اللعبة السياسية تؤجل الاتفاق الأمريكي إلى اللحظة الأخيرة
أكد عديد من المحللين الاقتصاديين والمالين أن ''أمورا أخرى'' طغت على المحادثات الأمريكية قبل الاتفاق على رفع سقف الدين القانوني للبلاد، معتبرين أن سيناريوهات عدة من الناحية الاقتصادية كانت مطروحة للتعامل مع هذا الملف.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما والكونجرس قد اتفقا في اللحظة الأخيرة على اتفاق لرفع سقف الدين يحول دون تعثر أمريكي يمكن أن يتسبب في كارثة للاقتصاد العالمي، وذلك قبل انتهاء المهلة التي حددتها الخزانة الأمريكية.
وقال أوباما متحدثا من البيت الأبيض ''أريد ان أعلن أن المسؤولين في الحزبين في كلا المجلسين (النواب والشيوخ) قد توصلوا إلى اتفاق سيخفض العجز العام ويجنب التخلف عن سداد المستحقات، وهو تخلف كان من الممكن أن يتسبب في نتائج مدمرة لاقتصادنا''.
وسيسمح الاتفاق في حال أقره الكونجرس قبل منتصف ليل الثلاثاء (اليوم) أو الأربعاء بتجنيب الإدارة الأمريكية التعثر في سداد مستحقاتها خلال الأيام المقبلة.
وأعلنت زعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي في بيان مقتضب ''جميعنا متفقون على أنه لا يمكن لبلادنا التخلف عن واجباتها''، وأضافت عشية اجتماع مع أعضاء أقليتها الذين سيعلنون موقفهم من الاتفاق ''سأرى مع نواب حزبي في المجلس كيف يمكننا مساعدتها''.
ولا تنص الخطة على أي زيادة في الضرائب، ما قد لا يوافق عليه يسار الحزب الديموقراطي.
وكان زعيم الأكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي هاري ريد سبق الرئيس بلحظات في الإعلان عن هذا الاتفاق في كلمة أمام المجلس قال فيها: ''يسرني أن يكون زعماء الحزبين قد تقاربوا لما فيه مصلحة اقتصادنا من أجل التوصل إلى اتفاق تاريخي بين الحزبين ينهي هذا المأزق الخطير''، مؤكدا أن ''التسوية التي توصلنا إليها مميزة، ليس فقط بما أنجزته، بل بما تمنع حصول أول تخلف عن سداد الدين الأمريكي''.
بدوره؛ خرج زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل من المجلس باسما، وقال إثر إعلان ريد عن التوصل إلى الاتفاق ''إننا سعداء بأن الحزبين تمكنا من الاجتماع ووضع الخطوط العريضة لخطة سيكون بوسعنا أن نوصي بها في مجموعتنا (الجمهورية)''.
وأوضح مسؤول أمريكي طلب عدم كشف اسمه أن الاتفاق ينص على رفع سقف الدين العام بما لا يقل عن 2.100 تريليون دولار، ما سيسمح للخزينة باستئناف الاقتراض بعد الثاني من آب (أغسطس)، وذلك حتى عام 2013 أي بعد الانتخابات في 2012.
وسيترافق هذا الإجراء مع تخفيض أولي في النفقات بمقدار تريليون دولار، على أن يتم تشكيل لجنة خاصة من كلا الحزبين، مهمتها تحديد أماكن الإنفاق التي ستشملها اقتطاعات إضافية بقيمة 1500 مليار دولار، وذلك بحلول عيد الشكر في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر).
وفي حال عدم التوصل إلى أي اتفاق حول الاقتطاعات الإضافية في الميزانية، يتم تطبيق آلية ملزمة تفرض بشكل تلقائي عددا من التخفيضات، تشمل الدفاع وبرنامج الضمان الصحي للمسنين ميديكير.
غير أن مسؤولا في البيت الأبيض أفاد بأن هذه الاقتطاعات التلقائية لن تطاول برنامجي الضمان الصحي وميديكير.
وتعثرت المفاوضات في الأيام الأخيرة عند هذه النقطة بصورة خاصة.
ويترتب على الغالبية الجمهورية في مجلس النواب المصادقة على الاتفاق غير أن زعيمهم جون باينر أعرب عن تأييده لبنوده وقال خلال مؤتمر صحافي عن الدائرة الهاتفية مع أعضاء مجموعته ''ليس هذا مثاليا، لكن حين ننظر فيه نرى أنه تحديدا ما عملنا من أجله''، بحسب ما نقل مسؤول جمهوري.
وحصل الجمهوريون على تخفيضات ضخمة في الإنفاق دون أن يقدموا أي تنازل في مسالة زيادة الضرائب على الأثرياء وإلغاء التخفيضات الضريبية التي تفيد منها الشركات الكبرى والتي ندد بها الرئيس نفسه مرارا.
وكان مجلس الشيوخ قد استبعد أمس الأول اقتراحا ديموقراطيا لرفع سقف الدين سبق أن رفضته الأقلية الجمهورية السبت.
وبعد رفض هذه الخطة التي طرحها ريد اتجهت الأنظار إلى المفاوضات الجارية بين الجمهوريين والديموقراطيين والبيت الأبيض لرفع سقف الدين المحدد حاليا بـ14.294 تريليون دولار قبل استحقاق في 2 آب (أغسطس).
ومع تقدم المفاوضات؛ قدم كل من الطرفين تنازلات، غير أن مواقفهما بقيت على خلاف كبير، إذ تمسك الجمهوريون بالاقتطاع من النفقات بشكل حاد، فيما طالب الديموقراطيون بأن يترافق التقشف في الميزانية بزيادات في العائدات الضريبية يتحملها الأكثر ثراء.
#2#
ويؤكد لـ ''الاقتصادية'' محمد الشمميري ـــ محلل اقتصادي ومالي ـــ أن الأحداث التي سبقت الموافقة على اتفاق على رفع سقف الدين العام من 14.3 تريليون دولار كانت معظمها سياسية، وجزءٌ منها اقتصاديا, سياسية بسبب اختلاف فلسفة الحزب الجمهوري الذي يرى أن حجم الحكومة الفيدرالية من المفترض أن يكون صغيرا بمعنى جعل القطاع الخاص من يحقق النمو الاقتصادي دون أن تكون هناك برامج حكومية تشجع الاتكال عليها كالبرامج السابقة التي أثقلت كاهل الحكومة الفيدرالية مثل برنامجي مدكير وسوشيل سيكرتي اللذين يمثلان عبئا كبيرا على الميزانية الأمريكية، كما يرى الحزب الجمهوري من الجانب النمو الاقتصادي لا يأتي مع زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات الكبيرة؛ لأنهم هم من يخلقون الوظائف.
وهنا يشير مدير عام مكتب الشميمري للاستشارات المالية إلى أن الحزب الديموقراطي يرى أنه لا بد من رفع الضرائب حتى يمكن أن ينخفض الدين العام لكن فقط على الأغنياء والشركات الكبيرة التي يمكنها أن تتحمل رفع الضرائب، في الوقت نفسه يرى الديمقراطيون أن برامج الخدمة الاجتماعية كمدكير وسوشل سيكيورتي من الضرورات الأساسية التي بنى عليها الحزب فلسفته، ووعد أنصاره بحمايتها وتحقيقها.
ويضيف أن قرب موعد الانتخابات الرئاسية له دور سياسي يرفض الديمقراطيون أن تكون مدة وكمية الرفع كافية ترجع قبل الانتخابات لتصبح عائقا يمكن أن يؤثر في مجرى الانتخابات، وهو ما يريده الجمهوريون.
أما عن نتائج ما بعد الاتفاق اقتصاديا فهي في الحقيقة أنقذت أمريكا من تعثرها المالي أو تغيير تصنيفها، وحفظت الأسواق الأمريكية والعالمية من الدخول بكساد كبير، لكن هذا لا يعني انتهاء الأزمة الاقتصادية أبدا، فالبيانات الاقتصادية الأخيرة عن الناتج المحلي الأمريكي الذي ظهر فيه نمو الناتج المحلي فقط 1.3 في المائة للربع الثاني مع تخفيض نمو الناتج المحلي للربع الأول من 1.7 في المائة إلى 4.0 في المائة، إضافة إلى بيانات أخرى سلبية.
ويخلص الشميمري إلى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يعاني تباطؤا، فالانتعاش الاقتصادي مرهون بتحسن البيانات الاقتصادية ككل من بطالة وناتج محلي قومي وغيرهما، وهذا لن يكون فقط برفع سقف الدين العام، بل يحتاج إلى نمو فعلي زيادة في التوظيف، زيادة في نمو الناتج المحلي، توفير المحفزات للشركات الصغيرة.
#3#
ويؤكد حسان الوطبان ـــ محلل اقتصادي ـــ أن مشكلة الدين العام أظهرت حقيقة وجوهر أخلاق قادة كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونجرس في عدم قدرتهم على التوصل إلى الاتفاق، سواء حول رفع سقف الدين العام قبل نفاد السيولة النقدية، أو أي تسوية قد تدار بين الطرفين لأي أمر من الأمور في المستقبل، ما لم أن يقدم كل الأطراف تنازلات يتحملها الاقتصاد المحلي الأمريكي واقتصاديات الدول المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي.
ويزيد أنه من البديهي في الوقت الحالي أن نقول ونؤكد عجز وعدم قدرة الرئيس الأمريكي والإدارة الأمريكية، أن تفي بوعودها اتجاه سداد الدين العام من ناحية، وإضافة إلى عجزها اتجاه تغطية متطلبات الإنفاق العام في مختلف الولايات الأمريكية من تعبيد الطرق والجسور والأنفاق والسدود.
لكن ماذا سيحدث إذا أشهرت الولايات المتحدة إفلاسها بعد ما سعت جاهدة إلى تحقيق قوة القطب الأحادي، ونجحت في ترويض جميع دول العالم على اتباع سياستها، وفرض هيمنتها العسكرية على جميع قوى العالم.
الوطبان يتساءل قبل أن يردف: يجب علينا أن نتيقن من أن الحكومة الأمريكية إلى حد ما لن تشهر إفلاسها في الوقت الحالي، بينما هذه الأزمة زرعت أو غرست بذور ما يسمى العمل على البحث في إيجاد نظام مالي عالمي، ولا يعتمد على الاحتياطي الأمريكي.
ويضيف رئيس مكتب آدم للدراسات والاستشارات الاقتصادية قد لا يقدر البعض خطورة الوضع الحالي بسبب تعليله أن أزمة المفاوضات في الكونجرس الأمريكي ليست إلا مناورة من مناورات السياسيين المراد ترشيحهم في حملة الانتخابات الأمريكية القادمة لعام 2012م، وإن الأمر لا يتعدى حدود المظلة السياسة الداخلية المخطط لها في حملة الانتخابات الأمريكية القادمة.
وعلى الرغم من تأكيده أن ذلك ''قد يكون هذا التعليل صحيحاً، ولكن ليس كافياً وخصوصاً بعد إطلاق شرارة العجز الفعلي للنظام المالي الحالي في ضوء التوجه إلى نظام مالي عالمي جديد، دعونا لا نتوغل كثيراً في هذا التوقع، ولكن يجب أن نذكره من حين إلى آخر ونربطه مع توقع معظم المحللين الاقتصاديين الذين أكدوا خطورة أزمة الرهن العقاري بقدر على خطورة تبعات أزمة الرهن العقاري، وبالتحديد الكثير من المحللين راهنوا على عام 2012م وكأن في نهاية 2012 هو عام نهاية الأزمة المالية وجميع الأزمات الأخرى إذا لم تتخللها اضطرابات مالية وسياسية التي كما نراها في بعض الدول العربية والأوروبية في حين الإدارة الأمريكية عجزت على احتوائها.
#4#
ويرى الدكتور إبراهيم محمد القحطاني الأستاذ في قسم المالية والاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أن الاقتصاد الأمريكي يتميز بمرونته، وأن ''القرارات سريعة''، معتبرا أن العالم ''يتخوف (من الدين الأمريكي) لأنه سيؤثر في الدولار.. الذي يعد في أقل مستوياته منذ السبعينيات''.
وهنا يشير الدكتور القحطاني إلى أن اهتمام دول العالم بالاقتصاد الأمريكي يعود إلى أن كثيرا من الدول ''لديها كثير من الموجودات الأجنبية مقيمة بالدولار أو (أن تلك الدول) مستثمرة بالسندات الأمريكية''.
ويشير الدكتور القحطاني إلى أن هناك تأثيرا واضحا لـ''القطبين (الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري'' في التأخر بشأن اتخاذ قرار بخصوص إمكانية رفع سقف الدين في الولايات المتحدة.
ويزيد أنه كان أمام متخذي القرار في واشنطن طريقتين رئيستين للتخلص أو تأجيل سداد الدين، إما فرض ضرائب.. أو اللجوء لإصدار سندات''، لكنه يستدرك إلى أن استصدار سندات يعد ''دينا مؤجلا.. إذا أصدرت سندات لا بد أن تدفع قيمتها''.
ويلاحظ القحطاني أن الحكومة الأمريكية شرعت بتخفيض عديد من المخصصات في قطاعاتها، وبخاصة غير الربحية منها ''بعض المنشآت غير الربحية أغلقت''.