تحديات تنظيمية تواجه انخراط المصرفية الإسلامية في النظام العالمي
تواجه صناعة المصرفية الإسلامية العديد من التحديات، وذلك بعد أن أخذت في تثبيت أقدامها على مستوى العالم، ويعتبر من أهمها وضع إطار تنظيمي ورقابي للمؤسسات المالية الإسلامية، حيث يتلاءم مع النظام العالمي الذي تخضع له البنوك التقليدية. في حين يدور الجدل حول مدى إمكانية تحقيق تلك الخطوة، إذ يرى البعض إمكانية انخراط المصرفية الإسلامية في النظام العالمي دونما تعقيدات، في حين يرى آخرون أن تلك الصناعة لها طبيعة خاصة يجب أن يتم الحفاظ عليها من خلال وضع أطر تنظيمية خاصة بها، ويؤكد آخرون على فكرة وجود كل من النظامين الإسلامي والتقليدي جنباً إلى جنب.
وفي هذه الأثناء تكشف دراسة بعنوان ''التحديات التنظيمية في صناعة التمويل الإسلامي'' عن وجود بعض الخطوات الواجب اتخاذها كي تتغلب تلك الصناعة على العقبات التي تعترضها بحسب ما ذهب إليه رودني ويلسون صاحب الدراسة الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة درم.
وتقوم العوامل السياسية على تحديد البيئة التنظيمية للمؤسسات المالية الإسلامية، ففي بعض الدول خاصة في شمال إفريقيا ثمة ربط بين وجود البنوك الإسلامية بالأحزاب السياسية الإسلامية، ولهذا ترفض دول عديدة منح تراخيص للبنوك الإسلامية من الأساس مثلما هو الحال في المغرب، بينما تعاملت بعض الحكومات مثل مصر والجزائر وتونس بحذر شديد مع هذا الأمر. وعلى النقيض نجد أن الصورة مغايرة في حالة البحرين أو ماليزيا اللتين تقدم حكومة كل منهما الدعم اللازم لتشجيع تلك الصناعة.
ومن التحديات التنظيمية التي تعرضها الدراسة طريقة معاملة المدخرات وإيداعات الاستثمار الإسلامية، مشيرة إلى الاختلاف بين طبيعة البنك الإسلامي والبنك التقليدي. وتوضح أن المضاربة تعتمد على مشاركة المودع في الأرباح لا على حصوله على فائدة محددة، حيث إنه يتحمل جانباً من المخاطرة طبقاً لأحكام الشريعة، ومن ثم فإن هذه المدخرات لا يمكن ضمانها. ولا يكون القائم على العملية التنظيمية مجبراً على تقديم مستوى الحماية نفسه الذي يقدمه للمدخرات المودعة في البنوك التقليدية.
وتوصي الدراسة بوضع لوائح تنظيمية تتعلق بتوضيح جميع التفاصيل الخاصة بسير عملية المضاربة للمودع، وذلك بتوضيح كيفية إدارة الأموال التي أودعها في البنك سواء من خلال موظفي البنك أو المطبوعات الخاصة بالبنك.
وفي مجال الأصول تنفرد البنوك الإسلامية بتقديم منتجات مالية خاصة بها، مما يعني أن الحقوق والالتزامات المتعلقة بها تختلف عن تلك الموجودة في مثيلتها في البنوك التقليدية. وفي التمويل الإسلامي يقوم البنك بشراء البضائع نيابة عن العميل وتكون ملكيتها خاضعة للبنك حتى يتم بيعها مجدداً إلى العميل، وفي حالة عقود الإجارة يكون البنك مالكاً للأصول ويفترض التزامات الملكية للحفاظ على الأصول، بينما يكون العميل مسؤولاً عن ضمان عدم تعرض الأصل لإساءة الاستخدام أو الأضرار بسبب الجهل بأسلوب إدارته.
وتوصي الدراسة بألا يقتصر تحرير عقود المضاربة والإجارة على الفقهاء فقط، بل يجب أن يشارك معهم المحامون الذين تتوافر لديهم دراية بقواعد المصرفية التقليدية. وفي بريطانيا على سبيل المثال تخضع المعاملات الإسلامية لحماية القانون الإنجليزي والاسكتلندي مع مراعاة الضوابط الشرعية.
وعلى صعيد التنظيم التشريعي فيختلف في كل دولة عن الأخرى، ففي إيران تخضع جميع البنوك العاملة على أرضها لأحكام الشريعة الإسلامية، وفي دول أخرى تعمل البنوك الإسلامية جنباً إلى جنب مع البنوك التقليدية. وترصد الدراسة الميل الواضح لإدراج البنوك الإسلامية في الإطار التنظيمي الموضوع للمؤسسات المالية لا معاملتها بصورة مختلفة عن البنوك التقليدية على الرغم من الخصوصية التي تتمتع بها الأولى، ويعد القضاء الإنجليزي الخيار المفضل للمؤسسات المالية الإسلامية الدولية حال حدوث أي نزاع، على الرغم من أنه لا يوجد تشريع خاص بالبنوك الإسلامية وطريقة عملها.
وفيما يتعلق بالشق التشريعي تشير دراسة للدكتورة أنكو ربيعة عدوية أستاذة مادتي الشريعة والقانون المدني في الجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور إلى أن هناك ثلاثة أطر قانونية نظامية يخضع لها عمل البنوك الإسلامية: الإطار القانوني والقضائي التقليدي الصرف الذي لا يقنن ولا ينظم ولا يسمح بأي نظام خاص للخدمات المالية الإسلامية، والإطار القانوني والقضائي التقليدي الذي يسمح بتقديم خدمات مالية إسلامية من خلال قوانين خاصة لتنظيم هذه المؤسسات، وأخيراً الإطار القانوني والقضائي الذي يلتزم الشريعة الإسلامية في تنظيمه لهذه المؤسسات المالية.
وبالنسبة للتحديات التي تواجه التطبيقات المصرفية الإسلامية في الإطار الأول، يأتي على رأسها عدم الاعتراف القانوني بالمؤسسات المالية التي تعمل وفقاً لأحكام الشريعة، حيث إن القانون المستخدم في هذا الهيكل القانوني لا يصنفها مؤسسات مصرفية، بل يعتبرها مؤسسات تجارية تخضع للضرائب، وهو الأمر الذي يجعل التجربة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع بسبب ارتفاع مصروفات التشغيل.
أما التحديات التي تواجه المؤسسات التي تعمل في الإطار الثاني الذي يخص المؤسسات الإسلامية بتنظيمات ولوائح خاصة فتتلخص في أن القوانين والنظم الرقابية تركز في كثير من الأحيان على الإجراءات فقط ولا تتعرض للأحكام التفصيلية لتطبيق المعاملات الموافقة لأحكام الشريعة، التي يتم الحصول عليها من القرارات والفتاوى ذات الصلة.
أما الإطار الثالث وهو الإطار القانوني والقضائي الإسلامي العام فلا توجد فيه مشكلات من ناحية توافق المعاملات المصرفية مع أحكام الشريعة، وإنما التحدي الأكبر يتمثل في عدم وجود قوانين تبين الأحكام التفصيلية للمعاملات المصرفية والمالية الإسلامية الحديثة.
ومن التحديات التنظيمية التي تواجه صناعة التمويل الإسلامي تقنين الاستشارات الشرعية للمؤسسة المالية الإسلامية، ولعل المشكلة الأكبر تتمثل في وجود آلاف الفقهاء البارزين في مجال العلوم الشرعية، إلا أنه لا يوجد إلا عدد محدود جداً ممن لديهم دراية كافية بالتمويل المعاصر، وفي بعض الحالات يتم الحصول على الاستشارات الشرعية من خلال هيئة تطوعية.