تلك العبارة الشيطانية
ماذا لو اخترت القرار الخطأ؟ ماذا لو لم تنجح تلك الخطة؟ ماذا لو لم أستطع التغيير؟
ماذا لو .. ..؟
تلك العبارة الماكرة الترددات والمغلفة بمبررات الحذر الحريص علينا قد تكون من أكبر المعيقات للخروج من منطقة الراحة السلبية واكتساب القوة الشخصية، فكثيرا ما نجد أنفسنا نقف في مفترق الطرق في بداية كل قرار نلتفت يمينا وشمالا في حيرة وتنتابنا الهواجس والتساؤلات المقلقة، ربما بسبب ذلك الصوت الداخلي الذي ما زالت موجاته تتردد في عقولنا منذ ذاكرة الطفولة البعيدة، حين برمجنا فيها من حولنا على عبارة كانت تتكرر كثيرا "كن حريصا! يحتمل أن تصنع القرار الخاطئ!" مما جعلنا نفضل غالبا ألا نختار ونقبع في منطقة الظل حتى ولو نموت جوعا من شح القرارات، ونكون قد اخترنا دون أن ندري أن نحرم أنفسنا من ألذ ما في مأدبة الحياة اللذيذة "شجاعة الاختيار ومتعة التعلم من تجارب الحياة".
إن خوفنا من القرار الخاطئ بسبب اعتقادنا بأنه سيحرمنا من شيء ما، النقود، الأصدقاء، الأحباء، الوضع الاجتماعي، أو أي شيء من المفترض أن يحمله لنا القرار الصحيح، وتلك التوقعات غير المنطقية بأننا يجب أن نكون مثاليين، وننسى أننا نتعلم من خلال أخطائنا، فحاجتنا الزائفة إلى المثالية والسيطرة على نتيجة الأحداث تعملان معا لنظل مكبلين ومذهولين عندما نفكر في إحداث تغيير ما أو محاولة تحدٍ جديدة.
إنك تنظر إلى المجهول، وتحاول أن تتنبأ بالمستقبل، وتسيطر على قوى خارجية ليست في نطاق صلاحياتك، فهل تشك في أنك تقود نفسك للجنون إذا أفرطت في ذلك، والمشكلة أنه حتى بعد صنع القرار سيظل شبح القرار الخاطئ يطاردك باستمرار ويطالبك بتقييم الموقف حتى لا تكون قد اقترفت خطأ ما، مما سيجعلك تستمر في النظر للوراء وممارسة توبيخ الذات بسياط جملة "لو كنت فقط .. .."، وهكذا تهدر طاقتك العصبية؛ لأنك إذا كسبت الراحة عندما تكون النتيجة كما تمنيت فستظل مؤقتة، إذ بينما تتنفس تنهيدة الراحة يلوح في ذهنك ملامح القرار الجديد الذي عليك صنعه والذي سيضطرك لممارسة خطوات العملية التعذيبية كاملة مرة أخرى.
هذا جنون، أليس كذلك؟ لكن هل هناك طريقة أخرى؟
ماذا لو اعتبرت كل عملية صناعة قرار هي اختيار بين طريقين أ، ب وكلاهما صحيح وفرص ثرية لتجربة الحياة بأسلوب جديد، لتتعلم وتتطور، تكتشف ذاتك، أبعادا جديدة في شخصيتك، علاقات من نوع مختلف، فكل طريق منثور بالفرص على الرغم من النتيجة، لكن يسبق ذلك أن نعرف الفرصة بتعريف جديد ليس ضروري أن يكون مرتبطا بالمال والمنصب، وفي كل مرة تواجه شيئا ما وتتعلم مواجهته بشجاعة سيرتفع احترامك لذاتك وتتلاشى مخاوفك بشكل لا حد له، وذلك فقط إذا اعتبرت نفسك تلميذا مجتهدا في جامعة كبيرة ومناهج دراستك هو العالم الذي تعيش فيه، فكل خبرة تعتبر درسا قيّما يتم تعلمه، إذا اخترت الطريق (أ) ستتعلم سلسلة ما من الدروس وإذا اخترت الطريق (ب) ستتعلم أيضا سلسلة مختلفة من الدروس، مجرد مدرس مختلف، كتب مختلفة نقرأها، واجب منزلي مختلف نقوم به، امتحانات مختلفة نجتازها، هذا لا يهم حقا فإذا أخذنا الطريق (أ) ستتذوق ثمار الفراولة وإذا أخذنا الطريق (ب) ستتعرف على ثمار العنب.
ببساطة، لِمَ لا نجعل من أي مكان منتدى تعليميا لاكتساب معرفة جديدة عن أنفسنا والعالم من حولنا؟.. وما دمت قد صليت الفجر وقرأت أذكاري وتوكلت على الله فمرحبا بالحياة ولن أخسر أبدا، بل سأكسب دوما خبرات جديدة.