لماذا يريد سوروس قضاء وقت أقل مع أمواله؟
حين استأجر جورج سوروس مكتباً جديداً بجانب سنترال بارك في مانهاتن عام 1973 لصندوق التحوط الذي كان قد أسسه قبل أربع سنوات من ذلك، كان هو ورفاقه من "المتحوطين" حملة السلاح الوحيدين في الرأسمالية الحديثة. فقد كانت الأموال تأتي – وتذهب - بسرعة جراء اتخاذ رهانات جريئة بناء على حدس. لم يعد الأمر كذلك. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، نما صندوق سوروس من أربعة ملايين دولار إلى 25 مليار دولار، لكنه الآن الرجل الثري العظيم في صناعة ناضجة لم يعد فيها حملة السلاح الوحيدون موضع ترحيب.
إن صناديق التحوط تجدد نفسها باعتبارها أقل ميلاً للمغامرة - وللوهلة الأولى يبدو أن هناك سلطة أخرى تتولى زمام الأمور، هي لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة. فقد تم إبلاغ المستثمرين في صندوق سوروس، كوانتام، هذا الأسبوع أنه ستتم إعادة أموالهم إليهم، كي يتفادى الصندوق القواعد الجديدة التي جلبها قانون دود - فرانك العام الماضي. وعن طريق استثمار أموال عائلة سوروس فقط - التي لا تبلغ إلا 750 مليون دولار أو نحو ذلك من المجموع - سيتم إعفاء صندوقه من القواعد الجديدة.
وليست هذه هي المرة الأولى التي ينسحب فيها أحد عمالقة الصناديق، والسبب فيما يبدو القواعد الجديدة. فقد أغلق ستان دراكنميلر، الذي كان في السابق الرجل الثاني لدى سوروس، صندوقه بعد أسابيع فقط من إقرار قانون دود - فرانك. وقال إن السبب هو الإجهاد، إلا أن توقيته يبدو مصادفة غريبة - خاصة بالنظر إلى أن كارل آيكان، المغير على الشركات، قام بخطوة مماثلة هذا الربيع. لكن لا ينبغي أن تهنئ الأجهزة الرقابية نفسها. فهناك اتجاه أعمق يكمن وراء انسحاب أمثال سوروس ودراكنميلر. ذلك أن أنموذج صناعة صناديق التحوط الذي روجوا له، والقادر على استخدام مليارات الدولارات، يتحول بسرعة ليصبح شيئا من الماضي.
وتم إتقان هذا الأنموذج في التسعينيات، مع الهجوم على الجنيه الاسترليني والهجوم المربح على نحو مماثل، وإن كان أقل شهرة، على البات التايلاندي. وقد حقق سوروس ودراكنميلر نحو مليار دولار لصندوقهما في "الأربعاء الأسود" عام 1992، حين قادا جماعة أجبرت تقييم الجنيه بأقل من قيمته، وفعلا الشيء نفسه ثانية من تايلاند، مما تسبب في أزمة شرقي آسيا عام 1997. وهكذا وُلِدت صورة المضارب باعتباره السيد الأقوى، القادر على إسقاط الحكومات إذا أراد.
لكن الأوضاع تغيرت الآن. وبالطبع، لا يزال سوروس يمتلك كثيرا من المال ويملك قدرة كبيرة على التسبب في الخراب (أو تصحيح شذوذ الأسواق، اعتمادا على وجهة نظرك). وبالمثل، ليست هناك حكومة قادرة لوحدها على محاربة تريليونات الدولارات المتداولة في أسواق العملات الأجنبية. وحتى عن طريق العمل معا، نجح تدخل مجموعة البلدان الصناعية السبع الكبرى ضد الين الياباني في آذار (مارس) الحالي في إضعاف العملة لمدة 34 يوماً فقط.
ومع ذلك، فقد ضعفت كثيرا قوة المضاربين الفرديين من أمثال سوروس. واليوم تشكل صناديق التحوط "الضخمة" مثل كوانتام، القادرة على المراهنة على أي شيء من العملات إلى أسهم البنوك أو الذهب، جزءاً أصغر بكثير ضمن عالم صناديق التحوط الكلي. وفي عام 1990 كانت تسيطر على أقل بقليل من نصف أصول الصناعة؛ والآن هي أقل من الربع - وحتى هذا يمثل انتعاشا كبيرا من المستوى المنخفض عام 2000.
وكان انفجار فقاعة الإنترنت في ذلك العام هو ما مثل بداية نهاية عهد سوروس. فقد دفعته الخسائر على أسهم شركات الإنترنت إلى الانفصال عن دراكنميلر، وتقليل المجازفة التي يتخذها صندوقه والانسحاب. وكان قد ابتعد بالفعل عن عمليات الهجوم على الحكومات الضعيفة أيضا. وخسر بسبب تأنيب ضميره أكثر من مليار دولار عن طريق دعم إندونيسيا وروسيا المنكوبتين بالفقر، بدلا من شن هجوم قاسٍ. وكان يبدو أنه يفضل دور السياسي المخضرم.
وربما تكون أيام الخطوات العالمية الجريئة قد ولت، إلا أن صناديق التحوط استمرت في تشكيل العالم المالي في سنوات العقد الأول من القرن الحالي، حين كانت توفر السيولة لمشاريع من مراكز التسوق في موسكو إلى المزارع البرازيلية. لكن حين حدث الانهيار، اضطر عدد أكبر بكثير من المتحوطين إلى الانسحاب من أولئك الذين استفادوا منه. ودفعت الأزمة سوروس إلى التدخل وتولي زمام الأمور في كوانتام ثانية. لكن خلافا ليوم الأربعاء الأسود، أو تخفيض قيمة البات التايلاندي، كان هذه المرة أحد المشاركين الساعين للاستفادة من الوضع، وليس الشخص الذي يقود الهجوم. وبعد الأزمة، حصل المتحوطون الذين كان أداؤهم جيدا - بولسون وكو على وجه الخصوص - على عشرات المليارات من الدولارات على شكل أموال جديدة. لكن حتى هذا لم يبد أنه أعاد لهم قوتهم السابقة فقد أصبحت الأسواق العالمية كبيرة جدا. وفي الواقع ليست هناك حادثة تبين بشكل أكثر وضوحا الدور الجديد المحدود لهؤلاء العمالقة الذين كانوا شديدي القوة يوما ما أكثر من الكارثة بطيئة الحركة المسماة منطقة اليورو. وكان من المفترض أن تكون هذه نعمة بالنسبة للقتلة المحترفين. لكن لم ير أي منهم إمكانية الوقوع في المشاكل بشكل مسبق بما فيه الكفاية لجني أرباح مجزية. وبدلا من ذلك، فقد الكثير من أكبر الأسماء في الصناعة توازنهم جراء التغيرات المستمرة في العملة، وقلقهم من التداعيات السياسية المحتملة. وكمجموعة، تخسر الصناديق الضخمة المال حتى الآن هذا العام.
ويتم أيضا إدارة صناديق التحوط الحالية بشكل مختلف، لأنها تمثل مصالح مختلفة. ففي عام 1998 كان جميع عملائهم تقريبا من الأثرياء. واليوم أكثر من نصفهم مستثمرون مؤسسيون - مثل صناديق المعاشات التقاعدية - يريدون عوائد ثابتة، وليس الأرباح الممتازة من النوع الذي كان يحققه سوروس بمنتهى النجاح والكفاءة في أيام مجده. فهذه مؤسسات غير راغبة في الاستثمار في مجموعة من رجلين في سنترال بارك ويست. فهي تريد ضوابط، وخطوط إبلاغ، ورقابة مستقلة. ولا تريد تشابكات سياسية، أو رهانات مركزة من النوع الذي كان سوروس متخصصا فيه. فصناديق التحوط أصبحت تقليدية، وهذا يصعِّب عليها أن تكون فريدة.
وفي النهاية، ربما يكون لدى بعض المسلحين الوحيدين الكثير من المال بحيث لا يريدون محاربة الأسواق كل يوم. ويشير باربتون بيغس، الذي التقى سوروس لأول مرة في الستينيات والذي يدير الآن صندوق تحوط خاص به، إلى أن "سوروس لطالما أراد أن يكون فيلسوفا في حين أن دراكنميلر لطالما أراد أن يكون لاعب غولف أفضل". ووفقا لإحدى الدراسات، حقق سوروس لعملائه أكثر مما حقق أي صندوق تحوط آخر. وخلافا لمعظم أصحاب المليارات، يريد الآن التقاعد من أجل قضاء وقت أقل مع أمواله.