إسرائيل وقضية الأقليات في الوطن العربي

تراقب إسرائيل باهتمام بالغ ما يدور حولها من أحداث في الوطن العربي, ورغم ما يثار عن ضلوع إسرائيل في بعض الأحداث, إلا أن المحللين يجمعون على أن دورها الأكبر الآن هو الرصد والمراقبة والتحليل وانتهاز الفرص لتحقيق مكاسب في المستقبل.
أبرز الدول التي تركز عليها إسرائيل هي مصر بطبيعة الحال, لأن أي تغيرات جوهرية فيها قد تؤدي إلى قلب موازين السلام البارد الذي تم توقيعه في كامب ديفيد عام 1979, ولم يكن غريبا أن تلقي أجهزة الأمن المصرية القبض على جاسوس أوروبي يعمل لحساب إسرائيل, مهمته المراقبة والرصد والتحليل.
في خضم الأحداث المتدافعة في مصر كان العنف الطائفي من أبرز التطورات على خلفية حادث قرية صول بجوار أطفيح في محافظة حلوان, الذي بدأ بعلاقة عاطفية بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة تطور إلى اشتباكات وقتلى من الطرفين وقيام عناصر غير محددة الهوية بحرق كنيسة القرية, ما أشعل حالة من الاستنفار بين الأقباط في مصر وقيامهم بتنظيم اعتصامات واشتباكات وأعمال عنف مع قوات الجيش أسفرت عن 13 قتيلا.
عاد ذلك بنشاط إسرائيلي مكثف لرصد ظاهرة الأقليات في العالم العربي باعتبار الأقليات ورقة رابحة يمكن أن تستخدمها إسرائيل وقت الحاجة إذا ما دخلت العلاقات مع مصر إلى طريق مجهول في حالة تعليق اتفاق السلام وتحول مصر إلى دولة معادية لإسرائيل.
وقبل الاستطراد في موضوع الأقليات نسجل هنا أن إسرائيل تسعى بكل قوة لتمزيق الوطن العربي, وهو جزء لا يتجزأ من مخططاتها لتصبح إسرائيل الدولة الكبرى التي تتحكم في المنطقة, وهو ما سماه بيريز الشرق الأوسط الجديد, الذي يرمي إلى تقزيم الدول الكبرى في المنطقة مصر, إيران, تركيا, والسعودية, وتصبح لها الكلمة الفصل في شؤون المنطقة, ولا شك أن أمريكا تساعدها على ذلك. وما يجري من توترات الآن ربما كانت إرهاصات لثوابت قادمة.
ترى إسرائيل أن الأقليات شركاء لإسرائيل في المصير, فإسرائيل كيان صهيوني عبراني لا يمت للمنطقة بصلة, وهي أقلية مفروضة, وتدرك ذلك جيدا, ولذلك فهي تسعى لتغني أناشيد الأقليات مع أقباط مصر وبربر شمال إفريقيا وأكراد العراق وإيران وتركيا وسورية, وتهدف إلى جعل هذه الأقليات رؤوس حراب تدخل بها وتحارب بها وتنشئ من خلالهم علاقات جديدة لتصبح عضوا مقبلا ــ ثم مسيطرا ــ في المنطقة.
بادئ ذي بدء نود التأكيد على أن إسرائيل لا تتدخل بشكل مباشر في قضية الأقليات حتى لا تواجه ردود فعل غاضبة من الدول ذات الأقليات, ولذلك يصعب علينا رصد نشاطها, لكن بابا مهما أطل علينا, وهو باب الأبحاث والدراسات, فقد نشر المركز الأورشاليمي للدراسات السياسية والاستراتيجية بحثا أعده تسيفي ميزائيل سفير إسرائيل السابق في مصر أوضح فيه في المقدمة أنه يتساءل: هل كانت الثورات التي شهدتها مصر وتونس ولا تزال تنشط في دول عربية أخرى تهدف إلى تلبية رغبات العرب والمسلمين وحدهم؟ أم هي تلبي رغبات جماعية؟ وهل ستؤدي هذه التغيرات إلى تغيرات في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين؟ وهل ستتغير معاملة غير العربي وغير المسلم؟ أم أن مسألة قبول الآخر ستظل مشكلة تواجه الأنظمة القادمة؟
أولى الأقليات هي الأقلية الكردية, رغم أن عدد الأكراد يراوح بين 25 و30 مليونا, إلا أن تشتتهم في دول عديدة يجعل منهم أقلية في كل من هذه البلاد, فالأكراد في تركيا ــ حيث أكبر جالية كردية ــ يصل عددهم إلى 15 مليونا (مقابل 70 مليون تركي), وفي إيران خمسة ملايين (مقابل 65 مليون إيراني) وفي العراق خمسة ملايين (مقابل 20 مليون عراقي) وفي سورية مليونان مقابل 18 مليون سوري, ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى والأكراد يناضلون من أجل تحقيق حلم كردستان الكبرى التي تضم الأشتات, لكن سوء حظهم أن العدو الأكبر لوحدتهم هو تركيا التي إن انتزع منها الأكراد حدث لها انهيار كبير. تتابع إسرائيل قضية الأكراد ووثقت علاقاتها بالملا مصطفى البرازاني, وحرصت دائما على فتح قنوات سرية للتعامل معهم, وتحفل وسائل الإعلام الإسرائيلية بالحديث عن ضحايا النضال الكردي والقتلى الذين راحوا على أيدي العرب والأتراك, خاصة ما فعله صدام حسين بهم, وما تقوم به الدول الأخرى من نقل الأكراد إلى مناطق غريبة عنهم وإحلال سكان وطنيين محلهم. وتوجه إسرائيل النقد للولايات المتحدة التي تترك الأكراد تحت سيطرة المحتلين من العرب والإيرانيين والأتراك, وهي بلا شك تعد أجندة طموحة للانطلاق الكردي تحت جناح إسرائيلي.
أما البربر الذين تناولتهم أبحاث إسرائيلية عديدة فتقول ورقات البحث إنهم عاشوا طويلا في شمال إفريقيا, بل تصر إسرائيل على أنهم سكان البلاد الأصليون قبل أن يفد إليها العرب مع الفتوح الإسلامية تحت قيادة عقبة بن نافع وموسى بن نصير وطارق بن زياد. وقد أطلق الرومان عليهم اسم البربر لعدم قدرتهم على التحدث باللاتينية واليونانية رغم أنهم أصحاب ثقافة زراعية, ويطلقون على أنفسهم اسم الأمازيج, ويبلغ عددهم في الجزائر نحو 25 في المائة من السكان ويتركزون في مناطق محددة في الجزائر. وقد أعلن أحدهم وهو فرحات مهنى نفسه رئيسا لحكومة البربر في فرنسا وهو صديق حميم لإسرائيل.
وينحو الباحثون الإسرائيليون باللائمة على الدول الغربية التي لم تسلط الأضواء على حكومة البربر هذه. ويصل عددهم في المغرب إلى نحو 40 في المائة من سكان البلاد ويطالبون بالحكم الذاتي, لكن الغرب لا يؤيدهم, وتشعر إسرائيل بحرج بالغ في قضية بربر المغرب, لأنها لا تريد إغضاب الحكومة المغربية, كما أنها تود الدفع قدما بقضية استقلال البربر وانفصالهم في دولة مستقلة. أما أهم قضية أقليات تشغل بال إسرائيل فهي أقباط مصر, بطبيعة الحال لقرب وأهمية مصر بالنسبة لإسرائيل, فالأقباط يمثلون 10 في المائة من تعداد السكان في مصر, وتراوح أعدادهم بين ثمانية وعشرة ملايين نسمة. وتروج إسرائيل أن أقباط مصر يتعرضون للقمع والاضطهاد, كما أن المادة الثانية في الدستور المصري تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة والمصدر الأساسي للتشريع. ويكثف الإسرائيليون في وسائل إعلامهم على الإقصاء القسري من الوظائف والمناصب الحساسة في الدولة, حيث لا يمكنهم أن يشغلوا مناصب مثل المحافظين ورؤساء الجامعات, ويقولون أيضا إنهم محرومون من بناء الكنائس. وتقول وسائل إعلامية عديدة إن عملية اضطهاد الأقباط ممنهجة وتتعارض تماما مع فكرة الثورة وتقضي على أي أمل للديمقراطية. وأكتفي هنا بسرد ما يقوله الإسرائيليون لأن وراءه مخططا ضخما لإثارة الفتنة الطائفية في مصر باعتبارها معول هدم حاسما لا يكلف إسرائيل إلا مجرد التآمر.
أقليات أخرى في العالم العربي تسعى إسرائيل إلى إيقاظ نيران فتنتها مثل الأرمن في لبنان والآشوريين في العراق والجنوبيين في السودان, الذين انفصلوا تماما في دولة مستقلة عن جمهورية السودان بفضل جهود إسرائيلية وأمريكية عارمة, ويسعى المحور نفسه إلى تأجيج نار الانفصال في دارفور, ولا تتوقف إسرائيل ويدها الإعلامية الطولى في العالم عن ترديد فكرة أن البدو والعرب هم الذين يتولون الحكم والقتل في دارفور كمقدمة لاستقلال دارفور.
ولمن يهوى متابعة الجهود الإسرائيلية في هذا الصدد سيجد مادة خصبة ومتنوعة تتحدث عن الاحتقان الطائفي أينما كان, وتروى تاريخيا قصة الصدام بين الأقباط والمسلمين. ومع اشتعال الثورات يزداد إيقاع إسرائيل في تغطية الأمور المتعلقة بالأقليات في الدول العربية كافة, فهي ورقة سهلة التناول رخيصة التكلفة, لكنها إذا لم يتنبه لها العرب, ستكون لها آثار مدمرة. ونحن على ثقة بأن الوعي المتزايد لدى هذه الأقليات أولا سيكون درعا منيعة ضد المخططات الإسرائيلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي