غياب الاستراتيجية يحرم دول الخليج من لعب دور مؤثر في أبحاث المصرفية الإسلامية
كشف الدكتور صلاح الشلهوب مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي عن أن العلاقة بين المؤسسات المالية الإسلامية ومؤسسات البحث والدراسات ضعيفة جدا وغير مستمرة، في وقت تتعرض فيه هذه المؤسسات للنقد بأنها مقلدة وتستسهل أسلمة المنتجات التقليدية، ولا تقوم بأعمال تطوير المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة عبر مراكز أبحاث متخصصة.
وحول غياب الحضور والتفاعل الاستراتيجي بين المؤسسات المالية الإسلامية ومراكز الأبحاث في دول الخليج ونجاحها في ماليزيا قال الشلهوب لـ «الاقتصاية»: إن دول الخليج ليس لديها استراتيجية وخطط واضحة لهذا القطاع، فبعضها وجد أن هذا النشاط أصبح واقعا في مؤسساته المصرفية، وهي تتعاطى مع هذا الواقع بالحد الأدنى من الاحتياج، لذلك لن تكون لاعبا رئيسا في هذا القطاع إلا إذا كان هناك سعي لإيجاد التكامل في متطلباته، وتكشف لنا المرحلة القادمة تحولات قد يكون لها دور في دعم هذا القطاع في منطقة الخليج. إلى تفاصيل الحوار:
ما وظيفة مراكز الأبحاث والدراسات، والدور الذي تقوم به في عملية وضع معايير موحدة لضبط العمل المصرفي الإسلامي؟
وظيفة مراكز الأبحاث هي في الغالب البحوث التطبيقية التي تنناول أبحاث متطلبة لاحتياج المجتمع من خلال القطاعات الحكومية والقطاع الخاص والبحوث التي تقدم خدمة للمجتمع، وهذه البحوث تأخذ طابعا أكاديميا، حيث إن نتائج هذه البحوث تنشر بعد الانتهاء من الأبحاث في أوعية علمية محكمة مثل المجلات العلمية والمؤتمرات والكتب وغيرها.
أما فيما يتعلق بدورها في وضع معايير موحدة للمؤسسات المالية الإسلامية فيمكن من خلال تقديم دراسة وافية من خلال خبراء من مختلف التخصصات التي لها علاقة بالتمويل الإسلامي وخبرة في حوكمة المؤسسات المالية والأنظمة الدولية للبنوك المالية الإسلامية تقديم مقترح بعد دراسة وبحث معايير تحكم المؤسسات المالية الإسلامية وآلية لتطبيق هذه المعايير بحيث تكون ملزمة لهذه المؤسسات، وفي الوقت نفسه لا بد أن تضع هذه المعايير إطارا يقبل وجودا للاجتهاد والابتكار لهذه المؤسسات، إذ إن المؤسسات المالية الإسلامية وبسبب طبيعة التنوع في أدواتها التمويلية فإنها تحتاج إلى نوع من المرونة للابتكار، لكن في إطار عام وحد أدنى من المعايير الملزمة.
كما أن مراكز البحث يمكن أن تلعب دورا مهما في عملية التقييم المستمر لعلمية التطبيق والثغرات ومن ثم التطوير والتحديث والتغيير بناء على المعطيات، إذ إن المؤسسات المالية الإسلامية ما زالت تعد حديثة النشأة وتحتاج إلى عملية تطوير مستمر.
#2#
من خلال عملية السعي إلى تأسيس إطار علمي شامل للتمويل الإسلامي، أين تقع مراكز الأبحاث والدراسات من هذه العملية؟ وما موقعها؟
عندما نلاحظ عملية البدء في وضع إطار علمي شامل للتمويل الإسلامي فإن هناك جهات متعددة لها دور رئيس في هذه العملية ولا يمكن الاستغناء عن أي منها وإلا سيكون الإطار العلمي الشامل مصيره الفشل.
وهذه الجهات هي المؤسسات المالية الإسلامية وهي تمارس الجانب التطبيقي، والجهات التنظيمية وهي الحكومات وبالأخص البنوك المركزية، والجهات العلمية والبحثية ومنها الجامعات ومراكز البحوث، وهذه العناصر الثلاثة رئيسية لوضع الإطار العلمي الشامل، والملاحظ أنه خلال الفترة الماضية لم يكن هناك عمل وتنسيق مشترك بينها، وبالتالي غلب على نشاطها الانفراد.
في الوقت الذي يتطلع فيه كثير من الباحثين لنظام مالي إسلامي يقوم على المشاركة، نجد أن هذا لا يتحقق على أرض الواقع لأن هذا الإطار النظري بعيد عن إيجاد مؤسسات تتبنى هذا الإطار وتطبقه، أما البنوك المركزية في الفترة الماضية لم تتدخل بشكل رئيس في عمل المؤسسات المالية الإسلامية، فأصبح هناك نوع من التفاوت وعدم الانسجام في هذه الأطراف.
لذلك من المهم اليوم أن تأخذ كل جهة موقعها الصحيح، وتتحمل مسؤوليتها لتحقيق نظام مالي إسلامي شامل يعتمد على إطار علمي صحيح قابل للتطبيق والنجاح، ويحقق الأهداف العامة للنظام المالي والاقتصادي الإسلامي وخدمة المجتمعات المسلمة.
عند النظر إلى واقع المؤسسات المالية الإسلامية نرى أنها لم تعمل على تطبيق كل مرافق الاقتصاد الإسلامي وأهدافه ومقاصده، بل اقتصرت في كثير من أعمالها على صيغ معينة ومكررة، ما يؤدي إلى ضعف منافستها وتأثيرها في ظل غياب إمكانية الاندماج بينها .. ما رأيكم؟
لا شك أن هذا واقع، وذلك بسبب الغياب الكبير لجانب البحث والدراسة والتطوير والابتكار، وأن يكون هناك تكامل في الدراسات تأخذ في الاعتبار أن هذه المؤسسات تعمل ضمن منظومة عالمية لها شروطها وطبيعة لعملها، وبالتالي فإن عدم أخذ ذلك في الاعتبار لن يجعل لأي ابتكار أو مقترح فاعليته على أرض الواقع، لأنه سيتصادم مع أنظمة ومعايير لا تقبل المنظومة العالمية تجاوزها، وبالتالي ستبقى المطالبة بها أمرا نظريا بعيدا عن الواقع التطبيقي للمؤسسات المالية الإسلامية.
يلاحظ أن مؤسسات التمويل الإسلامي ما زالت تلتزم بهيكلة وآليات الأدوات المالية التقليدية التي تعتمد الفائدة أساسا لهيكلة تلك المعاملات .. ما سر غياب المنتجات الأصيلة؟
هذا أمر ملاحظ بشكل واضح في برامج البنوك الإسلامية ومنتجاتها بوجه خاص والمؤسسات المالية الإسلامية بوجه عام، والسبب في ذلك بشكل مباشر غياب البديل المناسب الذي يعتبر معيارا لتسعير المنتجات المالية الإسلامية.
والحقيقة أن استخدام معيار الفائدة كأساس لتسعير المنتجات المتوافقة مع الشريعة غير مناسب من الناحية الفنية أيضا، إذ إن عناصر المخاطرة في التمويل المتوافق مع الشريعة تختلف كليا عن التمويل التقليدي المبني على الفائدة كأساس لتسعير المنتجات. وهذا يعيدنا إلى مسألة دور البحوث التطبيقية التي تعالج مثل هذه القضايا وتقدم الحلول المناسبة، لكن في ظل الفجوة بين التطبيق والبحث العلمي نجد أن البنوك الإسلامية تعتمد على هذا المعيار الأكثر شيوعا بين البنوك وهو الفائدة، أو بشكل أدق معدل الفائدة.
هل يقتصر جانب عمل مراكز الأبحاث والدراسات والمجاميع العلمية على الجانب الشرعي من ناحية تأصيل وتقييم المعاملات شرعيا، ولماذا لا يتم النظر في الدراسات التطبيقية ومشكلات المصرفية الإسلامية؟
يفترض في الدراسات البحثية التطبيقية ألا يقتصر نشاطها على جانب واحد فقط، بل يكون عملها متكاملا ويقدم حلولا تطبيقية ولا يتم ذلك إلا من خلال التكامل في الدراسات، ومن الممكن أن يكون دور المركز جزئيا في تقديم دراسة معينة في تخصص محدد، لكن الدراسة بشكلها الكلي لا بد من التكامل فيها وإلا ستكون دراسة غير قابلة للتطبيق ولا تقدم حلولا عملية. لذلك فإن الدراسة الشرعية قد تكون بحثا نظريا، لكن هذا ليس وظيفة المراكز البحثية التطبيقية، بل وظيفتها تقديم بحوث متكاملة أو جزء من كل بحيث يكون ناتج هذا البحث مخرجا قابلا للتطبيق على أرض الواقع.
ما تقييمك لمستوى التعاون بين مراكز الأبحاث والمجاميع العلمية وبين مؤسسات التمويل والمصارف الإسلامية؟ وهل هناك مخصصات للبحث العلمي في هذا الجانب.
الحقيقة أن الواقع يشهد فجوة كبيرة بين هذه المؤسسات مع العلم أن بعض المراكز البحثية قد تكون قديمة وبعضها حديث النشأة، لكن الصورة العامة لهذه المؤسسات أنها تعمل بشكل مستقل دون أن يكون هناك تنسيق وتكامل في عملها، والتنسيق بينها إذا ما تم فإنه ضعيف وغير مستمر.
فمن خلال النظر إلى هذه المؤسسات لا نجد أن كثيرا من المؤسسات المالية تعتمد في تطوير منتجاتها بناء على دراسة تقدم بها أحد المراكز البحثية، أما المجامع الفقهية فلها دور كبير في نقاش كثير من القضايا المتعلقة بالتمويل الإسلامي، لكن قراراته لا تلتزم بها المؤسسات المالية الإسلامية ولا تعتبر معيارا للجودة الشرعية لمنتجاتها. كما أن القرارات هي عبارة عن وجهة نظر بناء على دراسات مقدمة لهذه المجامع، لكن هذه الدراسات تتم من خلال تكليف بعض الخبراء والباحثين في مختلف التخصصات دون أن يكون هناك تنسيق فيما بينهم.
ما الأسباب التي تحول دون وجود مرجعية إلزامية وآليات عمل، ونظام ومعايير واضحة تضبط عمليات المؤسسات المالية الإسلامية وتسير وفقها؟
هناك مجموعة من الأسباب يمكن أن نلخصها في التالي: أولا حداثة نشأة المؤسسات المالية الإسلامية.
ثانيا: قلة البحوث التطبيقية التي يمكن أن يرجع إليها في وضع هذه المعايير.
ثالثا: عدم جدية واهتمام البنوك المركزية في الفترة الماضية بالتعاطي مع احتياجات المؤسسات المالية الإسلامية.
رابعا: وجود الخلاف الفقهي بين العلماء قديما وحديثا، الذي قد يجعل الإلزام ببعض الآراء فيه نوع من التضييق.
خامسا: وجود معايير دولية في المجال المصرفي والمالي، التي تعوق وضع بعض المعايير للمؤسسات المالية الإسلامية. سادسا: ضعف الخبرات القادرة على وضع معايير فاعلة في هذا الموضوع دون أن يكون له أثر سلبي من خلال إعاقة نشاط المؤسسات المالية الإسلامية.
هل يشكل التراث الفقهي قاعدة كافية لتأسيس نظام مالي إسلامي يوفر حلولا قابلة للتطبيق في الواقع المالي الحالي، لماذا لا تبادر المؤسسات المالية لإيجاد مركز دراسات استراتيجية يقوم بقراءة هذا التراث، وأيضا حوكمته واشتقاق صور لتعاملات مالية إسلامية قابلة للتطبيق، وأيضا يقدم استشارات شرعية وفنية للمؤسسات المالية؟
الحقيقة أن دور الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالأمور الدنيوية يختلف عنه فيما يتعلق بالعبادات، ففي الوقت الذي يحصر الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالعبادات بما ورد فقط في التراث الإسلامي حتى لا يتم استحداث عبادات وتصرفات قد تؤدي إلى التقصير في تحقيق رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - نجد أن الأمر يختلف تماما في أمور الحياة مثل المعاملات المالية والمأكل والمشرب والمعاملات بين البشر.
حيث إن التشريع الإسلامي لديه نوع من المرونة العالية في التعاطي مع المستجدات من المعاملات المالية، وغاية ما يسعى إليه هو وضع الضوابط التي تحقق العدالة بين البشر، وما يحقق مصلحتهم في العاجل والآجل، وما يحفز جانب العمل والإنتاج من خلال الموازنة بين مصلحة الفرد والمجتمع، وألا يطغى أحدها على الآخر.
ولذلك ليس هناك إشكال في الأصل في التعاطي مع المستجدات في المعاملات المالية، والاستفادة من التراث الإسلامي في ضبط هذه التعاملات. ومسألة إيجاد مركز دراسات استراتيجي للمؤسسات المالية الإسلامية أمر ضروري لتحقيق التنمية المستدامة لها من جهة توفير احتياجاتها من البحوث والدراسات والقوى البشرية وتوجيه نشاطها لما يحقق مصلحتها ومصلحة المجتمع.
تطورت عمليات البحث العلمي والشرعي في دولة مثل ماليزيا، وأصبحت رائدة في طرح الأفكار الجديدة والمتوافقة مع الشريعة التي تحتاج إليها المؤسسات المالية .. لماذا يغيب هذا الأمر عند دول الخليج؟
الحقيقة أن ماليزيا عملت في الفترة الماضية واستثمرت كثيرا في مجال التعليم والبحث وتحفيز نشاط المؤسسات المالية الإسلامية وضبط عملها لتكون مركزا رئيسا لهذه الصناعة، وحققت كثيرا من أهدافها، إذ إن لديها تكاملا في العناصر التي يحتاج إليها هذا النشاط، إضافة إلى استقطاب الكفاءات للعمل لديها، أما ما يتعلق بدول الخليج فإنها ليست لديها استراتيجية وخطط واضحة لهذا القطاع، فبعضها وجد أن هذا النشاط أصبح واقعا في مؤسساته المصرفية، وهي تتعاطى مع هذا الواقع بالحد الأدنى من الاحتياج، لذلك لن تكون لاعبا رئيسا في هذا القطاع إلا إذا كان هناك سعي لإيجاد التكامل في متطلباته، وقد تكشف لنا المرحلة القادمة تحولات قد يكون لها دور في دعم هذا القطاع في منطقة الخليج.
ما زالت عمليات التدقيق الشرعي الخارجي والداخلي أقرب إلى الجانب الشكلي، وهناك العديد من المؤسسات المالية الإسلامية لديها مخالفات في هذا الجانب، لعدم اعتمادها الشفافية والرقابة الشاملة، والهدف أن تحصل كل عام على عبارة ''جميع أعمالها متوافقة مع الشريعة''.. لماذا لا تنشأ جهة ومرجعية مالية إسلامية تقوم بأعمال المراقبة؟
هذه من القضايا المهمة جدا في عمل المؤسسات المالية الإسلامية، إذ ما زالت عملية التدقيق والمراقبة الشرعية في كثير من الدول التي تنشط فيها هذه المؤسسات المالية الإسلامية عملية داخلية لدى هذه البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أو التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة، وبالتالي فإن هذه الآلية في الأنظمة الإدارية الحديثة غير فاعلة وينشأ عنها ما يسمى تعارض المصالح الذي قد يطعن في مصداقيتها، لذلك في جوانب التدقيق المالي والمحاسبي لا بد أن تلجأ هذه المؤسسات إلى التعامل مع مدقق ومراجع خارجي للحسابات والميزانيات، إضافة إلى الرقابة من خلال المؤسسات النظامية مثل البنوك المركزية ووزارة التجارة والمالية وغيرها. لذلك إذا ما كانت هناك رغبة في تحقيق كفاءة عالية لعملية المراقبة والتدقيق فلا بد أن تكون من جهة مستقلة كي يكون هناك مستوى عال من الشفافية والمصداقية.
ما طبيعة العمل الذي يقوم به مركز التميز للدراسات والدور الذي يقوم به؟ وما البرامج التي يقوم عليها؟
مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي التابع لمعهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مركز أنشئ بدعم من مؤسسة عبد الرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيرية، بغرض الارتقاء بالمستوى التعليمي والبحثي للمصرفية والتمويل الإسلامي بشكل عام.
وذلك من خلال إعداد المقررات التدريسية والبرامج التدريبية والأكاديمية في مجال التمويل الإسلامي وإعداد البحوث التطبيقية المتكاملة في هذا المجال وإعداد واستقطاب الخبرات المتميزة في مجال التمويل الإسلامي بغرض المشاركة في إعداد البحوث والدراسات في هذا المجال وتقديم البرامج التعليمية لهذا المجال الذي يشهد تطورا ونشاطا كبيرين في الأصول بشكل لا يتناسب مع احتياجاته البحثية.
وعمل المركز خلال الفترة الماضية على وضع استراتيجية وخطة شاملة متوسطة المدى بغرض تحقيق أهداف محددة، ومخرجات ذات جودة عالية.
وذلك إيمانا بالمسؤولية الاجتماعية لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وقدرتها على تقديم ما يضيف ويلبي احتياج هذه الصناعة على المستوى التعليمي والبحثي.