على الجهات الإشرافية عدم التخلي عن مسؤولياتها في دعم صناعة المصرفية الإسلامية
قال الدكتور يوسف الربابعة، الباحث والمتخصص في الاقتصاد الإسلامي أن هناك نجاحا كبيرا التي تشهده صناعة المصرفية الإسلامية يجب أن يبنى على أسس علمية حقيقية تسهم فيه جميع وسائل الأبحاث العلمية والشرعية لترجمة هذه الصناعة ضمن إطار معتمد يمكن اعتماده عالميا، وقال: إن الغرب المتقدم علميا واقتصاديا ولديهم إمكانات بحثية هائلة سيستولي على هذه الصناعة في القريب العاجل ما لم تستعجل أدوات وهياكل الصناعة لتركيز هذه الأدوات في يدها، خاصة أن دول الخليج وإيران يعتبران من بين أهم العواصم من حيث قوة الاقتصاد الإسلامي ومرافقه المالية.
وأوضح الربابعة، أن البنوك الإسلامية تنتشر بسرعة في عالمنا العربي، وهناك طلب كبير عليها واهتمام بها، لكنه قال إن على هذه المؤسسات أن تبحث في مجالات استثمارية جديدة، وألا تبقي نشاطها ضمن الحدود التمويلية والإقراضية، وأشار إلى أن بنك الاستخلاف الذي أعلن إنشاؤه حديثا والذي سيعمل على صيغ مختلفة، سيكسر القالب النمطي لعمل هذه المؤسسات؛ فالمؤسسات المالية مطلوب منها الدخول في شراكات مع المجتمع في مجالات عديدة، وأكد أن البنوك الإسلامية عليها أن تعدل طبيعة أعمالها لتدخل في المناشط الاقتصادية الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية والمشاريع الصغيرة، واستعادة دورها وحضورها الاجتماعي؛ لأن لهذه المؤسسات رسالة وهدفا ليس فقط الربح، وإنما لها هدف موازٍ للنشاط المالي لتحقيق مقاصد الشريعة.
وقال الربابعة: إن هناك تجارب اقتصادية ومالية ناجحة في بنجلاديش وفي ماليزيا تستحق القراءة، فهناك شركات للحج والعمرة تعمل وفقا للمنظومة الاقتصادية الإسلامية، وهناك مؤسسات للتعليم والصحة وشركات تابعة لمؤسسات كبرى هدفها توظيف الأموال، والاستثمار العقاري، وأشار إلى أن تصكيك العقار وجعله عملة قابلة للتداول يمنح الاقتصاد الوطني قوة معطلة.
وكشف الربابعة عن أن هناك أسئلة مهمة يجب أن تجيب عنها الصناعة دون إبطاء تتعلق بقدرة الصيرفة الإسلامية على مواكبة التطور المتسارع في العمليات المالية على مستوى العالم، وقدرتها أيضا على رفع المقدرة المالية أمام التقلبات الاقتصادية المحلية والعالمية، خصوصا أننا أصبحنا في مرحلة نحتاج فيها إلى تجميع القوى والموارد في ظل التكتلات الاقتصادية الراهنة، وأضاف: أمام هذا الواقع هل لدى المؤسسات المالية رؤية مستقبلية لعالم يقوم على التنافس الحاد ودول تقوم على الانفتاح الاقتصادي وتقدم تسهيلات غير مسبوقة لهذا القطاع، وأضاف أن على هذه المؤسسات ألا تتجاوز عن الواقع وأن تضع ذلك ضمن حساباتها المستقبلية، فالاقتصادات المغلقة أصبحت أكثر انفتاحا في عالم معولم اقتصاديا.
وأشار الربابعة إلى أن المؤسسات المالية الإسلامية في عالمنا العربي تحديدا ما زالت تعمل ضمن فلسفة البنوك التقليدية في علاقاتها مع المجتمع وهياكله ومؤسساته، وقال: إن البنوك التقليدية تقدم العون الاجتماعي وتقوم على العلاقات العامة الواضحة الأهداف، لكن المؤسسة المالية الإسلامية عليها أن تستشعر المسؤولية الاجتماعية لتكون ضمن أحد أهدافها، وقال: ليس المطلوب أن يتحول البنك إلى مظلة للضمان الاجتماعي، وإنما أن يؤسس البنك لعلاقة مع المجتمع في إطار الرسالة التي يحملها والهدف الذي يعمل من أجله.
وأوضح الربابعة أن العلاقة مع المجتمع هي حماية وضمانة للمؤسسة المالية الإسلامية، وقال إن مؤسسات مالية آسيوية ارتبطت بعلاقة حميمية مع هذه المؤسسات، وأن هذه المؤسسات عندما احتاجت دعما ماليا في ظرف مالي استثنائي هب المواطنون لدعم هذه المؤسسات، وعليه يجب ألا تفكر المؤسسة المالية الإسلامية دون الأخذ في عين الاعتبار العلاقة مع المجتمع وأهميتها، وأن تطرح هذه المصارف رؤى جديدة لها أهداف اجتماعية وإنسانية وألا تحصر هذا الاهتمام بالدعاية على الرغم من أهميتها ويتمثل ذلك في طريقة التعامل بين البنك والعميل، حيث يعملان متضامنين على تجنب أي أزمة اقتصادية محتملة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تهدف إلى الحفاظ على المجتمع من خلال الحفاظ على الثروة والبعد عن المضاربة وحماية المستهلك والعميل، إضافة إلى إعمار وتنمية البلد الذي يجعل الجميع حريصا على الاهتمام بالأصل الذي يمتلكه والسوق التي يمثلها ويسعى لتطويرها بشكل مستمر وصيانتها وضمانها، وهذا ما يحفظ ثروات الأرض.
وقال الربابعة إنه ومن أجل تعزيز تلك النجاحات والبحث عن طرق جديدة للتطوير المستقبلي فإنه يقترح فكرة التطبيق التدريجي للنظام الاقتصادي الإسلامي كالعمل بطريقة النظامين ومنح المؤسسات المالية الإسلامية مزيدا من الدعم والشرعية وبتقديم نموذج تطبيقي للاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، وقال: على الجهات الإشرافية أن ترى المستقبل بوضوح وألا تخلي أنفسها عن تحمل المسؤولية في دعم صناعة المصرفية الإسلامية، فعالم اليوم لا يقبل التأجيل والتراخي بقدر ما يحتاج إلى الإدارة المتطورة.
وأضاف: على صناع المصرفية والمؤسسات المالية الإسلامية أن تكون لهم رؤية تنموية ضمن المفهوم الإسلامي في مكافحة الفقر والبطالة وتعزيز التعاون وإعلاء القيم وصيانتها كفعل تنموي متكامل، ولا يكفي أن تقدم على شكل فقه المعاملات والأحكام المعزولة عن الواقع، أي أن تجتهد المصرفية الإسلامية لدعم التنمية والتقدم الاقتصادي في بلدانها وأن تحقق نجاحات ملموسة في هذا الجانب.
ويشير الربابعة إلى أن بعض المحللين يرى أن الفرصة اليوم باتت سانحة أمام المصرفية الإسلامية لتقديم نفسها للعالم دون تردد، ودون حرج، وذلك على الرغم من وجود بعض المعيقات والعوارض، إلا أن نجاح التجربة وقدرتها ومرونتها ستكون دعوة للاعتراف العالمي بها ليس كأرقام مالية صماء وإنما كحلول تنموية لمشكلات كثيرة.
وقال: إن تراكم الخبرة في العمل المصرفي الإسلامي وفي الفتاوى الشرعية في مختلف المؤسسات المالية الإسلامية يجب أن يكون في متناول الجميع من جامعات ومؤسسات بحثية، وقال: إن تجارب بعض العلماء والمشايخ يجب ألا تبقى حبيسة الأدراج، بل يجب أن يؤسس لها وفقا لعمل مؤسسي متكامل يستفيد منه الجميع أفراد ومؤسسات ويستخلص منه أدوات وأفكار جديدة للعمل المصرفي الإسلامي.
ودعا العلماء والمؤسسات المالية الإسلامية في دول الخليج إلى بناء كلية للدراسات المصرفية الإسلامية المتخصصة بجوانبها الشرعية والعلمية والاقتصادية، وأن يكون ضمنها بنك للمعلومات ومركز للأبحاث وتطوير المنتجات وتكون مزدوجة اللغة العربية والإنجليزية وتدرس المصرفية الإسلامية بشكلها التطبيقي والواقعي وتسند للخبراء في المؤسسات المالية والبحثية الإسلامية مهمة التحدث فيها ضمن برامج واضحة محدد، واقترح أن تكون تحت اسم Islamic finance Business school، وقال: إن الدول الراقية والتي تسعى للتطور الاقتصادي أسهمت فيه مؤسسات رجال المال والأعمال والمؤسسات المالية فيه بإنشاء مدارس اقتصادية متخصصة وبتبرع منها لخدمة هذا القطاع.