تعدد الاستعمالات
كانت الغرف ولا تزال في كثير من المساكن التقليدية في دول آسيا وإفريقيا (من اليابان شرقاً إلى المغرب غرباً) تصمم وتنفذ بوصفها فراغات تستخدم لأغراض متعددة، فالغرفة الواحدة تستخدم لاجتماع أفراد الأسرة ومزاولة أنشطتهم المعيشية المتنوعة (المشتملة على: تناول الطعام، والدراسة أو المذاكرة، وحتى العمل، والنوم أيضاً)؛ فالفراغ الواحد يستفاد منه ويوظف باستعمال الأثاث الخفيف الذي يسهُل على الأسرة نقله وتخزينه، لأكثر من نشاط بحسب تنوع احتياجات الأسرة الحياتية اليومية أو الموسمية أو الفصلية. ولكن نظراً إلى التأثيرات الثقافية المصاحبة للثورة الصناعية المنبعثة من أوروبا ظهرت المساكن ذات الفراغات أو الغرف المخصصة لوظيفة واحدة، والتي عادةً ما تُؤثث بالأثاث الكبير، شبه الثابت، وذي الوزن الثقيل الذي يصعب على أفراد الأسرة نقله وتحريكه وتخزينه بيسر وسهولة (مثل: الأسرَّة، والكنب، وطاولة الطعام، وغيرها من الخزانات والملحقات). واختفى على أثر هذه الممارسات مفهوم توظيف فراغات المسكن لتلائم تعدد الاستعمالات وفقاً لاحتياج الأسرة، وزادت نتيجة لذلك عناصر المسكن ومكوناته، وكبرت مساحتها، وارتفعت تكلفة المسكن، فصعب على الكثير من الأسر الحصول عليه وامتلاكه.
ومما زاد الطين بِلّة ـ كما يقال في المثل ـ ظهور سلوكيات مزدوجة في طريقة استخدام المسكن عند الكثير من الأسر، فنتيجة للمتغيرات المتسارعة في نمط وأسلوب حياتنا المعاصرة؛ تبنى الناس عدداً من المفاهيم والعادات الاجتماعية الحديثة، مع استمرارهم في الحفاظ على موروثهم التقليدي. وقد ظهرت انعكاسات هذا التوجه بشكل سلبي على ازدياد حجم المسكن وكثرة عناصره، حيث نجد أن الكثير من المساكن يحوي عدداً من الفراغات المخصصة للوظيفة نفسها أو الاستخدام نفسه، فهناك على سبيل المثال عدد من المجالس: أحدها مؤثث بالأرائك (الكنب)، والثاني مؤثث بالجلسات الأرضية العربية التقليدية، وربما هناك ثالث ملحق في الفناء ومزود بموقد الحطب التقليدي أو المشابه لبيت الشعر أو المخصص "للشباب"، وغيرها من الفراغات الإضافية، التي يمكن الاستغناء عنها بمجلس واحد فقط. وهي تشكل تكلفة إضافية تجعل امتلاك المسكن غير ميسر لنسبة كبيرة من الأسر، وتشكل بعد ذلك عبئا مستمراً من الجهد والتكاليف للعناية بها، خصوصاً أنها لا تستخدم إلا في فترات معينة ولأنشطة محددة. وفي مساكننا المعاصرة الكثير من الغرف والعناصر التي تشكل مساحتها نسبة كبيرة من المساحة الإجمالية، والتي لا تستخدم إلا في فترات متباعدة (مثل: المجالس على اختلاف أنواعها ومسمياتها، وغرفة الطعام "المقلط"، وغيرها من الملاحق)؛ لذا تستدعي منا هذه الظاهرة إعادة النظر في طريقة تصميم الوحدات السكنية، والعمل بجد على الرفع من كفاءة عناصرها ومكوناتها بطريقة تجعل استخدامها لأغراض متعددة ممكناً. إن جعل الفراغ الواحد يخدم أكثر من نشاط سيحد بشكل فاعل من احتياج الأسرة لفراغات إضافية لا تستعمل إلا نادراً، وسيعمل ـ من ثم ـ على جعل مساحة المسكن أصغر، وجعل تكلفة تنفيذه وصيانته أقل.