عندما تصبح الوظيفة غير مهمة للطلبة المبتعثين..!

ابتعاث الطلبة السعوديين للدراسة في الخارج أمر يقع بين أفقين مهمين: الأول، هو كون ما حصل من ابتعاث عدد هائل من الطلبة إنجاز تاريخي سيحدث نقلة ضخمة في نوعية العطاء البشري في المملكة العربية السعودية خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي يطرح التساؤل عن الوسيلة الأمثل لهذا الاستثمار غير المسبوق من طرف الدولة، والأفق الثاني هو تساؤل البعض عن مدى جاهزية القطاعين الخاص والعام لاستيعاب هذا العدد الكبير من الطلاب العائدين خلال الفترة المقبلة من ناحية التوظيف.
ربما كان الحل أن نفكر ''خارج الصندوق'' أو أن نستفيد من التجربة العالمية التي تقلل من أهمية الوظيفة وتركز على قيمة المبادرات الشبابية الإبداعية وعلى الاستفادة من القدرات المميزة في خلق نمو اقتصادي قائم على المؤسسات الجديدة وليس على استيعابهم في الكيانات القائمة، وهو الأمر الذي تحدثت عنه قبل أسابيع في سلسلة مقالات عن المبادرات الإبداعية.
هذا الحل بالضبط هو ما يحاول اليوم الإثنين مجموعة من الطلبة السعوديين المبتعثين في أستراليا فعله، حيث يقيمون ''منتدى ريادة الأعمال للطلبة المبتعثين في أستراليا ونيوزيلندا'' والذي يرأسه الأخ راكان العيدي، ويحاضر فيه مجموعة من المهتمين والداعمين لقضايا ريادة الأعمال في المملكة أو في أستراليا، حيث سيشارك كل محاضري الخارج عن طريق الاتصال المرئي عن بعد، في تنظيم ورؤية يثيران الإعجاب.
المؤتمر يحمل لوجو استبدال ''البحث عن وظيفة'' بـ ''المبادرات الريادية'' وشعاره ''الوظيفة ليست دائما الخيار الأول''، ويطالب الطلبة المبتعثين بـ ''اقتناص المعرفة والفرص الاستراتيجية في بلد الابتعاث'' وذلك لدور ''ريادة الأعمال في تحول المملكة إلى الاقتصاد المعرفي''، ويهدف في آخره إلى ''إطلاق منصة نادي رواد الأعمال السعوديين''.
لنتخيل النتيجة الممكنة لجهد مماثل يركز على تحويل الطالب السعودي المبتعث إلى فرصة إبداعية لتطوير الاقتصاد المعرفي من خلال ما يلي:
• إيجاد مستشارين للطلبة السعوديين المبتعثين في مختلف الدول الغربية ليعملوا معهم على البحث في الاتجاه الصحيح عن الأفكار الاستراتيجية في بلد الابتعاث والتي يمكن أن يحضروا بها معهم إلى المملكة بعد نهاية الدراسة.
• التعاقد مع دورات عامة للطلبة السعوديين المبتعثين حول التفكير الخلاق والإبداعي، وحول تأسيس خطط المؤسسات الجديدة وتطويرها.
• إيجاد برامج خاصة لدعم الطلبة القادمين من الخارج على تأسيس تلك المؤسسات ومراجعة الأفكار الجديدة وإرشادهم بشأنها على يد فريق من رجال الأعمال الشباب والمتخصصين في مجال التخطيط للأعمال.
• تشجيع التواصل الإلكتروني بين الطلبة المبتعثين في منصة متخصصة تعنى بالأفكار وكيفية بناء المؤسسات الجديدة، وتحقيقها للنجاح بأسرع وقت، وللربط بين هؤلاء الطلبة وبين الجهات المستعدة لتمويل المشاريع الجديدة.
• إيجاد صندوق استثماري تابع لأحد مؤسسات الدولة معني بالدرجة الأولى بالتمويل غير الربحي لهذه المبادرات.
لقد كتب لي الحظ يوما أن أكون مساعدا لمشرفي على رسالة الدكتوراه والذي كان يلقب في أمريكا بـ ''الأب الروحي للإبداع''، حيث تعاقدت معه الحكومة السنغافورية على تدريب كل مواطن سنغافوري يزيد عمره على 18 عاما خلال 10 سنوات على التفكير الإبداعي. تخيل كم فائدة سنغافورة كدولة من مشروع كهذا، وتخيل كم فائدة المملكة من مشروع مماثل يركز بالدرجة الأولى على الطلبة المبتعثين.
أعتقد أن المبادرات الإبداعية والريادية هي الحل السحري للاستفادة المثلى من الطلبة المبتعثين وخبراتهم وحماسهم وطاقاتهم، دون أن يتحولوا بأي شكل من الأشكال إلى عبء على اقتصاد الدولة بل ليصبحوا هم الرافد الأساسي لنمو الاقتصاد المعرفي بمختلف مستوياته.
لهذا السبب، أرى أن منتدى أستراليا يستحق الدعم والتشجيع والتغطية الإعلامية، وأعتقد أنه ينبغي فقط أن يكون شرارة البدء..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي