صعود وانهيار إمبراطورية اقتصادية

صعود وانهيار إمبراطورية اقتصادية

فمثلا تعد الشركات والمشروعات مثالا على نظرية البقاء للأصلح في علم الأحياء، فالكيانات الضخمة تنهار من تلقاء نفسها إذا ما فقدت القدرة على التأقلم مع ما يحيط بها من ظروف. وتخضع جميع المؤسسات الاقتصادية لهذه القاعدة، والتي تقول إن أي كيان يحقق البقاء والنمو والتضخم لا بد وأن يسقط في النهاية فريسة لضعفه هو ذاته.
والولايات المتحدة التي صارت قوة تجارية عالمية ومالية مهيمنة بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت أخيرا تظهر عليها بوادر ضعف اقتصادي، متمثلة في الكارثة المالية والركود في عام 2008. إن استجابة النظم الاقتصادية في العالم لتغير الأدوار في النظام العالم ليس بالأمر الواضح بعد، إلا أن التاريخ يمكن أن يقدم لنا دروسا مفيدة للمستقبل.
إن القوى الاقتصادية قديمة قدم الجنس البشري ذاته، بل وتوجد في بعض الأنواع الأخرى: فالنمل والنحل تقيم تسلسلات هرمية معقدة في علاقة الأفراد ببعضهم البعض داخل الخلية أو المملكة يقومون فيها بتوزيع العمل والموارد فيما بينهم. كذلك النظم الاقتصادية تنشأ عندما يبدأ البشر في زراعة أو تنمية غذائهم بأنفسهم.
بدأت المجتمعات الزراعية في سورية منذ نحو 23 ألف عام، عندما اكتشفت الشعوب البدوية أن بإمكانهم بناء مجتمعات ثابتة تقوم على الزراعة، بديلا من الترحال المستمر بحثا عن الطعام. ببقائهم في مكان واحد، تستغل القبائل طاقاتها في اختراع تقنيات أفضل للإنتاج والمأوى وتخزين الطعام.
وضعت هذه المجتمعات الجديدة تقسيما للعمل: بعض الناس تزرع المحاصيل، والآخرون لديهم حرية ممارسة أنشطة أخرى تؤدي إلى تقدم في اللغة والكتابة واختراع الأدوات الأكثر تعقيدا، ومن ثم تعلم البشر ممارسة بعض التحكم في البيئة من حولهم.
مع تطور المجتمعات والأسواق، تطور النفوذ السياسي لأولئك الذين حشدوا القوة الاقتصادية عن طريق تجميع الموارد النادرة، بدءا من الطعام. أولئك الذين ينتجون يملكون أكثر، ويمارسون قوتهم على ''الأمر والتحكم'' في النشاط الاقتصادي. مع نمو المجتمعات الزراعية، بدأت التجارة في الظهور لاستغلال فائض الإنتاج عن طريق نظام المقايضة الذي أدى إلى نشأة الأسواق.
عبر التاريخ اتبعت الإمبراطوريات العسكرية والاقتصادية ذات المسار: حيث اعتمدت روما وإنجلترا وألمانيا النازية على الجيوش للتوسع والحفاظ على إمبراطورياتها. كما أن الإمبراطوريات الاقتصادية تتشابه في الكثير من السمات: حيث تنبع قوتها من إنتاج فوائض هائلة تتحول إلى ثروات. في عام 1779، كان الفيلسوف آدم سميث هو الأول في الاستشهاد بالثورة الصناعية على أنها مثال لكيفية إنشاء نظم اقتصادية بحجم كبير يتيح للأمم بناء الثروة.

الأكثر قراءة