متخصص: ندوة البركة أثْرت الساحة المصرفية رغم اقتصارها على مدرسة فقهية واحدة
في ندوة البركة 32 التي عقدت أخيرا قال صالح كامل إن الاقتصاد الإسلامي حقيقة وليس مجرد كلمات تنطق، وما نراه من الأحداث الحاصلة في الأزمات العالمية، ومنها أزمة الديون الأخيرة وسببها التعامل الربوي، دليل على صحة منطق الاقتصاد الإسلامي، ولو فُهم الاقتصاد الإسلامي كما يجب لما رأينا هذه الأزمة، فالدولة المسيطرة على الاقتصاد العالمي دخلت في أزمة ديون بسبب الربا الذي يحرمه الاقتصاد الإسلامي، معتبرا تطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي حلا جذريا للأزمات الاقتصادية التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة.
وتحدث عن فشل المدرسة الاشتراكية والمدرسة الرأسمالية الحالية وأنه لا مناص من مدرسة الاقتصاد الإسلامي الذي يعتمد الوسطية.
وحول ندوة البركة أشار صالح كامل إلى أنها غطت معظم الحاجات العملية للمصارف الإسلامية وأصبحت مرجعا للهيئات والباحثين، مضيفا أن مجموعة البركة المصرفية أنشأت مكتبة فقهية أعد أبحاثها ودراساتها عدد من العلماء والفقهاء وهي متاحة للجميع لتسترشد بها البنوك والمصارف، ومن يريد تطبيق الاقتصاد الإسلامي بإمكانه الرجوع إليها وهي ليست ملزمة لمن لا يرغب التعامل بأبحاث وتوصيات الندوة.
#2#
وحول مدى أهمية ودور ندوة البركة طوال هذه الفترة، أكد الخبير في المصرفية الإسلامية لاحم الناصر لـ "الاقتصادية" أن ندوة البركة أثْرت الساحة الفقهية في مجال المصرفية الإسلامية على مدار السنوات الـ 32 من خلال الأبحاث المقدمة فيها، إلا أنها مالت في الآونة الأخيرة إلى تكرار المستكتَبين والمتحدثين فيها الذين هم في الغالب يمثلون مدرسة فقهية واحدة، ويكون الرأي المطروح فيها رأيا واحدا لا يعبر عن آراء المدارس الفقهية المتعددة في العالم الإسلامي وآراء الفقهاء المعتبرين في العالم، الأمر الذي يعتبره الناصر يضعف من قوة القرارات والفتاوى الصادرة عنها.
وأضاف الناصر لو أن الندوة عملت على تغيير وتنويع المتحدثين والمستكتَبين في كل سنة لكان في ذلك إثراء أكثر للساحة المصرفية ووجدنا تطورا أكبر في المصرفية الإسلامية وقبولا أكبر لما ينتج عن الندوة من قرارات وفتاوى وتوصيات لدى الفقهاء، لأنها جمعت الآراء المختلفة ويكون ما يصدر عنها بمنزلة اجتهاد جماعي، أما ما يصدر عنها اليوم فلا يعتبر اجتهادا جماعيا لأنها تمثل مدرسة فقهية واحدة ولا تعبر عن جميع مدارس الفقه الإسلامي.
وبالنظر إلى دورات ندوة البركة المصرفية الممتدة على مدار 32 عاما وإلى أي مدى أسهمت في إثراء العمل المصرفي الإسلامي قال الناصر إن ما يصدر عن الندوة هو مجرد آراء فقهية لا تتحول إلى تطبيقات عملية في الغالب، وإن وجدت بعض الأطروحات العملية إلا أنها قليلة، ولا شك أن هذا جانب سلبي.
ومن جهة أخرى فهناك جوانب إيجابية تحسب للندوة عن طريق دراسة المنتجات الجديدة المطروحة في السوق، وهذه الدراسة يبنى عليها دراسات أخرى ينتج عنها قرارات من المجامع الفقهية المعتبرة، وهذا يحسب للندوة ويحمد لها، فعلى سبيل المثال ما يتعلق بقضية التورق المصرفي المنظم فإن أول من أثارها هي ندوة البركة التي رفعت توصيات بناء على الدراسات المقدمة في الندوة إلى مجمع الفقه الإسلامي بوجوب دراسة هذا المنتج وإخراج رأي فيه، وصدر عنه القرار المعروف بعدم جواز التورق المنظم والعكسي.
وأضاف الناصر أن كثيرا من الآراء المطروحة في الندوة تبقى نظرية في الغالب وبعضها غير قابلة للتطبيق، لأنها أمور فقهية بحتة ولا تقدم حلولا تطبيقية عملية ومجربة بعد الاختبار والدراسة يمكن الأخذ بها، بل إن كثيرا منها تخيلات فقيهة وتأصيلات نظرية كما هي موجودة في الكتب الفقهية ولا تتوافق مع الواقع لتطبيقها.
وقال الناصر لو أن الندوة تتبنى قضية معينة في كل دورة من دوراتها وتخصص لها ميزانية ويعمل عليها عدد من الخبراء والمصرفيين وينتج عن ذلك طرح منتج بديل يتم تطبيقه مبدئيا عن طريق فروع مجموعة البركة المصرفية كونها هي الجهة المنظمة للندوة فهذا أفضل.
وحول كثرة ندوات ومؤتمرات المصرفية الإسلامية وكيف يمكن جعلها واقعا عمليا تلتزم به المؤسسات المالية قال الناصر: إنه يجب التفريق بين المؤتمرات والندوات التي تعقد في قطاع المصرفية الإسلامية، لأن المؤتمرات هي في الغالب تقام لبناء العلاقات العامة بين المؤسسات المالية لتطوير الأعمال بحيث يجتمع أهل الصناعة من كل مؤسسة وينتج عن ذلك في الغالب عقود وصفقات، أما الندوات فإن الإشكالية الحاصلة فيها أن الذي ينظمها مؤسسات مالية غير رسمية لها صفة الإلزام، وبالتالي فإن هذه الندوات وما ينتج عنها لا يطبق غالبا في الواقع العملي لأن ما يصدر عنها يكون اختياريا وليس إلزاميا، وما يحصل هو مجرد نقاشات وتلاقح فكري وأبحاث علمية حول القضايا المصرفية، لكن لو عُقد مؤتمر بتنظيم وإشراف المؤسسات الرقابية مثل مؤسسة النقد السعودي فإن ما يصدر عنه ستلتزم به هذه المؤسسات الرسمية في الغالب وينعكس ذلك على واقع المؤسسات المالية. بالتالي فإن أي مؤتمر يُعقد ينبغي أن يكون بتنظيم من جهة لديها القدرة على التنفيذ والإلزام بما يصدر عنه من قرارات وتوصيات.
ويعتبر غياب التنسيق الجماعي والخطة المشتركة وتفضيل العمل الفردي من قبل المؤسسات المالية سمة غالبة، وهي مشكلة تواجه قطاع المصرفية حاليا، وقال لاحم الناصر إن هذه المشكلة لا يمكن التصدي لها ما لم تشعر المؤسسات المالية بالحاجة إلى قيام هذا التنسيق المشترك، أو أن يكون هناك أمر إلزام من قبل المؤسسات والجهات الإشرافية في الدول، إلا أن الأمر الأخير في الحقيقة قد يصطدم بعقبة السيادية الموجودة لدى كل دولة، وبالتالي ينبغي أن يكون هناك قرار سيادي من قبل الجهات الإشرافية بتعيين جهة معينة يكون لها مهمة توحيد الجهود والتنسيق بين جميع المؤسسات.