وجود هيئة شرعية غير كاف لأسلمة المؤسسات المالية

وجود هيئة شرعية غير كاف لأسلمة المؤسسات المالية
وجود هيئة شرعية غير كاف لأسلمة المؤسسات المالية

أكد الدكتور سامي السويلم الخبير في التمويل الإسلامي أن هناك ملاحظات حول التساهل وتراجع المنهجية في الفتوى والبعد عن المقاصد الشرعية أكثر من ذي قبل. وأضاف السويلم لـ ''الاقتصادية'' أن صناعة المصرفية الإسلامية تحتاج إلى ترتيب البيت الداخلي، وأن التواصل مع الآخر قد يكون سببا في هذا الترتيب عبر المساهمة في بناء النظام الاقتصادي العالمي. وقال إنه مع الأسف في الوقت الذي انكشفت فيه مضار المشتقات المالية العالمية ومخاطرها فإن هناك في صناعة المصرفية الإسلامية من يعمل للترويج لها تحت ستار التحوط وليس المجازفة رغم عدم إمكانية وجود تحوط دون وجود مجازفة، موضحا أن مشكلتنا نابعة من المحاكاة في الصيغ والأدوات المالية وفي المنطق وطريقة التفكير. وأوضح السويلم أن أسلمة المؤسسات المالية لا تكون بمجرد وضع هيئة شرعية، بل لا بد قبل ذلك من بناء الوعي والقناعة لدى القياديين والمسؤولين في المؤسسة بجدوى التمويل الإسلامي وحاجة العالم وإلبه وليس للمسلمين فحسب. فإلى تفاصيل الحوار:

#2#

تشهد دول الخليج هبوطا وتدنيا في مستوى أعضاء الهيئات الشرعية، ونلحظ ذلك من خلال ضعف الجانب المعرفي الاقتصادي وفتاوى التساهل والتيسير، وتضارب الفتاوى، واحتكار الهيئات الشرعية كيف يمكن الخروج من هذه المشكلة وما مدى تأثيرها في مستقبل الصناعة؟
يصعب إطلاق القول بهبوط مستوى أعضاء الهيئات الشرعية في منطقة الخليج هناك ملاحظات بلا ريب حول التساهل وتراجع المنهجية في الفتوى والبعد عن المقاصد الشرعية أكثر من ذي قبل، في تقديري المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على العلماء المستقلين في ضرورة العمل الجاد على ترشيد مسيرة الصناعة الإسلامية، وما يحدث في المصرفية الإسلامية مؤشر لما يمكن أن يحدث في قطاعات أخرى كالإعلام وغيرها، فإذا لم تنجح المصرفية الإسلامية في ضبط وجهتها فهذا يهدد المسيرة الإسلامية عموماً، وكثيراً ما ننحو باللائمة على ''الآخر''، ولكن الانحراف هنا ناشئ من الداخل وليس من الخارج.

قلتم إن منهج التشريع الإسلامي في الدين هو التنفير من الاستدانة ابتداءً غير أن المتابع لمناشط المؤسسات المالية الإسلامية يجدها تشجع على الاقتراض والبيوع الآجلة دون أن يربط ذلك بالإنتاج وبشكل يخالف المقاصد الشرعية؟
الأزمة المالية كشفت أن النظام المالي العالمي متحيز نحو المديونية، وأن هناك ضرورة لتحفيز صيغ التمويل القائمة على الملكية وليس المديونية، والمسؤولية هنا في رأيي مشتركة بين الجهات التنظيمية وبين المؤسسات الإسلامية، فالواجب الاتفاق على تقييد المديونية بنسب محددة حماية من تهديد المديونية للاقتصاد الوطني.

انطلاقا من معالجة الديون المتعثرة والتي تشكل أزمة اجتماعية قلتم إن الشريعة امتلكت أبوابا كثيرة للحل واعتبرتموها بمثابة الفريضة الغائبة في الاقتصاد الإسلامي، ما هذه الحلول ولماذا لم تلجأ إليها المؤسسات المالية الإسلامية؟
أهم هذه الأنشطة بعد الزكاة هي القرض المجاني الذي يمكن أن يسهم بشكل فعال في محاصرة تفاقم المديونية وفي تخفيف مشكلة الفقر والبطالة والمصارف الإسلامية مؤسسات ربحية ولا ينبغي أن نحملها أكثر مما وجدت من أجله، فالواجب على رجال الأعمال والموسرين والمؤسسات الخيرية التنادي لإحياء هذه الفريضة الكفائية شبه الغائبة في البلاد الإسلامية وتطويرها في ضوء التقنيات والأساليب الائتمانية المعاصرة.

في سياق تحليلكم للأزمة المالية العالمية قلتم إنها ناجمة عن الإفراط في الغرر وإن المشتقات ساعدت على تشجيع الإقراض وكان عاملا أساسيا في ارتفاع الأسعار، ومع ذلك هناك حديث عن بنوك إسلامية بدأت استخدام المشتقات المالية، وهناك مشايخ يرون حرمتها وبعضهم يجيزها بشروط؟
مع الأسف في الوقت الذي انكشف للعالم أخطار ومضار المشتقات يوجد في الصناعة الإسلامية من يروج لها تحت ستار ''التحوط وليس المجازفة''، مع أنه في المشتقات لا يمكن أن يوجد تحوط وإلا ويقابله مجازفة على الطرف الآخر. هذه الحجة هي نفسها كان يستخدمها المدافعون عن المشتقات في الغرب قديماً وها هي تأخذ طريقها إلينا، ونحن نعاني من المحاكاة ليس في الصيغ والأدوات المالية فحسب، بل حتى في المنطق وطريقة التفكير، لا أدري إذا كنا نقرأ التاريخ أو لا، وإذا قرأناه هل نستفيد منه فعلاً.
قامت أخيرا مؤسسة مالية إسلامية بتعيين هيئة شرعية أخرى دون إخطار الهيئة الأساسية وتبين أن التعيين جاء بسبب قيام هذه المؤسسة بالحصول على قروض ربوية من بنوك أجنبية.. ما تعليقكم؟
توجد دائماً أخطاء فردية ولا ينبغي التهويل منها، وما ينبغي التأكيد عليه هو أن أسلمة المؤسسات المالية لا تكون بمجرد وضع هيئة شرعية، بل لا بد قبل ذلك من بناء الوعي والقناعة لدى القياديين والمسؤولين في المؤسسة بجدوى التمويل الإسلامي وحاجة العالم إليه وليس المسلمين فحسب. لكن في ظل الانتشار الواسع للمنتجات الصورية والمشبوهة، لا يمكن بناء قناعة لدى أي إنسان سوي الفطرة بالمبادئ السامية للتمويل الإسلامي.

معلومية الثمن تعد ركنا أساسيا من أركان عقد البيع غير أن أحد أعضاء الهيئات الشرعية تقدم بطلب إجازة إجراء المرابحات بربح متغير، على أي أساس يتم التقدم بهذا الطلب مع وضوح المانع الشرعي؟
بحسب علمي لا يوجد من يفتي بجواز هذه الصيغة. ومن طرحها من أصحاب الفضيلة يصرحون بأن هذه الصيغة طرحت للبحث والمناقشة وليس للفتوى، وفي تقديري الشخصي فإن البحث والمدارسة للصيغ الجديدة أمر إيجابي ويعزز حرية التفكير، لكن المنتج النهائي يجب أن يكون منضبطاً بمقاصد الشريعة وقواعدها. هذا الجانب يعكس الفرق الجوهري في دراسة المنتجات المالية بين الاعتماد على العقود الظاهرة وإغفال مآلات العقد ونتائجه، وبين النظر إلى المقاصد والمآلات دون إغفال لضوابط التعاقد. الطريقة الثانية تعطي حرية أكبر في البحث والتفكير وتسمح بابتكار منتجات أكثر كفاءة وأكثر مصداقية. الطريقة الصورية للأسف تشل التفكير الحر، وفي الوقت نفسه تؤدي إلى منتجات أكثر تكلفة وأقل مصداقية.

لماذا لا تكون هناك جهة ومرجعية أخلاقية تصدر شهادات بخصوص أعضاء الهيئات الشرعية ممن يحالون ممالات المؤسسات المالية على حساب المقصد والرأي الشرعي الحقيقي لحماية هذه الصناعة من أن تصبح وسيلة لتحقيق عائد مادي؟
هذه يمكن أن تكون خطوة جيدة بشرط استقلالية هذه الجهة المرجعية. بعض المؤسسات المالية الإسلامية يشترط على الهيئات الشرعية عدم الإفصاح عن الفتاوى الداخلية بعد إجازة المنتج أو عدم إجازته، أين الشفافية في أعمال الهيئات الشرعية ولماذا لا يطلع جميع الأطراف على هذه الأعمال. (البنك، العميل، المراقب الشرعي).
يجب أن يتم مراجعة حوكمة الأعمال الشرعية في المؤسسات الإسلامية، بما فيها الشفافية والإفصاح. الجهات التنظيمية عليها مسؤولية الإلزام بقواعد الحوكمة دون التدخل في حيثيات الفتوى وتفاصيلها.

كيف يمكن المساهمة في تصحيح مسار النظام الاقتصادي العالمي دون ترتيب حقيقي للبيت الداخلي في جانبه الشرعي وفي الحوكمة والبنية التشريعية والكوادر المؤهلة والهيئات المستقلة؟
نحن فعلاً في حاجة لترتيب البيت من الداخل، لكن التواصل مع الآخر قد يكون هو نفسه سبباً لترتيب البيت وإصلاحه. عندما تستشعر المؤسسات الإسلامية أنها تقدم رسالة وليس فرصة ربحية سيختلف الوضع كثيراً. الحوكمة والتأهيل من أهم الأسس الضرورية لتصحيح المسيرة.
في المؤتمرات والندوات هناك إفراط في الجانب النظري الشرعي والمفاهيم الاقتصادية الإسلامية، وهناك ضعف في عمليات التطبيق ونقل هذه الأفكار إلى معايير ومنتجات حقيقية بدلا من عمليات الأسلمة الجارية.
تحويل الأفكار إلى منتجات تطبيقية عملية ليست باليسيرة، وجزء أساسي من المشكلة هو الجمهور، وكثير من المستثمرين المسلمين يتعاطف مع التمويل الإسلامي قلباً، لكنه فكراً لا يخرج عن إطار المنتجات التقليدية، فالقلب إسلامي لكن العقل لا يزال متأثراً بشكل كبير بالنظم السائدة، ونحتاج إلى تعزيز الوعي لدى الجمهور من جهة، وإلى دعم تطوير المنتجات العملية من جهة أخرى، وهذا تحد يحتاج لتضافر جهود جماعية وليس عملاً فردياً.

دعوتم إلى تطوير العمل البحثي في مجال الاقتصاد الإسلامي، والتركيز على الجوانب الفقهية والاقتصادية في المسائل البحثية المتعلقة، كيف ترون الأمور من ناحية واقعية؟
هناك حركة علمية إيجابية في مجال التمويل الإسلامي، في الجامعات والمؤسسات العلمية. نسأل الله تعالى أن يبارك في هذه الجهود وأن يجعلها تحقق أهدافها المنشودة.

عندما تحضر مؤتمرا للمصرفية الإسلامية في لندن أو ماليزيا تجد أن هناك رقيا معرفيا وعلميا في الجوانب العلمية والاقتصادية والقانونية، وضوحا في الجوانب الشرعية وتطورا لصناعة المصرفية الإسلامية ومرجعياتها وهياكلها.. لماذا هذا الأمر مفتقد لدينا في الخليج؟
من حيث النظم التقنية والمالية فهي فعلاً متطورة في ماليزيا، والفضل يرجع بعد الله تعالى للبنك المركزي الماليزي الذي كان هو المحرك الأول للصناعة الإسلامية هناك، والصناعة الإسلامية في الخليج قامت بمبادرات ذاتية في الغالب واعتمدت على دعم الجمهور أو جانب الطلب، والفرصة في رأيي مواتية الآن للاستفادة من الجوانب الفنية والتنظيمية في ماليزيا، ومن النواحي الشرعية فإن منطقة الخليج قد تكون أكثر وضوحاً ومنهجية من ماليزيا والاستفادة هنا تسير في الاتجاه الآخر.

الأكثر قراءة