قارة جاهزة لتبوؤ مكانها في مجتمع الاستثمار العالمي
من المؤكد أن نيكولا ساركوزي يندم على اليوم الذي ألقى فيه خطابه الأول عن قارة إفريقيا بصفته الرئيس الفرنسي، وذلك في جامعة داكار في السنغال ''إن مأساة إفريقيا هي أن الإفريقي لم يدخل التاريخ بالفعل''، حيث قال ذلك متسبباً في إطلاق صيحات الجمهور، ثم في وابل من غضب على مواقع الشبكة من جوهانسبيرج حتى أبيدجان. وقال ''لقد عرف الفلاح الإفريقي فقط التجدد الأزلي للزمن الذي يشير إليه التكرار الذي لا ينتهي للتلميحات، والكلمات ذاتها. وفي هذا العالم من الخيال، فإنه لا يوجد مجال للجهد البشري، ولا لفكرة التقدم''.
على الرغم من أن المقاصد جاءت مدفونة ضمن ملاحظات أوسع، فقد كانت معزولة وخالية من الحكمة، ومذكرة بالأسس الهيجلية للتفكير الاستعماري الذي يعود إلى القرن التاسع، وبفكرة أن التاريخ لم يبدأ في إفريقيا إلا حين جلب الأوروبيون ''التقدم'' معهم. وكانت كذلك مثالاً متطرفاً للتفكير الذي عفى عليه الزمن، الذي ما زال يؤثر في النقاش حول إفريقيا في الغرب، والذي يلتقطه ستيفن إيليس على حدة في جرده الجديد لقارة سريعة التغير، وعلاقاتها التي تزداد تعقيداً مع بقية العالم، وذلك بعنوان ''موسم الأمطار''.
إن توقيت نشر الكتاب الذي حمل اسم القصيدة الكاميرونية حول توقع المحصول عند زخات المطر الأولى، يعتبر أمراً خالياً من أي عيب. ويأتي نشره بعد سيل من الأبحاث التي تحتفي بتوقعات نهضة اقتصادية إفريقية خلال الأعوام المقبلة، بينما دفع مزيج من الظروف العالمية والمحلية هذه القارة مرة أخرى إلى أجندة مجتمع الاستثمار العالمي.
قبل الأزمة المالية، كانت الأسواق الإفريقية الأكبر، والأكثر سيولة، قد بلغت مرحلة كونها أسواقاً ناشئة وبادئة في تكوين رؤوس الأموال بالفعل، وذلك بعد نحو عقد من النمو الذي تسببت فيه سياسة محسنة، وتسريع في بروز قوى ناشئة، مثل الصين، وارتفاع في أسعار السلع مرتبط بذلك. وقد أصبحت ثقة المستثمرين في الوقت الراهن مستدامة انطلاقاً من حقيقة أن اقتصادات بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ارتدت إيجابياً من الأزمة بوتيرة أسرع من معظم مناطق العالم الأخرى.
مع ذلك، فإن هذا الأدب المنشور حول ما يحب البعض تسميته بالتزاحم على إفريقيا، بالإشارة إلى الانتشار الاستعماري في القرن التاسع عشر، ما زال ذا بعد واحد في الغالب. وذلك ليس اتهاماً يوجه إلى إيليس الذي يستوعب في صفحات كتابه الـ 170 البليغة الطيف العريض للأسس السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تجعل إفريقيا ما هي عليه اليوم.
أصبحت إفريقيا خلال الفترة الأخيرة قارة المليار شخص، بعد ما كان فيها أسرع نمو سكاني في التاريخ. وبعدما كانت غنية بالأراضي، وفقيرة في العمال، فإنه يتم تحديها الآن بمستويات مرتفعة من البطالة. ولكنها كذلك سوق مستهلكة غنية بالموارد، بحيث يجد المستثمرون أن من الصعب تجاهلها.
يحرص إيليس على ألا يدخل نفسه في النقاش الذي لا فائدة منه بين المتفائلين، والمتشائمين إزاء إفريقيا. وإن البلدان الـ 48 التي تشكل إفريقيا جنوب الصحراء ليس من المقدر لها أن تفشل، كما أن ليس مصيرها النجاح. ولكنه بينما يقيم التحديات التي تواجه حالة الدولة، فإنه بحق لا يتوهم أن الحكومات سوف تصبح على نحو مفاجئ أكثر عملاً على النفع العام، وأقل فساداً.
بدلاً من ذلك، فقد تم إفراغ البلدان الإفريقية من جانب النخب المفترسة، كما أضعفتها الحملة الأيديولوجية ضد التدخل الحكومي الواسع الذي شنه البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي في الثمانينيات، الأمر الذي ترك المجال لشبكات دينية، واجتماعية، وإجرامية، كي توسع نفوذها.
إن حكومات كثيرة كذلك أشبه بالعصابات الإجرامية، كما أنها غير قادرة على رسم وتحديد مصلحة وطنية أصيلة. ويكتب إيليس ''إن هدفها هو توليد الدخل، والمزايا الأخرى لذاتها، ولمؤيديها، بدلاً من إدارة مجتمع بأكمله''. كذلك نجد أنها انسجاماً مع تاريخها المنحرف في التكامل مع الأحداث العالمية، فإن إفريقيا ''سوف يزداد وضعها في أن تكون المكان المظلم من النظام العالمي، أي كقارة تعمل فيها القوانين والأعراف الدولية على صعيد مجرد الوعظ، وليس التطبيق''.
ربما تكون الشركات من جانب الصين، وغيرها من القوى الناشئة، أفضل تجهيزاً للعمل في هذا النظام الأقرب إلى عدم الرسمية، بعد ما يرى إيليس أنه الفشل النسبي للمهمة الأوروبية أيام الاستعمار، وفي فترة أحدث من ذلك من خلال مساعدات التنمية لتطبيق أنظمة فاعلة تعمل وفق القواعد القانونية.
إن عدم انطباق أفكار التقدم الأوروبية على إفريقيا لا يعني أنه لا يوجد فيها تقدم. وإن الفكرة السائدة في الغرب بأن إفريقيا قارة ضائعة، ومفصولة عن الاتجاهات العالمية، منحت غفراناً قصيراً في هذا التقييم الاستفزازي الذي ينجح في مزج الفهم العميق للطريقة التي يضيء بها التاريخ الزمن الراهن، مع تقدير للتغير الهائل الذي تحمله العولمة معها.