دراسة تكشف وجود مخالفات وتحايل شرعي في صيغ التمويل الإسلامي
كشفت إحدى الدراسات عن وجود مخالفات شرعية كثيرة تشوب صيغ التمويل في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، ورصدت الدراسة التي كانت بعنوان ''المخالفات الشرعية لصيغ التمويل في المصارف الإسلامية'' من إعداد الدكتور عدنان ربابعة، والدكتور زكريا شطناوي في جامعة اليرموك المخالفات الشرعية التي تتكشف من خلال تطبيق الصيغ الاستثمارية المختلفة في البنوك الإسلامية كبديل عن الصيغ الربوية. وتعرضت الدراسة لصيغتين هما: عقد المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك، وعقد الإجارة المتناقصة المنتهية بالتمليك. ويرجع الباحثان الاقتصار على هاتين الصيغتين إلى الاهتمام المتزايد بهما سواء على الصعيد الأكاديمي أو التطبيقي.
صيغة المشاركة المتناقصة
تتلخص هذه الصيغة في مساهمة البنك الإسلامي في رأسمال شركة أو مؤسسة تجارية أو عقار أو غير ذلك مع شريك أو أكثر. ويستحق كل شريك نصيبه من الأرباح بحسب الاتفاق المبرم في عقد المشاركة. ويقدم البنك وعداً بأن يتنازل عن حقوقه من خلال بيع أسهمه إلى شركائه. كما يقدم الشركاء وعداً بشراء أسهم البنك وأن يحلوا محله في الملكية سواء على دفعة واحدة أو أكثر بحسب الشروط الواردة في العقد.
وتنتهي هذه الشراكة بدفع الشريك حصة البنك كاملة عندما يسدد الأول جميع الأموال التي قدمها البنك في المشروع.
وتعد المشاريع العقارية من أبرز التطبيقات التي تندرج تحت تلك الصيغة وتكون الشراكة مع شركات قطاع عام أو خاص، أو مع أفراد لبناء وحدات تجارية كالمخازن. وتكون تلك الشراكة في حالة امتلاك العميل الأرض المراد إنشاء المباني عليها إلا أنه لا يملك التمويل، ويتم تقويم ثمن الأرض ثم يدخل البنك شريكاً في هذا العقار، ويقوم الشريك برهن الأرض لمصلحة البنك الإسلامي الذي يقدم التمويل لكل مراحل البناء، ويقوم البنك بتأجير العقار باستشارة الشريك، وكذلك تحصيل الإيجار. وهذا الإيجار إما أن يقسم قسمين: حصة البنك وحصة الشريك، وإما أن يقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم للبنك وقسم للشريك وقسم لسداد قيمة التمويل.
وفي النهاية يقوم البنك بالتنازل عن قيمة الإيجار وملكية العقار لمصلحة الشريك بعد سداد مبلغ التمويل بالكامل. كما يفك رهن العقار ليصبح المشروع ملكاً للشريك.
المخالفات الشرعية لعقد
الشراكة المتناقصة
ورصدت الدراسة عدداً من المخالفات الشرعية التي شابت عقود المشاركة المتناقصة المنتهية بتمليك الشريك:
أولى تلك المخالفات هي عدم تعرض البنك للمخاطرة، حيث تحول عقد المشاركة من عقد استثمار حقيقي إلى عقد تمويل مؤقت من طرف البنك، واستثمار حقيقي من طرف الشريك. وبهذا يكون العقد قد تحول إلى عقد تمويلي لا يتحمل البنك فيه الخسارة بدلا من كونه عقدا يتعرض فيه الطرفان إلى عنصر المخاطرة بحسب نسبة كل منهما في رأس المال طبقاً للقاعدة الفقهية: ''الخراج بالضمان'' والقاعدة المتفرعة عنها ''الغنم بالغرم''.
وبهذه الصيغة لا يمكن للبنك أن يتعرض لخسارة محاسبية، وهو ما يتعارض مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ''لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك''.
المخالفة الثانية هي شراء العميل حصة البنك بالقيمة الاسمية لا بالقيمة السوقية: وفي هذه الصيغة يقوم البنك بتقسيم القيمة الاسمية للأسهم الخاصة به إلى مبالغ على مدة المشاركة. ويقوم العميل بخفض حصة البنك مع كل مبلغ يدفعه الأول، لكن لا يوضع في الاعتبار تناقص القيمة السوقية لحصة البنك على مر الوقت، وذلك لاهتلاك الأصل مع الزمن.
المخالفة الثالثة هي ثبات حصة الشريك في الربح مع زيادة حصته في الأصل: فمن المفترض أن تزيد حصة الشريك في الربح مع زيادة حصته في الأصل الرأسمالي. لكن ما يحدث في هذه الصيغة أن ما اشتراه الشريك لا يشارك في الربح، بل إنه يتحمل خسارة دون أن يحصل أرباحا، وهو ما يتنافى مع قاعدة ''الغنم بالغرم''.
المخالفة الرابعة وهي بيع البنك ما ليس عنده، حيث إنه يشترك مع العميل في شراء أصل رأسمالي بحيث يسهم كل منهما بمبلغ معين. لكن المخالفة تكون في قيامهما بإبرام عقد بيع البنك حصته، وذلك قبل شراء الأصل، وهو ما يخالف الشريعة. المخالفة الأخيرة هي عدم مشاركة طرفي العقد في العمل. ويعتبر شرط العمل ضرورياً في عقد الشركة، لكن البنك في هذه الصيغة يقدم مالاً دون عمل. وفي هذه الحالة تتحول الشركة إلى مضاربة. وفي سبيل تلافي تلك المخالفات الشرعية تلفت الدراسة إلى صيغة لعقد المشاركة المنتهية بالتمليك تتفق مع الشريعة، قدمها مؤتمر المصارف الإسلامية في دبي. وتشترط تلك الصيغة ثلاثة شروط: أن تكون المشاركة فعلية بحيث يتحمل البنك الخسارة إن وقعت؛ أن يمتلك البنك حصته من الشركة ملكية تامة مع حقه في التصرف والإدارة؛ ألا يشترط البنك رد حصته من رأس المال وما يقابلها من الأرباح.
مخالفات عقد الإجارة المنتهية بالتمليك
وهو عقد بين طرفين يؤجر فيه أحدهما سلعة معينة مقابل أجرة محددة يدفعها المستأجر على أقساط من خلال مدة محددة سلفاً تنتقل بعدها ملكية السلعة للمستأجر عند سداده آخر قسط بعقد جديد. أي أن الأجرة التي دفعت على أقساط تعد ثمناً للبيع.
ويتم هذا العقد بأن يبدي العميل رغبته في إبرام عقد إجارة منتهية بالتمليك لعين غير موجودة لدى البنك الإسلامي كالسيارة مثلاً. من جانبه يقوم البنك بشراء السيارة، ويوكل العميل بتسلم السيارة حسب المواصفات المحددة في العقد، ثم يقوم البنك بتأجير السيارة للعميل بأجرة معينة لمدة محددة، ويعده بتمليك السيارة إذا وفى جميع أقساط الأجرة عن طريق الهبة أو عن أي طريق غير البيع بسعر رمزي، وعند انتهاء مدة الإجارة والوفاء بالأقساط المحددة يتنازل البنك عن السيارة للعميل بعقد جديد.
وبالنسبة للمخالفات الشرعية التي تشوب هذا النوع من العقود؛
فأولها يكمن في طريقة انتقال حصة البنك للمستأجر حيث إن بعض البنوك تنص على قيامها بتسجيل العين المؤجرة ونقلها إلى اسم المستأجر في نهاية المدة المتفق عليها بعد أن يقوم الأخير بتنفيذ جميع الشروط الواردة في العقد بما فيها سداد الأقساط. إلا أن تلك البنوك لم توضح العقد الذي يتم بموجبه نقل العين المؤجرة من ملكية البنك إلى ملكية المستأجر، وهي صورة لا تتفق مع الشرع.
والمخالفة الثانية تحميل المستأجر نفقات صيانة الأعيان المؤجرة، وفي هذه المسألة اختلف الفقهاء على ثلاثة أقوال: القول الأول يرجح أن نفقات الصيانة تقع على المستأجر، لكن لا يجبر المؤجر على ذلك إن لم يكن مشروطاً في العقد، وعندئذٍ يثبت للمستأجر حق فسح عقد الإجارة. والقول الثاني لابن حبيب من المالكية بإجبار المؤجر على إصلاح العيوب اليسيرة دون الكثيرة، وقال ''يجبر المؤجر على الإصلاح''. والقول الثالث لابن تيمية الذي يرى إجبار المؤجر على إصلاح جميع العيوب الحادثة في العين المؤجرة سواء كانت يسيرة أو كثيرة، ويقول: ''للمستأجر مطالبة المؤجر بالعمارة التي يحتاج إليها المكان المأجور. والخلاصة أن الإصلاحات السابقة على العين المؤجرة ليست على المستأجر فلا يطالب بالقيام بها بمقتضى العقد.
والمخالفة الثالثة الشرعية لهذه الصيغة من العقود تحميل المستأجر نفقات التأمين. وتشير الدراسة إلى أنه يجوز للمؤجر أن يشترط على المستأجر تحمل نفقات التأمين على العين المؤجرة إذا كان الأخير وكيلاً عن الأول، بحيث يرجع المستأجر على المؤجر فيما دفعه عنه من نفقات تأمين على العين المؤجرة، أو أن يخصم ما دفعه من الأجرة المترتبة عليه. أما أن يتحمل المستأجر هذه النفقات من ماله دون أن يرجع بها على المؤجر فهو أمر لا يجوز.
ويجب إعادة النظر في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك في بعض البنوك الإسلامية على أن تتحمل البنوك نفقات التأمين التعاوني - إن وجد.
المخالفة الرابعة تتعلق بقيام البنك الإسلامي بفسخ عقد الإجارة في حالة عدم دفع المستأجر الأجرة أو أية مبالغ مستحقة عليه. وتشترط بعض البنوك أن يكون لها حق فسخ العقد في حال عدم سداد المستأجر الأجرة أو أية مبالغ مستحقة عليه. وهذا يمكن قبوله في حالة عقد الإجارة المحض، لكن في عقد الإجارة المنتهية بالتملك يدفع المستأجر غالباً أجرة أعلى من أجرة المثل في السوق لعلمه أن ملكية العين ستؤول إليه في آخر مدة الإيجار. ومن ثم يكون فسخ العقد وأخذ البنك المبالغ التي تمثل الفرق بين أجرة المثل وبين ما دفعه المتأجر يعد تصرفاً مخالفاً للشريعة.
وتورد الدراسة صيغة بديلة لعقد إجارة منتهية بالتملك تتفق وأحكام الشريعة. وتتضمن تلك الصيغة الشروط التالية: أن يكون هناك عقدان منفصلان يستقل كل منهما عن الآخر زماناً بحيث يكون عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة حيث إن الخيار موازٍ للوعد في الحكم. وأن تكون الإجارة فعلية وليست ستاراً للبيع، وأن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر. وإذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة يجب أن يكون التأمين تعاونياً ويتحمله المؤجر وليس المستأجر. وتكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر طول مدة الإجارة. وتسري أحكام الإجارة المنتهية بالتمليك طوال مدة الإجارة، وأحكام البيع عند تملك العين.