الأسد .. قواعد اللعبة تغيرت والتدخل الدولي يسبقه الرحيل
أهناك أي سيناريو لتدخل عسكري غربي أو ربما سيناريو أمريكي للتدخل في سورية بشكل يضعف من الرئيس بشار الأسد أو ربما يعجل برحيله؟ السياسة الغربية ما زالت إلى هذه اللحظة - وإن وجهت انتقادات لاذعة للنظام السوري على الطريقة الدموية التي يعالج فيه الوضع في سورية - تراوح بين الضغط من أجل أن يقود النظام نفسه الإصلاح أو يرحل، لكن دون الكشف عن أي استراتيجية في حال إخفاق الرئيس الأسد في فهم رسالة الإصلاح، وفي حال استمر التظاهر والمجازر. فالتدخل العسكري الغربي من شأنه أن يغير قواعد اللعبة ويدفع نظام دمشق لإعادة حساباته، فالسؤال إذن يتعلق بإمكانية التدخل العسكري، وهذا هو السيناريو الذي بدأ الكثير من المحللين الاستراتيجيين تناوله لما له من تغيير كبير في قواعد اللعبة الإقليمية، وهو أمر سيفضي إلى رابحين جدد وخاسرين جدد أيضا.
كان الجميع يراقب انتهاء الانتخابات التركية حتى يتم التعرف على موقف أنقرة الحقيقي وإمكانية تنفيذها لما هددت به في غير مناسبة بأنها ستتدخل لإيجاد منطقة عازلة حتى تمنع من تدفق اللاجئين إلى تركيا، لكن الآن انتهت الانتخابات وجدد الأتراك ثقتهم بحكومة حزب العدالة والتنمية، بمعنى أنه لم يعد هناك أي مبرر سياسي داخلي ليشغل رئيس الوزراء أردوغان عما يجري في سورية. وأكثر من ذلك، فقد شددت سورية من قبضتها وما زالت تمارس سياسة قمعية ودموية ضد المتظاهرين، الأمر الذي دفع بالآلاف منهم إلى الهروب من موت محقق في مواجهة آلة القتل السورية، والحديث الآن يدور حول عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين دخلوا تركيا، وهناك من يقول إن العدد وصل إلى ما يقارب عشرة آلاف مواطن سوري تركوا بلدهم بعد أن حركت قوات النظام الأسد الدبابات وقامت بإطلاق النيران بشكل دموي على المتظاهرين.
والقصص التي يتحدث عنها اللاجئون السوريون قصص تقشعر لها الأبدان بعد أن أفادوا بأن القوات السورية تطلق النار على أي شيء يتحرك وقامت بحرق المحاصيل في محاولة ربما بائسة لإخضاع الناس والعباد ما ينبئ عن سياسة حديدية هي في موضع التنفيذ وليست بعيدة عن البنية الذهنية لنظام مثل نظام البعث السوري. وعلى الرغم من أن هناك انشقاقات في الجيش السوري (لأن هناك بعض الضباط في الجيش السوري من السنة ترفض إطلاق النار على متظاهرين سلميين وقسم منهم أعلن انشقاقه)، فلا يلوح في الأفق أن تمردا في الجيش السوري سيحدث. فما زال سيناريو ليبيا بعيدا نوعا ما، لأن الثوار الليبيين يمثلون أعدادا كبيرة من الجيش الليبي وتحت سيطرتهم هناك بقعة أرض كبيرة تتمثل في مدينة طرابلس، وهو ما ينقص المتظاهرين السلميين في سورية، من هنا من غير المرجح في القريب العاجل أن نشهد تمردا كبيرا في الجيش السوري بشكل يجعله الثوار في موضع يسمح لهم بالسيطرة على أي بقعة أرض تمهيدا لشن هجمات ضد قوات النظام السوري.
ولهذا السبب، من المستبعد أن ينجح المتظاهرون السوريون في تغيير النظام دون مساعدة خارجية ترفع من تكلفة التدخل على نظام الأسد، فما زال الأسد يقمع شعبه دون أن يكون لذلك ثمن مباشر على نظامه. غير أن قضية التدخل العسكري الغربي في سورية ستلاقي معارضة تقليدية من دول مثل روسيا، وبالفعل عبرت روسيا في غير مناسبة عن معارضتها لتدخل عسكري غربي في سورية لأسباب استراتيجية وليس لأنها حريصة على مناصرة النظام السوري ضد المتظاهرين. وتتخوف روسيا بالفعل من احتمالية أن يتدخل الغرب عسكريا في سورية، ولهذا يعبر محللون روسيون عن قلقهم من الرسائل التي تبعث بها الولايات المتحدة لروسيا في أعقاب دخول إحدى السفن الحربية الأمريكية البحر الأسود للمشاركة في تمارين عسكرية مشتركة بين أوكرانيا والولايات المتحدة، فأمريكا تريد أن تبعث بسفن حربية حتى تمارس ضغطا على روسيا لعدم التعرض لاستراتيجية أمريكا القادمة في الشأن السوري. فروسيا تخشى على قاعدتها البحرية على المتوسط في سورية، وهي تخشى أن يتعرض ذلك للخطر في حال غياب النظام السوري.
روسيا تنظر بقلق بالغ في التغير في موقف تركيا أيضا، فبعد تحسين العلاقات بين البلدين على مدار عقد من الزمن في محاولة روسية لكسب صداقة أنقرة، لعل الأخيرة تنتهج سياسة خارجية مستقلة عن الغرب، غير أن تركيا التي بدأت تحس بتغييرات كبيرة تحدث في المنطقة ترى أن من مصلحتها العمل معا مع الولايات المتحدة لإحداث التغيير في سورية. كما أن أنقرة ترى أن من مصلحتها التماهي مع الموقف السعودي فيما يتعلق بالعلاقة بين طهران ودمشق، وربما من مصلحة تركيا كما هو الحال مع السعودية بألا تتبوأ طهران مكانة مؤثرة، أو لنقل مهيمنة في الإقليم. لهذا نجد معارضة روسيا قد تكون معزولة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الحراك الإقليمي في الشرق الأوسط.
ونشر السفينة الحربية Monterey في البحر الأسود ما هو إلا جزء من إعادة ترتيب القوة العسكري الأمريكية في الإقليم في حال اتخاذ أمريكا أو الغرب قرارا بمهاجمة سورية عسكريا. وحسب ملفات دبكا، فإن تقارير استخبارية واستراتيجية، مؤكدة تشير إلى أن الولايات المتحدة نشرت حاملة الطائرات Bataan amphibian قبالة السواحل السورية في البحر المتوسط، وعلى متن حاملة الطائرات هناك ما يقارب من ألفين من قوات المارينز، وست طائرات حربية و15 طائرة عمودية هجومية. كما يشار أيضا إلى أن هناك بناء قوة للأوروبيين في حوض المتوسط لتقوية حضور الصواريخ المضادة للصواريخ ربما استعدادا للتعامل مع سورية عسكريا في قادم الأيام أو في حال تم اتخاذ القرار بذلك. وهذا التحضير المكثف للقوة الصاروخية الغربية يبدو كأنه تحضير أو خطة طوارئ للتعامل مع الصواريخ الأرضية السورية والتابعة لحزب الله وربما التابعة أو القادمة من إيران، فهناك خشية أن تستهدف إسرائيل بالصواريخ في حال شن الغرب هجمات عسكرية ضد النظام السوري.
غير أن هناك من يشير إلى أن التحضيرات العسكرية الأمريكية تحرج تركيا التي تسعى إلى القيام بإقامة منطقة عازلة في شمال سورية حتى تمنع قدوم اللاجئين إلى تركيا، وهنا يخشى رئيس الوزراء أردوغان أن يظهر كمن وضع يده في يد الغرب للنيل من النظام السوري. ومع ذلك فهناك مصادر استخبارية في الخليج العربي تفيد بأن واشنطن تقوم بتنسيق كبير مع أنقرة، بمعنى أن رئيس الوزراء أردوغان موافق على وضع القواعد التركية تحت تصرف أي عملية عسكرية غربية ضد سورية.
الحراك العسكري الغربي في المنطقة لا يتم دون ملاحظة القوى التي تساند سورية، فحزب الله مثلا قام في الثالث عشر من هذا الشهر الجاري بنقل مواقع الصواريخ إلى مناطق في وسط البلاد حتى تبقى آمنة من إمكانية تأثير الصراع مع سورية فيها. ويشار هنا إلى نصيحة مقدمة من طهران بضرورة أن يقوم حزب الله بنقل الصواريخ إلى أبعد نقطة حتى لا يؤثر فيها أي نزاع عسكري بين سورية والغرب. ويبدو أن إيران باتت لا تستبعد تدهور الوضع في سورية بشكل يؤدي إلى نزاع إقليمي، وفي هذا السياق حذرت طهران في أكثر من مناسبة بضرورة ألا تشن أمريكا أي هجوم على أي دولة في المنطقة، خاصة ضد سورية، فإيران تخشى سقوط النظام السوري بشكل سريع، ما قد يفضي إلى نظام آخر قد لا يتحالف مع طهران وقد يغير من طبيعة تحالفاته اللبنانية بشكل يضعف من تيار الممانعة ويمزقه، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الموقع الجغرافي والاستراتيجي لسورية. فإيران لا يمكن لها أن تحتفظ بالفاعلية نفسها في التأثير في السياسة اللبنانية إذ خرجت سورية من المدار الإيراني، وهو خطوة إن تحققت ستنتج اصطفافات إقليمية غير مألوفة.
بالنسبة للغرب، ما زال الرئيس الأسد غير قادر على إحداث الإصلاحات المطلوبة، فبعد خطاب الرئيس بشار الأخير بات واضحا أنه متمرد على كل طلبات الإصلاح التي تأتي من الخارج ومن الداخل ويصر على إلقاء اللوم على المتظاهرين دون أن يبدي نية جدية لمناقشة ضرورة الإصلاح في سورية وتغيير قواعد اللعبة السياسية. لهذا السبب فإن الغرب سيشعر بالإحباط وربما بالحرج نتيجة استمرار الرئيس الأسد في لعبته القائمة على شراء الوقت وقمع المتظاهرين وما يتخلل ذلك من خروقات لحقوق الإنسان وإخضاع شعب بالكامل بقوة السلاح.
الغرب ما زال مكتفيا بالعقوبات المفروضة على سورية وآخرها موقف دول الاتحاد الأوروبي التي تحاول أن توسع من شبكة العقوبات لتضعف فيها نظام الأسد أو تدفعه للتفاهم مع المتظاهرين السلميين أو على الأقل لوقف التقتيل الدائر، غير أن تدرجية ما يمكن أن تحدث في حال قيام تركيا بالفعل في احتلال جزء من شمال سورية لمنع السوريين من التحول إلى لاجئين في تركيا. وربما تتوسع الدائرة بحيث لا تتمكن سورية من دخولها ما يسبب حرجا للنظام السوري الذي سينظر إليه كمن ضعف في وجه الخطوة التركية في حال تحققها. هنا فقط يمكن توقع أن يساعد الغرب تركيا على محاولة لاستغلال الفرصة لعمل عسكري يريده البعض ويحذر من عواقبه البعض الآخر.
لكن .. هل ستطور الوضع في الأسابيع القادمة لتدخل عسكري غربي على غرار ما يجري في ليبيا؟ هذا هو السؤال الرئيس الذي يحاول أن يجيب عنه المتابعون، وهناك ما يشبه الإجماع بأن تدخلا عسكريا أمريكيا أو غربيا على الطريقة الليبية لا يجد التأييد العربي، كما هو الحال مع ليبيا. كما أن له عواقب في حال قررت سورية توسيع دائرة المواجهة لإشراك إسرائيل في الأمر ما يجعل من العرب في موقف محرج جدا، فكيف يعقل أن يقف العرب مكتوفي الأيدي إذا كانت إسرائيل جزءا من المعركة، وهو أمر برع فيه نظام الأسد، فإيهام العرب بأن سورية هي الحصن الأخير المدافع عن العروبة يجعل الموافقة أو التواطؤ مع استهداف سورية أمرا غير قادر على الاستمرار لفترة طويلة، خاصة في ظل استمرار إسرائيل في ارتكاب مجازر وحماقات سياسية واستراتيجية في العلاقة مع الفلسطينيين.
والسيناريو الثاني للتدخل العسكري سيأخذ شكل ضربات جوية من عمق البحر المتوسط، حيث هناك سيطرة أمريكية غربية على البحر ولا يمكن لسورية أن تشكل تهديدا لهذه القوات حتى تردعها، لكن السؤال يبقى: كيف يمكن لهذه الضربات أن تكون مؤثرة في ظل عدم وجود فصل كامل بين الفرقاء، فالجيش السوري موجود في داخل المدن السورية، وبالتالي لا يمكن أن تكون هناك ضربات جوية نظيفة دون إيقاع إصابات غير مبررة لدى المدنيين؟ وهذا يرفع من تكلفة التدخل، خاصة أن التدخل الأمريكي في اليمن لاقى قبولا عربيا بشكل عام. ربما ما يحسم مسألة تدخل الغرب عسكريا من عدمه هو التغير في موازين القوى بين المتظاهرين والقوات السورية.