تلويحة الوطن في ذكرى البيعة
تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مقاليد الحكم قبل ست سنوات من مثل هذا اليوم، سدة ميقات تاريخ لعمر مديد، لرجل عرفته هذه البلاد فتياً وشاباً ورجلاً، حمل مع والده المؤسس وأشقائه الملوك والأمراء تكاليف الملك وهموم الرئاسة، تقلب في مناصب عِدة، ودار في أفلاك مهام ومواقف دبلوماسية عديدة، عربياً وإسلامياً ودولياً.
اليوم بالذات، الوطن ومواطنوه على موعد للاحتفال بمرور هذه السنوات، فقد تسلم أبو متعب دفة القيادة ومضى بالشوط مفعماً بالعزيمة والإصرار على إزكاء المسيرة المباركة للتنمية بجليل المشاريع والبرامج والقرارات والتوجيهات التي لا تستهلك وقتها بين التخطيط إلى الاعتماد والتفويض للتنفيذ مع المتابعة الدائمة للإنجاز.
إن قلب التنمية وروحها هو التعليم، لذلك كرس الملك عبد الله له جل اهتمامه، وقفزت جامعاتنا من ثماني جامعات إلى نحو 32 جامعة حكومية وخاصة، فيها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، كما شمل التأهيل التربوي 89 محافظة في مختلف مراحل التعليم من رياض الأطفال إلى الثانوية، وفي الوقت نفسه تم ابتعاث نحو 100 ألف طالب، ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، ومعه تم إطلاق: مشروع خادم الحرمين لتطوير التعليم العالي، مشروع خادم الحرمين لتطوير القضاء، مشروع تطوير الخدمات الصحية، مشروع الخدمات الإلكترونية، وغيرها من مشاريع حملت في طياتها البعدين البشري والفني.
الملك عبد الله كان عبر سنوات قد وجه بفائض خير الميزانيات لمشاريع التنمية: التعليم، الصحة، الصرف الصحي، البلديات، والطرق، كما أقر زيادة رواتب موظفي الدولة المدنيين والعسكريين بنسبة 15 في المائة، كما أقرت ثم اعتمدت نسبة 15 في المائة بدل غلاء المعيشة، وفي حزمة القرارات الأخيرة تم منح موظفي الدولة راتبين، وإقرار مرتب كبدل للبطالة (2000 ريال)، وجعل الحد الأدنى للأجور في السلم المدني (3000 ريال)، وإبداء الالتزام بالسعودة في القطاع الخاص.
صندوق التنمية العقاري شهد اعتمادات إضافية لمخصصاته بمليارات الريالات، وزيدت قيمة القرض إلى 500 ألف ريال، كما تم اعتماد تنفيذ 500 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى اعتمادات أخرى لصندوق التنمية الصناعية وبنك التسليف ولمخصصات الضمان الاجتماعي، إضافة إلى الـ (عشرة مليارات ريال) السابقة، إلى جانب دعم جمعيات متخصصة، كالمهندسين، جمعية الثقافة والفنون، والأندية الأدبية، وسبق ذلك كله زيارات خادم الحرمين الملك عبد الله للمناطق التي لا تكاد تنقطع ليضع أحجارا أساسية لمشاريع هنا أو هناك بمليارات الريالات في مختلف مجالات التنمية ومشاريعها الحيوية أو الخدمية.
كان هذا الحراك العملي على أرض الواقع، وهذا الزخم من الإنجاز الذي ظل يروده خادم الحرمين أو يوجه له أو يرعاه داخل البلاد، يوازن أعمالا على المستويات: العربية، الإقليمية، والدولية، في دأب على ترسيخ علاقات المملكة مع سائر المنظومات وجعلها في صدارة المكانة والاحترام، سواء في الإطار السياسي، أو الاقتصادي، أو التقني والثقافي والعلمي، فقد دفع خادم الحرمين بمسارات علاقات المملكة بغيرها من الدول الشقيقة أو الصديقة إلى سدة التقدير لمكانتها الروحية، ولثقلها الاقتصادي، ولدورها المسؤول والثابت في نصرة الحق والعدل والأمن والسلام، وبرهن خادم الحرمين على ذلك في مناسبات عديدة، لعل أبرزها: مؤتمر القادة في الأمم المتحدة من أجل حوار الحضارات، ورئاسته لحوار الأديان والثقافات في إسبانيا، ورحلاته للشرق والغرب، حاملاً الهاجس ذاته في تكريس التقارب بين الشعوب، ونشر السلام والمحبة، مستشعراً في كل ذلك حاجة العالم إلى الاستقرار في مسعاه لمبادرة مؤتمر الطاقة للدول المنتجة والمستهلكة، جاعلاً مقر منتداه في الرياض، مطلقاً خلاله برنامجه ''الطاقة من أجل الفقراء''.
تلك إشارات مختزلة لعمل كثيف دؤوب وجهد عسير، لكن قيادة الملك عبد الله لهذا السياق من العمل والإنجاز أسفرت اليوم عن أن المملكة العربية السعودية أصبحت واحات أمن وتنمية زاهرة في حواضرها، وفي أسماع العالم وفي أنظاره، وواحدة من أبرز أعضاء دول قمة العشرين، مثلما هي من أبرز أعضاء هيئات ومنظمات عربية وإقليمية ودولية تمنحها القوة والقيمة الاقتصادية والمعنوية المضافة، فيما تتشرف تلك الهيئات والمنظمات وكل تجمع ولقاء للمملكة فيه حضور، بكون المملكة العربية السعودية معها.
هذا الفيض من مجد الإنجاز والعطاء والسمعة المميزة، كله، حصاد قيادة مؤمنة بربها وثيقة الصلة بهموم شعبها، ومن الإيمان والثقة وبروح الإخلاص ونبل الرعاية لا يكون عمر البيعة لخادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز ست سنوات، وإنما عمر خالد في عمر الوطن ووجدان شعب تلوح له أياديه بالتحية مباركاً له، شاكراً، ممتناً، داعياً له بطول العمر.