الغرب لم يفلح بعد في علاج الأزمة المالية.. والحل في دورة الاقتصاد الإسلامي
أكدت الباحثة نجاح ميدني المتخصصة في الموارد الاقتصادية الإسلامية في جامعة باتنة في الجزائر لـ"الاقتصادية"، أن الأزمة المالية العالمية التي حدثت أخيرا لم تفلح بعد في حل الأزمة الاقتصادية، وكشفت نصاعة وأهمية دورة الاقتصاد الإسلامي وبعدها القيمي والأخلاقي والإنساني، وقالت ميدني: إن الدولة في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي تلعب دورا فعالا في الرقابة الشرعية على النشاط الاقتصادي من خلال مراقبة سلوك الفرد وتقييد تصرفاته إذا ما أضرت بالصالح العام، وأن ذلك يتمثل في إحياء الرقابة الذاتية في نفوس الأفراد، وفي مؤسسة الحسبة والمراقبة الشرعية لجميع مجالات الأنشطة الاقتصادية، وتحقيق تشغيل أمثل للموارد الاقتصادية، وترشيد إدارة الأموال العامة، والتأثير في العلاقات الاقتصادية الخارجية.
وأوضحت ميدني أن الإسلام حفظ للأفراد الحرية المستقلة في ممارسة النشاط الاقتصادي من استثمار وإنتاج وتوزيع، كما يعترف بالملكية الخاصة للمال، إلا أنه إذا ضعف الوازع الديني لدى الفرد وجب على الدولة التدخل لإقرار العدل في المعاملات لتحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير حد الكفاية في المجتمع.
وللحسبة بحسب الباحثة نجاح دور كبير في الرقابة على النشاط الاقتصادي داخل الدولة، حيث تعمل على ضبط وترشيد سلوك وممارسات الأفراد، من خلال مراقبة تجارة الواردات والإشراف على الأسواق بجميع أنواعها، وفض المنازعات على مقاعد السوق، ومنع منكرات السوق كالكذب وإخفاء العيب، ومنع المعاملات المحرمة، والحث على المنافسة الشريفة ومنع الاحتكار، ومراقبة الموازين والمكاييل لمنع التجار من التّطفيف، ومراقبة الأسعار.
وتشير ميدني إلى أن الإسلام حث على الإنتاج وشجع أفراد المجتمع على زيادته، لما في ذلك من أثر في توفير السلع والخدمات التي يحتاجها الأفراد، كما وضعت الشريعة الضوابط للعملية الإنتاجية في سبيل تحقيق الحماية المثلى لأفراد المجتمع، وإشباع الحاجات الضرورية لجميع أفراد المجتمع دون إسراف أو تبذير، وكذلك تحقيق الربح العادل الحلال في حدود الشرع، وأوضحت الباحثة أن دور الدولة في الرقابة على النشاط الإنتاجي يتمثل من خلال منع استنزاف الموارد، والاستغلال العقلاني للموارد من خلال منع الإسراف، واستخدام الموارد بطريقة مشروعة، وحسن استخدام الموارد.
وعلى صعيد دور الدولة في الرقابة على التاجر تؤكد ميدني أن النظام الاقتصادي الإسلامي حدده بعدة ضوابط يلتزمها التاجر المسلم من خلال السلوكيات الأخلاقية كالصدق في المعاملة، والسماحة والتحلي بالصبر والحكمة، والوفاء بالالتزامات المادية، إضافة إلى الالتزام بالقواعد الشرعية للربح الحلال المشروع طبقا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وعدم اعتبار الربح هو الحافز الرئيس أو الغاية النهائية للتجارة أو للإنتاج، أو على أساس منافسة قطع الأرزاق والاحتكار.
وأكدت الباحثة أن دور الدولة في محاربة الاحتكار يكون من خلال التشجيع على المنافسة الشريفة والعادلة عن طريق حرية الدخول للسوق من غير قيود، وتفشي النصيحة والصدق بين المتعاملين في السوق، وجبر المحتكر على البيع من قبل ولاة الأمر دفعا للضرر العام، وتوسيع دائرة الإنتاج لكسر الاحتكار، وتسعير السلع في حالة الغلاء التي قد تجعل التاجر يرفع الأسعار دون ضابط، وكذلك تشجيع زيادة المعروض من السلع والمنتجات في الأسواق لمواجهة ضائقة معينة وحتى لا يتأثر المستهلك.
وتقول نجاح ميدني: إنه مما سبق يتضح الدور الفعال للدولة في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي لتحقيق أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية، وذلك باعتبار أن الاقتصاد الإسلامي يقيم قاعدته الاقتصادية على أساس مبدأ المشاركة، واستنادا إلى مبدأ الوسطية كسلوك عام، مع تحقيق التوازن والتكامل بين المصلحتين الخاصة والعامة، ويتمثل ذلك من خلال تحقيق العدالة في التوزيع وترشيد وتنظيم سلوك الإفراد، وترشيد استخدام الموارد الاقتصادية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق الرفاهية للمجتمع الآنية والمستقبلية، والرقابة على مقاييس الإنتاج ومواصفات السلامة العامة من خلال مراقبة التزام التجار بمقاييس الجودة والإتقان ومدى توافر هذه السلع وتأثيرها في السلامة العامة للمواطن، والتزام التاجر في سلوكه بالإطار الأخلاقي كالصدق وإنذار المعسر وإقالة النادم، إضافة إلى الرقابة على السوق وتنظيم معاملاتها وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية.
وتختتم ميدني حديثها بالتأكيد على أن النظريات الغربية القديمة والحديثة لم ولن تفلح في علاج الأزمة المالية العالمية، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال البعد عن براثن الفائدة والعودة إلى المرابحة والمتاجرة الإسلامية التي أمرت بها الشريعة.