خبراء: دول الخليج مؤهلة لإنشاء نواة السوق المالية الإسلامية المشتركة
أكد خبراء على إنشاء سوق مالية إسلامية مشتركة لمواجهة التكتلات والأزمات الاقتصادية العالمية وضرورة هذه الأسواق لتفادي الأضرار الناجمة عن التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق العالمية، معتبرين أن أولى الدول المرشحة للقيام بإنشاء سوق مالية مشتركة هي دول الخليج بما فيها السعودية إضافة إلى تركيا ومصر. يأتي ذلك في ظل تنامي الاهتمام العالمي بالأسواق المالية لتنمية رأس المال سواء بالاستثمار أو التمويل، وتنامي الطلب على المنتجات والخدمات المالية الإسلامية في السوق المحلية في السنوات القليلة المالية، حيث تبرز أهمية الأسواق المالية الإسلامية المشتركة لفتح آفاق جديدة ومهمة في مجال التمويل والاستثمار عبر توسيع نطاق الاهتمام بتنامي الطلب على المنتجات والخدمات المالية الإسلامية في السوق المحلية، إضافة إلى فتح هذه الأسواق مجالا أكبر لمن يريد التمويل والاستثمار المتوافق مع الشرعية الإسلامية بأدوات متعددة ومتنوعة المخاطر، وتحديد الأدوات والشركات التي يستطيع الاستثمار من خلالها دون عناء البحث عن تطبيق معايير مختلفة ومتعددة لتحديد أي منها يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في الأسواق المالية العادية، إضافة إلى أن وجود السوق المالية يسهل إجراءات الكثير من المؤسسات في الحصول على التمويل والاستثمار في المعادن والسلع دون الاحتياج إلى البحث عن هذه الفرص من خلال أسواق أخرى في العالم.
#2#
وتقوم الأسواق المالية على تداول الأسهم والصكوك وغيرها من الأوراق المالية، كما يمكن فيها تداول السلع الرئيسية كالمعادن والبترول وكذلك الأوراق النقدية، وذلك عبر طرق متعددة ومختلفة من أشكال البيوع، ويؤكد خبراء في هذا الصدد أن الأدوات التي يمكن إصدارها للتداول في هذه الأسواق في المرحلة الأولى تتمثل في الأدوات المالية الأساسية كالأسهم للشركات التي يكون قد تم إقرارها من قبل المرجعية المعنية بأنها تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأدوات الدخل الثابت سواء أكانت قصيرة أم طويلة الأجل (الصكوك) وسواء أكانت صادرة عن حكومات أم شركات.
وكان المشاركون في مؤتمر ''العالم الإسلامي .. المشكلات والحلول'' الذي عقدته رابطة العالم لإسلامي في تموز (يوليو) الماضي قد طالبوا بضرورة البدء في إنشاء السوق الإسلامية المشتركة، مؤكدين ضرورة وجود كيانات اقتصادية جامعة تعمل على استيعاب طاقة شعوب العالم الإسلامي وإمكاناته البشرية والمالية والإبداعية.
في هذا الصدد يؤكد الباحث في التمويل الإسلامي عمار العبد الله لـ ''الاقتصادية'' أنه في ظل التكتلات التي نعيشها اليوم سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وفي ظل الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق العالمية منذ أكثر من سنتين ولا تزال آثارها وتبعاتها تعاني منها الأسواق العالمية، بل وربما تتجدد هذه الأزمة بشكل أو بآخر، يجب على الدول العربية والإسلامية العمل بجدية على إنشاء سوق مالية مشتركة بينها يتحقق من خلالها الاستقرار الاقتصادي للدول الأعضاء.
وقال العبد الله إن السوق المالية المشتركة أصبحت ضرورة لا محيد عنها، وذلك لتفادي الأضرار الناجمة عن التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق العالمية، حيث إن السوق المالية المشتركة تعمل على تعزيز ودعم التكامل والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء من خلال التبادل الاقتصادي على كافة الأصعدة التجارية والصناعية والزراعية، وتبادل الخبرات في كل هذه المجالات، ورفع القيود عن حركة رؤوس الأموال، وتبادل السلع والمنافع وعناصر الإنتاج. مضيفا أن هذا من شأنه المساعدة على زيادة النشاط الاقتصادي والقضاء على الركود الاقتصادي، وتوفير فرص عمل جديدة مما يعني تخفيف نسبة البطالة، وكذلك استغلال أكبر قدر ممكن من عناصر الإنتاج الموجودة لدى الدول الأعضاء، إلى جانب تأمين عدم خروج رؤوس الأموال إلى الخارج، بل إن ذلك يؤدي إلى جلب رؤوس أموال جديدة بسبب الاستقرار الاقتصادي الذي يمكن أن تتمتع به هذه السوق المالية المشتركة.
واعتبر العبد الله أن أولى الدول للقيام بإنشاء السوق المالية المشتركة بحيث تكون هذه السوق هي النواة الحقيقية لإنشاء سوق مالية إسلامية، هي دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لما تتمتع به هذه الدول من استقرار اقتصادي، ووجود رؤوس أموال كبيرة غير مستغلة، وكذلك وجود أكبر قاعدة مصرفية في هذه الدول مجتمعة مقارنة بغيرها من الدول، إلى جانب التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي على عدة مستويات من بينها التعاون الاقتصادي، وأضاف أن أبرز خطوة يمكن البدء بها في هذا المجال هي العمل على توحيد العملة وإنشاء بنك مركزي موحد.
وحول أسباب غياب مثل هذه الأسواق المالية قال العبد الله إن غياب الإرادة وبالأخص الإرادة السياسية هي العائق الأكبر وراء تأخر قيام سوق مالية مشتركة، كما أن عدم وجود تشريعات خاصة بالبنوك الإسلامية في عدد من الدول العربية والإسلامية والتي تعد الركيزة الأساسية في بناء السوق المالية المشتركة إضافة إلى عدم التنسيق والتعاون بين هذه البنوك أدى إلى تأخر قيام السوق المشتركة، ومن الأسباب أيضا غياب التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، وندرة التبادل التجاري بينها، وكذلك القيود المفروضة على حركة نقل الأموال والسلع والخدمات بين هذه الدول، إضافة إلى غياب المشروعات الاقتصادية المشتركة، والفساد المالي والسياسي الذي تتشبع به الدول العربية والإسلامية.
وعن الآثار الإيجابية المترتبة على وجود هذه الأسواق المالية قال العبد الله إنها تتمثل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدول الأعضاء، حيث تكفل لها السوق المالية المشتركة الاستغناء عن استيراد الكثير من الحاجات الأساسية من الخارج، وتحقيق التنمية الشاملة من خلال اجتماع عناصر الإنتاج بحيث تجتمع رؤوس الأموال إلى جانب الموارد البشرية والأراضي الزراعية، وكذلك تحقيق الرفاهية كنتيجة حتمية للنمو الاقتصادي الذي سوف تتمتع به الدول الأعضاء، والاستغلال الجيد والأمثل للموارد الاقتصادية، إضافة إلى مكافحة البطالة من خلال المشاريع الاقتصادية الجديدة والتي ستوفر الكثير من فرص العمل للعاطلين عن العمل, وكذلك حرية تحرك الأيدي العاملة بين الدول الأعضاء، ومكافحة الفقر بمكافحة أسبابه من الجهل والتخلف وعدم تأهيل العاطلين عن العمل وقلة فرص العمل.
من جهته أكد الدكتور صالح السلطان المتخصص في الاقتصاد الكلي والمالية العامة لـ ''الاقتصادية'' أن أسباب تأخر قيام سوق مالية مشتركة كثيرة منها سياسية واقتصادية واجتماعية وجغرافية وعلمية، معتبرا أن وجود هذه الأسواق يساهم في زيادة التعاون والترابط بين الدول الإسلامية وزيادة تبادل المنافع والمصالح بينها، وعن الإمكانيات المتوافرة للصناعة المصرفية وقدرتها على تشكيل منصة انطلاق للسوق الإسلامية قال السلطان إن هذه الأسواق همٌ وهدف مشترك يتطلب جهودا لا تكفيها الصناعة المصرفية القائمة، مرشحا من الدول الرئيسة القادرة على البدء في هذه المشاريع تركيا والسعودية ومصر، ومضيفا أن الجهة المسؤولة لتحقيق وإدارة هذا الأمر هي منظمة التعاون (المؤتمر) الإسلامي. وقال السلطان إن تأسيس وقيام صناعات حرفية تمثل دول العالم الإسلامي في مدينة صناعية بالقرب من مكة المكرمة يمثل خطوة وبداية في هذا الاتجاه.