قراءة لنظام الرهن العقاري وتأثيره

مع أن هذا النظام لم يُقر إلى الآن، إلا أن بنوده كما وردت إلى مجلس الشورى، معلنة على الإنترنت وفي الدراسة التي أعدتها الغرفة التجارية في المنطقة الشرقية بعنوان ''الوضع الراهن للقطاع العقاري.. والدور المأمول لنظام الرهن العقاري''، وجميع الشروط والتعريفات في المصدرين متطابقة، لذلك سنعتمد عليها في هذه القراءة. وسنتطرق هنا إلى تعريف الرهن العقاري وشروطه وأهميته للمواطن والبنك، وتأثيره في السوق العقارية ومقارنته بأزمة الرهن العقاري في دبي ومحاولة الاستفادة منها.. وسيكون النقاش بشكل موجز ولبعض الأمور التي أظن أنها بالغة الأهمية.

تعريف الرهن العقاري

''هو عقد يسجل وفق أحكام الرهن العقاري يَكسب به المرتهن (الدائن) حقاً عينياً على عقار معين له سجل، ويكون له بمقتضاه أن يتقدم على جميع الدائنين في استيفاء دينه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون''.
وهذا يعني أن المواطن يمكنه رهن بيته باسم البنك أو أي جهة مصرح لها بالإقراض مقابل قرض مع فوائده ويكون العقار ضماناً للقرض. وفي حال تخلف المواطن عن سداد قيمة القرض أو أي قسط من الأقساط يمكن للبنك طرد المواطن وبيع العقار لاستيفاء الدين. كما أن النظام أعلاه يشمل رهن كل ما هو منقول وله سجل، مثل السيارة أو الطائرة.

أهمية الرهن للمواطن
هي الحصول على قرض بنسبة فائدة أقل من السابق، ويستطيع المواطن من خلاله تملك مسكن.

سلبياته على المواطن
- تحميل المواطن أعباء مالية كبيرة قد تعرضه لخسارة كل ما يملك.
-تشجيع المواطن على المخاطرة بأصول يملكها من أجل الحصول على قرض.
تحميل المواطن وزر غيره، ففي حال أنه وارث لأي شخص، فإنه ملزم بسداد ديونه.

أهميته للبنك

-النظام يساعد البنك على التوسع في سوق الإقراض، التي تعتبر سوقا بكرا في بلدنا، وهذا سيؤدي إلى زيادة الأرباح.
- يمكن للبنك تملك العقار وطرد المالك وبيع العقار لاستيفاء الدين في مدة وجيزة، سواء من صاحب الدين أو ورثته.

سلبياته للبنك
زيادة في الديون المعدومة أو المتعثرة في حال التوسع في الإقراض وخصوصاً لمن ليس لهم ملاءة مالية.

شروط نظام الرهن العقاري
شروطه أو مواده قد تصل إلى 50 مادة، ولكن كما ذكرت، سأتطرق إلى ما أرى أنه من أهمها للمواطن وللبنك.
المادة رقم ( ): ''إذا حل أجل الدين وجب أداؤه، فإن أداه المدين أخذ رهنه، وإن لم يؤده بيع الرهن بطلب المرتهن، ويُقدم على جميع الغرماء في استيفاء دينه من ثمنه وفقاً لمرتبته شرعاً ونظاماً، فإذا بقي للمرتهن دينٌ حاصص الغرماء في باقي أموال المدين كغيره من الدائنين''.
وهذا يعني أن الدائن (البنك) له الأحقية في استيفاء الدين من قيمة بيع الرهن في حال عجز المدين (المواطن) عن تسديد كامل الدين أو قسط من أقساطه المستحقة، وإذا بقي له دين تقاسمه مع باقي الدائنين مما يتبقى من أموال المدين (المواطن).
المادة رقم ( ): ''للمرتهن أن يتخذ إجراءات النزع الجبري لملكية العقار المرهون وبيعه إذا لم يقم المدين بالوفاء في الأجل المعين، وذلك بعد إنذار المدين وحائز العقار المرهون وفقاً لنظام التنفيذ''.
وهذا يعني أنه في حال التأخر عن دفع قسط من الأقساط فإن للبنك الحق ببيع العقار، خلال مدة وجيزة. وإذا افترضنا أنه سيكون بطريقة نظام الرهن التجاري نفسها، فإن الرهن التجاري ينص في المادتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة، على أن البنك أو الراهن يُنذر المدين بالوفاء ولمدة ثلاثة أيام، وإن لم يتم دفع الدين، جاز للبنك أن يطلب بعريضة تقدم لديوان المظالم لأمر بيع المرهون كله أو بعضه، وبعد أن يقوم ديوان المظالم بتبليغ المدين أو الكفيل العيني، يتم بيع العقار بعد انقضاء مدة خمسة أيام.
المادة رقم ( ): ''تتم إجراءات النزع الجبري لملكية العقار المرهون وبيعه عند عدم الوفاء بالدين وفقاً لنظام التنفيذ''.
والأرجح هنا بأنها ستكون خلال ثمانية أيام مثل المادة أعلاه، وأتمنى أن يكون تفسيري لهذه المادة خاطئا وأن المدة ستكون من شهر إلى شهرين.

المادة رقم ( ): ''إذا زاد ثمن العقار المرهون على قيمة الديون المسجلة، كانت الزيادة للمالك''.
المادة أعلاه واضحة ولكن في المقابل لو نقصت قيمة المرهون عن قيمة الدين فإن المدين مطالب بسداد الفرق. والخطورة هنا هي في حال شراء منزل أو أرض بثمن مرتفع ومن ثم حصل تصحيح أو انخفاض في أسعار العقار، فإن المدين مجبر على السداد حتى لو بيع العقار بنصف قيمته.
المادة رقم ( ): ''إذا تعثر المدين في السداد وباعت المحكمة الرهن قبل حلول الأجل كله، أمرت بسداد الأقساط الحالة للدائن، وأودعت باقي المبلغ في حساب بنكي. وللمدين طلب الإفراج عن المبلغ إذا قام بالسداد المبكر لباقي مديونيته، أو قدم كفالة مصرفية لسداد باقي الدين''.
وإذا لم تخني الذاكرة فهناك قاعدة شرعيه تسمى ''سقوط الآجال'' وتعنى بأنه في حال تعذر سداد قسط واحد، تحل جميع الأقساط دفعة واحدة. أي حتى إن قام المدين بتوفير القسط بعد التعذر أو بعد التأخير، فإن للبنك الحق في المطالبة ببيع العقار والمطالبة ببقية الأقساط.
المادة رقم ( ): ''لا يبطل الرهن بموت الراهن، أو المرتهن، أو بفقدان الأهلية، فإن مات أي منهما قام وارثه مقامه، وإن فقد أهليته ناب عنه وليه''.
والمشكلة هنا إن كان الأبناء غير قادرين أو لا يوجد إلا بنات أو زوجة كبيرة في السن، هل يُزج بهم في السجن عند تعذر التسديد. والمشكلة الأكبر هي عندما لا يكون له لا أبناء ولا بنات ولا زوجة، هل يتحمل العصبة من أبناء عمه أو خاله هذا الدَين؟.. وبناءً على المادة أعلاه فالجواب احتمال أن يكون بنعم. وإذا كانت البنوك تقوم اختيارياً بالتأمين على حالات الوفاة، فلماذا لا يلغى هذا الشرط؟

تأثيره في السوق العقارية

هناك أربعة احتمالات لمدى تأثير هذا النظام في السوق العقارية.
الأول: أن يكون التأثير محدوداً، وذلك لارتفاع أسعار المساكن ولقلة الدخل، وهذا ما أشارت إليه دراسة البنك السعودي الفرنسي ودراسة هيئة تطوير مدينة الرياض. وهذا ما حدث أيضا في مصر عندما أُقر نظام الرهن العقاري في عام 2001، فلم يكن هناك تأثير يُذكر ولنفس الأسباب.
الثاني: أن يتسبب في ربكة لسوق العقار وزيادة الطلبات على المساكن، مما سيتسبب في رفع الأسعار. وستكون الطلبات من المضاربين أو من لديهم مدخرات أو دخولهم جيدة نوعا ما، حيث إنه لن يتمكن من الاستفادة من الرهن إلا من دخله السنوي يزيد على 170 ألف ريال، وهذه نسبة بسيطة من المواطنين. ولا أتوقع أن تستمر هذه الطلبات أكثر من ستة أشهر إلى سنة ومن بعدها يتوقف الطلب. كما أن في هذا الاحتمال، سيتوجه الكثير من الاستفادة من هذا النظام لبناء وحدات سكنية لاستثمارها أو المضاربة عليها مما سيساعد في زيادة المعروض، كما أنه للأسف سيساعد على تضخم الفقاعة.
الثالث: أن يتسبب في ربكة للسوق العقارية ويحدث تصحيحا وهبوطا في الأسعار وخصوصاً عندما يتيقن التجار والمستهلكون بأن الرهن العقاري لن تستفيد منه إلا فئة قليلة من أصحاب الدخول المتوسطة أو العالية.
الرابع: أن يحدث تصحيح في أسعار العقارات قبل إقرار النظام، وخصوصاً إذا تأخر إقراره.
وأنا أستبعد الاحتمال الأول وأتوقع أن يكون التأثير هو مزيج بين الاحتمالين الثاني والثالث، أي زيادة مفاجئة في الأسعار لمدة ستة شهر إلى سنة ومن ثم هبوط حاد. كما لا أستبعد الاحتمال الرابع.

توجه البنوك وشركات الإقراض

لا شك في أن البنوك ستكون حذرة جداً في الإقراض وذلك لسبب بسيط ''لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين''، أولاً: أنها ما زالت تعاني من الديون المعدومة لكبار رجال الأعمال بعد الأزمة العالمية، وثانياً: أنها شاهدت ما حدث في دبي وإسبانيا وأمريكا وغيرها من الدول بسبب نظام الرهن العقاري والتوسع في القروض. كما أن البنك سيكون متحفظا في الإقراض إلى أن يتأكد من أن الدولة ستقوم بتطبيق القانون على من يخالف النظام من المواطنين.
ولكن ما أخشاه ويجب أن ينتبه إليه المسؤولون في مؤسسة النقد وهيئة سوق المال، هو من بعض شركات الإقراض الصغيرة التي يكون هدفها فقط تضخيم القيمة السوقية للشركة وبيعها أو بيع أسهم بأسعار مرتفعة والاستفادة من هذه العملية وليس من نشاط الشركة الأساسي. وهذا ممكن أن يتم عندما يكون هناك ضعاف نفوس همهم الربح السريع ولو كان فيه ضرر للمواطن. وذلك بأن يقوم المستثمر أو مجموعة من المستثمرين بتأسيس شركات تمويل عقاري، ومن ثم التوسع في الإقراض بغض النظر عن الملاءة المالية للمواطن، وحيث إن المقترض غالباً لن يتخلف عن سداد الأقساط في أول سنتين أو ثلاث، مما سيزيد من أرباح الشركة ومن قيمتها السوقية، ومن ثم يتم إدراج الشركة في السوق المالية وبيع جزء من الشركة أو بيعها بأكملها، وبعد ذلك يبدأ التعثر في التسديد ومن ثم تكالب الخسائر على الشركة.
ومن المخاطر أيضاً السماح للبنوك بأن تبيع قروض المواطنين لشركات أخرى، وهذا ما زاد من حجم أزمة الرهن العقاري في أمريكا، وهذا مشجع للبنوك على التوسع في الإقراض.

وأخيرا أزمة دبي العقارية .. وتخيُل أزمة مشابهة في السعودية

يجب على المسؤولين في الدولة وفي القطاع الخاص دراسة أزمة دبي العقارية والاستفادة منها. فلقد وصلت نسبة القروض الممنوحة من بنوك دبي للمقترض إلى 90 في المائة من نسبة القرض، أي يمكن لأي شخص يملك مليون درهم أن يشتري منزلاً بعشرة ملايين. وكان هذا ديدن الكثير من المضاربين، فهو يعلم أنه سيبيع المنزل خلال أشهر وقبل حلول القسط الأول بربح 50 ـ 100 في المائة من استثماره، ولكن عندما انفجرت الفقاعة لم يستطع سداد هذه المستحقات. ومما أدى إلى تضاعف هذه الأزمة هو البيع على الخريطة. والبيع ع‍لى الخريطة مفيد في حال أن المستفيد النهائي هو من يشتري، أما إذا كان المضارب هو من يشتري فهنا تكمن الخطورة.
ولتخيل حجم المشكلة في السعودية، لو ـ لا قدر الله ـ حدثت أزمة رهن عقاري مشابه لدبي، فإنه يمكن حسابه بطريقة بسيطة. فحجم ديون بنوك دبي المعدومة من أزمة الرهن العقاري بلغ نحو 120 مليار درهم، لا يوجد رقم دقيق لها ولكن توقعات. ولو حدثت هذه الأزمة في السعودية في المستقبل ـ لا قدر الله ـ فإن هذا المبلغ سيتضاعف 10ـ14 ضعفا، وذلك على أساس حجم الاقتصاد في دبي والسعودية، مما يعني أن الديون المعدومة لدينا ستكون 1.68 تريليون ريال. ولو افترضنا أننا سنكون متحفظين في الإقراض وأن نسبة المشكلة لدينا ستكون فقط 30 في المائة من أزمة دبي، فإن الديون المعدومة ستكون 504 مليارات، متوسط 70 مليارا لكل بنك.
أعلم بأن هناك من سيقول إننا لسنا مثل دبي، فطلبنا طلب داخلي، وأنا أقول تعددت الأسباب والموت واحد، فأسباب انفجار الفقاعات الاقتصادية كثيرة ولكننا للأسف لا نعلمها أو لا نريد أن نعلمها إلا بعد حدوثها. والهدف من المقال أعلاه ليس إثبات وجهة النظر، فما كُتب أعلاه يحتمل الصواب والخطأ، ولكن الهدف هو محاولة مناقشة نظام الرهن العقاري من عدة أوجه لكي يخرج النظام في أفضل صورة تخدم جميع الأطراف.
ولإثراء النقاش، فإني أهيب بالمختصين وبمَن لديه استفسار أو ملاحظة على هذا المقال أن ينشرها على موقع الصحيفة الإلكتروني، لكي يتسنى للجميع مناقشة الموضوع. آملين أن يكون في هذا النقاش ما يساعد أصحاب القرار على تعديل أو إضافة بنود إلى النظام لما فيه مصلحة الجميع. كما آمل عند صدور النظام أن تصاحبه حملة من قبل الدولة لشرح تفاصيل النظام وفوائده ومخاطره على المواطن.
إفصاح الكاتب: أقر بأن ما كتب أعلاه هو رأي شخصي معرض للصواب والخطأ ولم أتقاضَ عليه أي أجر، كما أنه لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ أي قرار استثماري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي