هل يصمد النفط السعودي المخزن أمام تقلبات الطبيعة في الأرخبيل الياباني؟

هل يصمد النفط السعودي المخزن أمام تقلبات الطبيعة في الأرخبيل الياباني؟

ماذا لو ضرب تسونامي جنوب الأرخبيل الياباني، ما المصير الذي سيلاقيه النفط السعودي المخزن في جزيرة أوكيناوا اليابانية، التي سبق أن تعرضت لهزتين أرضيتين بلغت قوتهما سبع درجات في مقياس ريختر في شباط (فبراير) وتشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، وما التدابير الهندسية التي اتخذتها "أرامكو السعودية" لتجنب النفط السعودي مواجهة ثورة الطبيعة؟
تساؤلات برزت بوضوح بعد أن ضرب زلزال وتسونامي مدمر شمال اليابان الجمعة، يصنف بأنه خامس أقوى الزلازل في الذاكرة البشرية، وتسبب في انفجار محطة نووية، ومقتل ما لا يقل عن ألفي شخص، وإغلاق عدد كبير من المصانع، ودمار كبير في الشمال الياباني.
وتخزن السعودية ما يصل إلى 16 في المائة من صادراتها من النفط الخام لليابان في اتفاق تم إبرامه بين البلدين، ويضمن الاتفاق لليابان - ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم - استخدام هذه الإمدادات أثناء الطوارئ، بينما تعزز السعودية - أكبر مصدر للخام في العالم - وضعها في السوق الآسيوية التي تزداد فيها المنافسة.
ويرى الدكتور راشد أبانمي الخبير والاستراتيجي النفطي، إن في الإمكان إعادة النظر في طريقة استيعاب الخزن السعودي في اليابان لطبيعة المنطقة، فيما يتعلق بالهزات الأرضية، وقال "يجب علينا تدارك الأمر من الناحية الهندسية لتجنيب النفط السعودي تأثير الطبيعة".
ويعتقد أبانمي أنه من الممكن أن يتم تدارك الأمور الهندسية والفنية في خزن النفط السعودي في أوكيناوا، لكنه لا يمكن تدارك العوامل الأخرى، بحيث يجب أخذ الحيطة الفنية، كون المنطقة التي يتم تخزين النفط فيها تعد مثالية باستثناء الأمور الطبيعية التي تتعرض لها بين فترة وأخرى.
ورجّح أبانمي أن مخازن النفط في أوكيناوا ـ أقصى الجنوب الياباني ـ تملك قابلية امتصاص الهزات الأرضية بمعدل يصل إلى عشر درجات على مقياس ريختر. وأضاف: طالما أن المباني السكنية في طوكيو لديها القدرة على فعل ذلك، فإنه بالتأكيد المخازن التجارية للنفط لديها القدرة على امتصاص الصدمات أو تحويل النفط إلى أمواج داخل المخازن في حال حدوث هزات أرضية عنيفة، وبيّن أنه هندسيا "المخازن أقل ضررا من المباني السكنية وأكثر تقبلا للصدمات".
ويؤيد أبانمي بقاء الخزن الاستراتيجي في اليابان مع مراعاة اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ النفط من ثورة الطبيعة في اليابان التي تقع على حزام بركاني وصفيحة متحركة، وأشار إلى إن خطورة الزلازل أقل ضررا من خطورة التوترات السياسية، وقال في هذا الاتجاه إن اليابان بلد مستقر سياسيا واقتصاديا ويحظى بعلاقة جيدة مع معظم دول شرق آسيا، وبعيدا عن التوترات السياسية، لذا فإن الخزن الاستراتيجي يمنح بعدا أمنيا للطاقة للعملاء المستدامين، كما أنه يمنح السعودية ميزة تنافسية دون غيرها من الدول التي تمد النفط لآسيا، يوضع للسعودية موطئ قدم، بحيث ينمو الإنتاج النفطي والإمداد مع نمو الاستهلاك، إلى جانب إنه يمكّن السعودية من سرعة تلبية النمو المتزايد على النفط دون ضغوط إنتاجية.
وأضاف الخبير البترولي المعروف، أن اليابان دولة صناعية عظمى ومستهلكة كبرى للنفط، وعلى المدى البعيد ستستمر في الاستقرار الاستهلاكي للطاقة، ولا سيما إنها لا تمتلك بدائل أخرى للطاقة، وهذا يمنح الخزن السعودي أبعادا اقتصادية مهمة. وعن احتمالية إيجاد بدائل أخرى غير اليابان، قال أبانمي "اليابان الأنسب.. تحظى بعلاقات جيدة مع معظم دول الشرق الآسيوي، وتملك البنية التحتية الملائمة".
من ناحيته، يفسر طارق الصقير مدير وحدة الأبحاث لدى شركة تريس داتا إنترناشونال أهمية الموقع لكونه مركزا استراتيجيا للعمليات اللوجستية التابعة لشركة أرامكو السعودية في شرق آسيا يمكنها من المنافسة أمام إنتاج النفط الروسي على نمو الطلب في شرق آسيا، حيث اتخذت روسيا تدابير توسعية شملت بناء شبكة أنابيب إيسبو لربط حقولها النفطية بعدة مواقع في الصين امتدادا إلى سواحل نخودكا الروسية في بحر اليابان، بحيث يصل طول شبكة أنابيب إيسبو الروسية إلى ما يقارب خمسة آلاف كيلو متر بطاقة استيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يوميا، ما يدل على حالة تنافس شديدة تشهدها الأسواق الآسيوية بين النفط الروسي وصادرات "أوبك" خلال السنوات المقبلة.
وقال الصقير إن مستويات المخزون النفطي في اليابان، والتي تصل إلى 580 مليون برميل ستنخفض بشكل ملحوظ نتيجة انتقال حصة كبيرة من استهلاك الطاقة في اليابان إلى النفط لتعويض النقص من إنتاج الطاقة الكهربائية من قبل المفاعلات النووية. وأشار إلى إن ما حدث لأحد المفاعلات النووية في اليابان قد يدفع الحكومة اليابانية إلى إغلاق أغلب المفاعلات النووية مؤقتا للتأكد من اكتمال إجراءات السلامة المتبعة قبل البدء في تشغيل المفاعلات مرة أخرى.
ويتوقع الصقير أن يتم استنفاد حجم لا يستهان به من المخزونات النفطية في الأسابيع المقبلة قبل أن تستطيع المفاعلات النووية تدارك الطلب على الطاقة، موضحا إن هذه المستجدات مشروطة بقدرة مصافي البترول في اليابان على البدء في عملياتها التشغيلية فورا، حيث أغلقت خمس مصاف بترولية بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.3 مليون برميل منذ وقوع الزلزال، بيد أن تداعيات ذلك على المصافي لن تتوقف على آثار الزلزال وحده، بل قد تتجاوز إلى حدوث تآكل لبعض منشآت مصافي البترول نتيجة انغمار المناطق بمياه البحر المالحة، والتي تتطلب فترة صيانة تتجاوز عدة أسابيع قبل التأكد من قدرتها على التعافي مجددا.
يشار إلى إن اليابان تعد مصدرا للمنتجات النفطية، ما قد يثير تخوفات أسواق النفط من قدرة المصافي في جنوب شرق آسيا على تعويض النقص في الأسابيع المقبلة، وحسب بيانات تريس داتا إنترناشونال فإن اليابان تستورد 3.8 مليون برميل من النفط يوميا مقابل 6.5 مليون طن متري من الغاز الطبيعي، غير أن استيراد اليابان من الغاز الطبيعي قد يتضاعف إلى مليار قدم مكعب يوميا إذا قررت اليابان استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء تعويضا عن فقدانها للطاقة النووية.
وتشكل واردات النفطية في اليابان أهمية لدى الدول الأعضاء في "أوبك"، حيث تعتبر اليابان ثالث أكبر مستهلك للنفط بعد أمريكا والصين، وتصدر السعودية لها ما يعادل 1.2 مليون برميل يوميا مقارنة بـ 950 ألف برميل يوميا من قبل الأمارات و 500 ألف برميل من قطر ومثلها من إيران.

الأكثر قراءة