نطاقات لتحديد مستحق الزكاة
كما نعلم أن الله سبحانه وتعالى فرض الزكاة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وحدد مستحقي الزكاة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (سورة التوبة: 60)
وكما هو واضح في الآية أنها ذكرت تفاصيل عن مستحقي الزكاة، وبدأت بأكثر المستحقين احتياجاً للزكاة وهم الفقراء، ثم المساكين. وقد اختلف المفسرون في مسألة التفريق بين هذين النوعين من مستحقي الزكاة؛ إذ إن بينهما نوعا من التشابه ولو أنه ورد أحدهما لفسر به الآخر، ولعل إيرادهما في هذه الآية له حكمة عظيمة، حيث يؤكد أن مستحق الزكاة أعم من الشخص الذي لا يكاد يجد قوت يومه فقط، وهو ما فُسر به من قبل بعض أهل العلم، حيث إن وضع هذا الشخص ظاهر لمن يعرف حاله، فيكون من السهل الحكم بفقره واستحقاقه. ولكن إيراد المسكين هنا يؤكد أن المسألة لا تقتصر على من لا يجد قوت يومه، ويؤكد ذلك ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا السياق، حيث قال: ''ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا''.
وفي هذا الحديث إبراز إلى مسألة أن العناية بالفقر والحاجة لا تقتصر على من لا يجد ما يسد به جوعه بل تتعدى إلى من لديه حاجة تجعل منه شخصا لا يعيش كما يعيش الآخرون في الحصول على الحد الأدنى من الاستقرار المالي.
وواقع الحال اليوم - كما سبق - في مسألة الزكاة قد تكون واضحة في تحديد الفقير، ولكن مسألة تحديد مستحق الزكاة من المساكين أمر لا يزال غير واضح لكثير من أفراد المجتمع، وتخضع لاجتهادات متفاوتة سواء من قبل مخرج الزكاة، أو حتى من العلماء والمفتين. إذ إنها اجتهادات لا تعطي في واقع الحال مؤشرات يمكن أن يستفاد منها لكي يعرف الشخص الذي يدفع الزكاة أنه قد أبرأ ذمته بإعطائها لشخص يظن أنه محتاج، بناءً على اجتهاده الشخصي.
ولذلك من المهم إعطاء مؤشرات أو وضع نطاقات لمستويات الفقر بشكل عام، وذلك ليستفيد منها رجال الأعمال والأثرياء والجمعيات الخيرية، والفقراء والمحتاجون والمساكين، وتكون أيضا مفيدة في مسألة الإحصائيات لاحقا في الخطط الاقتصادية والتنموية ومدى تقدم المجتمع والجهات ذات العلاقة في التغلب على هذه المشكلة. قد يكون لدى بعض الجهات مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط مؤشرات بناءً على دراسة اقتصادية لوضع المجتمع، لكن من المهم أن يكون هناك نشر لهذه المؤشرات كي تستفيد منها الجهات المختلفة، وعرضها أيضا على هيئة كبار العلماء للتأكد من توافقها مع ما ورد من كتب الفقهاء، مع العلم أن مثل هذا البرنامج يعطي مؤشرا على تقدم الجهات المعنية في علاج مشكلة الفقر، ومستوى التحسن في وضع الفقراء، وتستفيد منها وزارة الشؤون الاجتماعية في تحديد مستوى احتياج المتقدمين بطلب الضمان الاجتماعي.
من المهم عند العمل في مثل هذا المشروع أن يكون هناك تحديد للفقير والمسكين بناءً على الوضع الاقتصادي العام في المملكة، وأن يكون هناك وضع مستويات للمسكين بناءً على درجات الحاجة مع إعطاء مقترحات لنوع المساعدة، ففي حالة الفقير فإن الأمر واضح، وهو أنه يتعلق بكل أنواع الاحتياجات، مثل الطعام والكساء، والعلاج والتعليم وغيرها من الاحتياجات، ولكن في حالات المسكين وهو الأفضل حالا من الفقير قد تكون الاحتياجات مختلفة نوعا ما فقد يكون مكتفيا من جهة الطعام والكساء، لكن في أمور مثل تكلفة الخدمات، والصحة والتعليم فإنه لا يجد كفايته؛ ولذلك قد يكون التركيز على هذه الأمور ومساعدته فيها قد يكون لها تأثير أكبر، خصوصا من الأشخاص الذين يفضلون غالبا عدم دفع النقود مباشرة للفقير.
من الأمور التي ينبغي أخذها في الاعتبار والتي تعد فارقا بين المحتاجين هو مكان السكن، حيث إن هناك فارقا بين سكان المدن الكبرى وسكان المدن الصغيرة والقرى. حيث إن تكلفته في القرى أو المدن الصغيرة أقل بكثير، ولذلك عند وضع مثل هذه المؤشرات ينبغي الأخذ في الاعتبار النظر إلى مسألة السكن بمؤشر مختلف، نظرا للتفاوت في مسألة الإيجارات في المدن الكبرى والصغرى. يضاف إلى ذلك أنه ينبغي إدخال مسألة الديون في المؤشر بناءً على قدرة الشخص على السداد من عدمها، حيث تفيد أيضا القضاة في الحكم بإعسار الشخص من عدمه، وتساعد الجهات الحكومية ذات العلاقة بمسالة الديون.
فالخلاصة، إن وضع نطاقات إلى مستوى حاجة الفقراء والمساكين في المجتمع أمر مهم، لمساعدة المؤسسات الخيرية والأثرياء والمحتاجين في المجتمع لتحديد المستحق للزكاة والصدقة، ونوع الاحتياج المناسب، والاستفادة منه بالنظر إلى خطط المؤسسات ذات العلاقة في تجاوز مسألة الفقر، وهي تفيد بلا شك مؤسسات حكومية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها، كما أنها تسهل التعامل بكفاءة مع مثل هذه المشكلة، وتطمئن المجتمع عندما يكون هناك تقدم في علاج مشكلة الفقر بناءً على مؤشرات ظاهرة، سواء تشير إلى علاج المشكلة بشكل نهائي للبعض، أو تحسن في الوضع العام للفقر.