ماذا نحتاج لتشجيع الأفكار والمبادرات الريادية؟

عندما يأتي شخص مبادر وطموح لديه واحدة من الأفكار الجديدة التي تنظر للمستقبل وتحلم بتطوير الواقع في أي مجال من المجالات، ليضعها في سلة واحدة مع الجهد الذي لا يتوقف لإنجاح الفكرة، ومع رأس المال الذي يأتي من مستثمر يؤمن بالفكرة وبتشجيع الأفكار الجديدة وبالاستثمار في المستقبل فإن هذا يعني أن لدينا مبادرة ريادية أو Start-up.
وكما شرحت في مقالي الأسبوع الماضي، فإنه أيا كانت المسميات، فإن هذا القطاع الاقتصادي الناشئ خلال العقدين الأخيرين من الزمن يلقى تشجيعا ضخما في مختلف أنحاء العالم كاستراتيجية تلجأ إليها الدول؛ حتى يمكنها المنافسة في المجالات الاقتصادية الجديدة التي نشأت بسبب تطور تكنولوجيا المعلومات والإعلام الرقمي، إضافة إلى ما تمثله هذه المبادرات من حلول حقيقية للمجتمعات التي تريد خلق فرص وظيفية جديدة واستيعاب طاقات الشباب الإبداعية (والعكس صحيح طبعا).
واحدة من الأسباب المهمة لنجاح المبادرات الإبداعية والريادية في مجتمع ما وجود الدعم التعليمي، ففي العالم العربي وكثير من الدول النامية، تجد الكثير من الأفكار في عقول الشباب، لكنهم لم يتلقوا التعليم الكافي الذي يسمح لهم بتحويل الفكرة لكيان مؤسساتي، وبوضع خطة أعمال مناسبة، وبأخذ الإجراءات التي تسمح لهم بجذب رجال الأعمال لأفكارهم. في المجتمعات الغربية وكثير من دول العالم يتلقى الطلاب مثل هذه المعلومات في المرحلة الثانوية ويتدربون عليها، وهذا إضافة لكونه يؤهلهم لمفصل مهم من حياتهم العملية، فإنه يفتح لهم الآفاق ويمنحهم التشجيع ويشرح لهم ما معنى أن تعطي حياتك لتحويل فكرة خلاقة إلى قصة نجاح، أو على الأقل قيمة أن تحاول في هذا الاتجاه.
كنت في حديث مع واحد من أهم المستثمرين الأمريكيين في الأفكار الجديدة لمواقع الإنترنت، وقال لي إن مشكلته الأساسية مع دراسة العروض التي تصله من الدول العربية أنها تخلو من أساسيات العرض الصحيحة التي تمكنه من صناعة القرار، ليفاجأ بعدها بأن الدول العربية لا تقدم تعليما في هذا الاتجاه في المدارس، وكانت هذه صدمة له؛ لأنه - حسب قوله - لا يعرف وسيلة أخرى يمكن للمجتمع أن يعلم الشباب مبادئ المبادرات الريادية entrepreneurship ويحمسهم لها سوى المدارس، ودون ذلك ستبقى هذه المعرفة محدودة وانتقائية وأقل بكثير من حاجة المجتمع.
بالنسبة لي هذا الأمر لم يكن صدمة بالطبع، ليس فقط لأننا نعرف مدى جمود مناهج التعليم وصعوبة التطوير فيها، بل أيضا لأن كل مبادئ المبادرات الريادية جديدة تماما على مجتمعاتنا، رغم حاجتها الماسة إليها.
هناك قضية أخرى لا بد من الحديث عنها تتعلق بضعف تشجيع المجتمعات العربية للأفكار الجديدة (إضافة للإجراءات النظامية المعقدة والتي أشرت إليها الأسبوع الماضي)، وهي عدم احترام قصص الفشل!
طبيعة الأفكار الجديدة هي احتمال النجاح والفشل، وعندما لا يرحم المجتمع قصص الفشل، ويعاقب من يفشل، فإن هذا يعني أن أصحاب الأفكار سيكونون على تمهل شديد قبل أن يجربوا فكرة جديدة، وإذا كان أصحاب الأفكار عادة فيهم حس المغامرة الذي قد لا يبالي أحيانا برؤية المجتمع، فإن هذه الثقافة تضغط بشكل حاد على قطاعين من الناس: رجال الأعمال الذين يسثتمرون، ولا يريدون أن ترتبط أسماؤهم بمشاريع فاشلة، والطاقات المحترفة المتميزة التي تبحث عن الشركات الناجحة وتخاف العمل في مبادرات جديدة خوف فشلها، ومن ثم وجود قصة فشل على سيرهم الذاتية.
هذه الثقافة لا وجود لها في الدول الغربية، فالنجاح والفشل هما فقط نتيجة عوامل كثيرة جدا، واحدة منها قيمة الفكرة أو الجهد الذي وضع خلفها، القيمة الأساسية في تقييم الإنسان هي أن يحاول، أن يبذل الجهد، أن يؤمن بفكرة، أن يؤمن بقدرته الذاتية، أن يفعل شيئا للتطوير، أن يخرج عن كونه كائنا روتينيا، القيمة الحقيقية هي للإبداع والفكرة الجديدة، أما نجاح الفكرة في تحويلها إلى ''بزنس'' ناجح، فهذا أمر آخر لا علاقة له بتقييم الفكرة والأشخاص الذي يقفون وراءها.
لقد كتبت دراسة في السابق ضمن دراستي الأكاديمية وتم نشر نتائجها لاحقا عن الفرق بين ''ثقافة الإبداع'' و''ثقافة الذكاء''، وإذا كانت المجتمعات الغربية تعشق الفكرة الجديدة، فنحن نعشق الذكاء الذي يمكنك من الحفظ ومعرفة كل الأجوبة في الصغر، ثم الالتفاف على الحياة بأي طريقة وتحقيق النجاح الذاتي في الكبر، وشرحت مطولا لماذا تسبب مثل هذه الثقافة ضعفا للمجتمعات وانهيارا للاقتصاد المعرفي بقطاعاته المختلفة.
في الأسبوع المقبل سأتحدث عن عوامل نجاح المبادرات الريادية، مع الشكر مقدما للمتابعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي