلى أن السعودية تعد أكبر بلد في الشرق الأوسط به اقتصاد صناعي وأكبر مستثمر في المنطقة بالقطاع الصناعي، سواء في حجم الوحدات الصناعية أو حجم تصدير المنتجات الصناعية، لكن هذا لا يعني أننا قد بلغنا الهدف الأقصى للصناعة فما زال أمامنا طريق طويل علينا أن نقطعه.
الانتقال للمجتمع الصناعي
وهل تتفق مع القول بأنه ربما كان الاعتماد على الكادر البشري غير المحلي هو ما أبطأ نسبيا الدور الاجتماعي للصناعة في الوصول إلى درجات التحول نحو المجتمع الصناعي؟
وهنا وافق الراجحي على هذا القول معللا ذلك بأن الصناعة حرصت على رفع نسبة السعودة التي بلغت اليوم نحو 20 في المائة وبعض التجارب وصلت إلى 60 أو 80 في المائة وأصبح العامل السعودي ليس فقط في الوظائف الإدارية، وإنما في مختلف الوظائف الفنية وعلى خطوط الإنتاج، لكن استيراد العمالة الأجنبية في رأيي لم تكن ظاهرة سلبية في المطلق لأنها تقوم على قاعدة معروفة هي أن أي وظيفة تستحدثها الصناعة مهما كانت مشغولة بعمالة أجنبية فإنها ستستقطب مستقبلا عاملا محليا، ولا يجب أن نندم على أننا شغلنا هذه الوظيفة أو تلك بعامل أجنبي؛ لأنها ستشغل قطعا غدا أو بعد غد بالعامل المحلي، وهذا يعتمد على مقدار ما نبذله من جهد في مجال التدريب والتأهيل، فتجربة الصناعة في ألمانيا مثلا قامت على توجيه التعليم من الابتدائي برسم مسار التلميذ وتزويده بكل ما يحتاج إليه من المعارف ليكون عاملا ناجحا، في حين أننا ركزنا للأسف على التعليم النظري فابتعدنا عن شروط المهن الصناعية.
وافترض م. الزامل أنه إذا كان من شروط تحقيق التحول نحو المجتمع الصناعي توافر الرؤية والأوركسترا التي توجه الإيقاع الصناعي، وكان يقوم بهذا الدور في السابق وزارة الصناعة والكهرباء، بينما الآن لا نلمس تصويبا مباشرا لأهمية الصناعة التي أصبحت جزءا من وزارة التجارة والصناعة مما نعتقد أن ذلك قد خفض من الأهمية الاستراتيجية للصناعة، وأنها لم تعد تمثل أولوية للمجتمع.
وأضاف: ''إنه لو قسنا على تجربة ''الجبيل وينبع'' نستطيع أن نتبين بوضوح أن هاتين المدينتين اكتسبتا شخصية المجتمع الصناعي؛ لأن البيئة كلها صناعية والأطفال ينشأون على درجة من الوعي والإدراك بأهمية الصناعة؛ لأنهم يشاهدون المصانع يوميا في مراحل حياتهم، وهي تجارب تستحق الدراسة والاسترشاد بها في بقية مدننا الصناعية، وعلينا كذلك أن نعمل على تشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة للدخول إلى المجال الصناعي بتوفير الأراضي المطورة والمزودة بالخدمات الأساسية وبإيجاد المحاضن، وفي مقدمتها المدن الصناعية المهيأة.
ويرى الزعيم أن الوضع الآن جيد بالنسبة للتحول إلى المجتمع الصناعي قياسا لما كنا عليه منذ 20 عاما، ونشهد قطاعات مهمة من الصناعات بدأت تركز على استقطاب العمالة المحلية حتى بلغت النسبة نحو 20 في المائة فأكثر بعد أن كانت العمالة الصناعية لا تتعدى 5 في المائة فقط من العمالة المحلية، وبدأت المنشآت الكبيرة تعمل بشكل ذاتي في تدريب وتأهيل العمالة المحلية لقناعتها بأن العامل المحلي تكلفته أقل على المدى الأطول ويتميز بعنصر الثبات والديمومة قياسا بالأجنبي الذي قد يقرر الرحيل بعد اكتساب الخبرة والمعرفة، كذلك بدأت الجهات الحكومية إعطاء الاهتمام للتدريب والتأهيل المنسجم مع احتياجات قطاعات الأعمال؛ مما ساعد في زيادة معدلات التحاق السعوديين بالوظائف الفنية والمهنية.
وفي جانب التحديات، نلاحظ بوضوح منافسة الحكومة للقطاع الصناعي في جذب الكوادر السعودية، فهم يفضلون الحكومة لاعتبارات غير مهنية مثل أنها تتميز بحجم عمل أقل وساعات دوام وربما حظوظ في الرواتب وغيرها، كما قد يفضل الشاب الالتحاق بوظائف مكتبية في شركات المقاولات عن الانضمام للصناعة إذا كانت تتيح له البقاء في المدينة عن الانتقال للعمل في مصنع يقع مقره بعيدا عن المدينة أو في مدن أخرى، ومن العوامل المؤثرة أيضا ضمن التحديات الصناعية ندرة الأراضي المطورة في المدن الرئيسة، وقد حاولت هيئة المدن الصناعية ترغيب المستثمرين للذهاب إلى المدن الأصغر، لكن هذه الرغبة تصطدم بهشاشة البنية التحتية مثل عدم وجود مدارس ومستشفيات وجامعات، وكذلك لا يفضل العمالة المحلية الارتباط بوظائف في تلك الأصقاع لذات الأسباب، وهو ما يدعونا إلى التأكيد على أهمية توفير البنيات، وفي مقدمتها الأراضي الصناعية المطورة.
غياب الرؤية الاستراتيجية
هل نستطيع أن نفترض حكما على المدن الصناعية القائمة بأنها ربما قامت أساسا لتلبية حاجة ظرفية وبتلقائية جعلتها تختزن العديد من العيوب، بمعنى أنها لم تقم استجابة لرؤية استراتيجية واضحة حينها كما هي الرؤية الاستراتيجية الجديدة بمحاورها الثمانية التي صدرت أخيرا، وأحد الأدلة على غياب الاستراتيجية يتمثل نظريا في صدور استراتيجية صناعية بعد أن قطعت الصناعة أربعة عقود من عمرها، ودليل واقعي آخر هو في عدم وجود تكاملية إنتاجية داخل هذه المدن وهو نسق معروف في تقاليد تطور الصناعات في أي بلد فكيف تنظرون لمثل هذه الفرضية؟
ويرى الراجحي أن المدن الصناعية بدأت بشكل جيد، فلا نستطيع القطع بأن المدن القائمة بدأت بصورة عشوائية، وعندما نقول إن بعض المدن الصناعية تفتقر إلى بعض الخدمات بسبب العمر والتقادم والصيانة، فذلك لا يعني أنها قامت عشوائية، وإذا أخذنا مثلا المدينة الصناعية في الرياض بمراحلها الأولى والثانية والثالثة التي وصل عدد المصانع فيها إلى أكثر من ألف مصنع، فهذا يعتبر إنجازا ممتازا، وموقع المدينة الصناعية جيد (ربما لو استثنينا الأولى) فهي ليست صادمة للتوسع السكاني جغرافيا، والبنى التحتية التي قامت عليها كانت جيدة في وقتها، وما تشير إليه في سؤالك عن عدم وجود تكاملية إنتاجية داخل المدن أو تجمعات قطاعية، فذلك لا يحدث عادة في المراحل الأولى من الصناعة، ونعرف أن كل الصناعات التي قامت قبل أكثر من عقدين كانت تركز على السوق السعودية ولم يكن في بالهم التصدير وبالتالي من الطبيعي أن يحدث تنوع بالصناعات؛ لأن الناس كانت تبحث عن الفرصة وحاجة السوق السعودية من هذا المنتج أو ذاك سواء في مجال البلاستيك أو مواد البناء أو المواد الغذائية الخ، وكل تلك الاجتهادات اعتقد أنها شكلت بداية موفقة في إحداث التنوع الصناعي لخدمة السوق المحلية، لكن بعد فترة الـ 20 سنة الأولى نشأت مصانع موجهة للتصدير وبدا الاهتمام بما يسمى بالحجم الاقتصادي الأمثل (واقتصاديات الحجم )؛ لأنك عندما تنتج للتصدير يجب أن تعرف منافسيك في الصين وأوربا وأمريكا وآسيا، وكم ينتجون وجودة منتجاتهم؛ لأنك تنافسهم في الأسواق ذاتها التي يصدرون إليها.
وبهذا التتابع التطوري أستطيع أن أقول إن البدايات الصناعية لمدننا كانت قطعا جيدة وأدت الأغراض التي اتجهت إليها وتراكمت خبرات ممتازة وغطت فترة مهمة من الزمن، لكن الإشكال يتجسد في أن هذه المدن تقادمت مع الوقت واحتاجت إلى خدمات وصيانة وتحتاج هذه الصيانة إلى أموال، ونعرف أن بناء صناعات ومدن جديدة تأخذ في الاعتبار ما أشرت إليه من حيث الموقع الجغرافي وأهدافها الاستراتيجية وخدماتها، ونحن الآن في مرحلة النظر إلى الأسس الاستراتيجية في توزيع تجمعاتنا الصناعية، فمثلا إذا كانت موجهة للبتروكيماويات عليها أن تكون في الجبيل وينبع، وإذا كانت موجهة للمعادن تكون في رأس الزور، وهكذا بالنسبة للصناعات الأخرى بحيث نقيم خريطة للاتجاهات والمناطق التي يجب أن تتجه إليها الصناعات الجديدة.
وهناك نقطة مهمة فيما يتعلق بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهي أن عدم وجود مدينة صناعية متكاملة بكل ما تحتاج إليه من بنية تحتية تعطل كثيرا من الصناعيين الجدد من الدخول في هذا الحقل، وميزة هؤلاء أنهم أولا يوظفون أنفسهم كما يخلقون وظائف لمجموعة من الذين سيعملون في منشآتهم من الشباب وعلى سبيل المثال فإن 90 في المائة من الاقتصاد الياباني يقوم على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، في حين أن اقتصادنا قائم على شركات كبيرة، وهي إذا لم تجد متسعا في المدن الصناعية تستطيع أن تبني منشآتها خارج هذه المدن وتبني البنيات الأساسية التي تحتاج إليها، أما المدن الصناعية المتكاملة فإنها تشكل ضرورة لاجتذاب الصناعيين الجدد الصغار وهم لا يستطيعون دخول القطاع الصناعي ما لم نوفر لهم التشريعات والحاضنات والبنيات والتمويل، وأعتقد أن الاستراتيجية ركزت على ذلك في أحد محاورها، لكنها تحتاج إلى التفعيل والتنفيذ؛ لتحقيق هذه الأهداف.
الحديث عن التكامل
وقال الزعيم: ''إن المدن الصناعية قامت على دعم كبير وتوفير كل الخدمات من دون استيفاء التكاليف، لكن في الفترة الأخيرة عدلت هيئة المدن الصناعية بعض الإجراءات وبدأت تستوفي إيجارات لتغطية بعض المنصرفات، وهذا يعتبر حلا معقولا لمقابلة الإنفاق على بعض الخدمات التي كانت تقدم مجانا في السابق، كما أن كثيرا من الصناعات الموجودة في المدن الصناعية لا تطلب أكثر من أرض وكهرباء ولا تلح في الوقت الحاضر على خدمات أخرى مثل المياه والصرف الصحي، أما بالنسبة لموضوع التكامل الصناعي فأرى أننا ما زلنا في بداية الطريق ولا نريد أن نقفز قفزة في الهواء غير محسوبة العواقب، وما زلنا في مرحلة الصناعة المتنوعة والمتفرقة داخل المدن الصناعية، فالتكامل يمكن أن يكون جزءا من فلسفة الاستراتيجية الصناعية الجديدة على النحو الذي شرحه المهندس الراجحي، لكن ذلك أيضا يحتاج إلى ميزانيات إضافية وخدمات إشرافية متخصصة. وفي السياق ذاته، قال الزامل: ''لدينا مفارقات عجيبة في التركيبة التنظيمية والتشريعية للصناعة فالهيئة العامة للاستثمار مثلا تتحدث عن مدن اقتصادية وعناصر إبداع وابتكار في إيجاد صناعات حديثة أو تلك التي تسمى الصناعات المعرفية وغير ذلك من الطموحات الكبيرة، وفي الوقت ذاته حينما ننظر إلى دور واستعداد وزارة التجارة والصناعة نلمس التحدي الكبير الذي نواجهه في الحصول على الموارد الأساسية، وهذه المفارقة تحتاج إلى معادلة معينة لفك شفرتها المعقدة بما يؤدي إلى تنمية المدن الصناعية.
وأضاف: ''إن المدن الصناعية الحالية لا تزال تنقصها خدمات أساسية من كهرباء وصرف صحي وتبريد الخ في الوقت الذي نتحدث عن تطلعات أبعد نحو إقامة مدن للصناعة المعرفية أو البيوتكنولوجي أو الفارماسوتيكال (الصناعة الدوائية)... الخ وهو ما يعني أن المجتمع لديه رغبة في وجود التكامل الصناعي والدخول في أنماط جديدة من الصناعات وإقامة التجمعات، لكن لا يزال ينقصنا استكمال الأساسيات في البنيات الصناعية – وهذه المفارقات تخلق عندنا علامة استفهام كبيرة تحتاج إلى إجابة.